هآرتس/ نير حسون
المقال يعبر عن رأي كاتبه
في الأيام الأخيرة، أصبح حي الشيخ جراح في القدس الشرقية بؤرة اشتباكات عنيفة، كما حدث العام الماضي، عشية عملية “حارس الأسوار” ما هو سبب الصراع في الحي؟ ولماذا أصبح رمزاً وطنياً فلسطينياً؟
الشيخ جراح أم “شمعون هتسديك”؟
بالنسبة للفلسطينيين، يعتبر الشيخ جراح مزيجاً من “رحافيا وشكنوت شعنانيم” – كلاهما حي راقٍ ورائد خارج أسوار مدينة القدس القديمة، تم تأسيس الحي من قبل العائلات الفلسطينية العريقة في القدس – بقيادة عائلات الحسيني والنشاشيبي – الذين أقاموا منازل فاخرة هناك في نهاية القرن التاسع عشر.
وفي وقت لاحق تم إنشاء حيين يهوديين صغيرين في المنطقة – حي “شمعون هتسديك”، الذي أنشأه المحسنون كنوع من الإسكان العام بالقرب من ضريح “شمعون الصديق” في قلبها، وحي “نحلات شمعون” حيث كانت توجد منازل خاصة صغيرة.
كلا الحيان هُجرا عام 1948 قبل أن يسيطر الجيش الأردني على المنطقة، بدلاً من اليهود الذين غادروا، واستقرت عائلات اللاجئين الفلسطينيين من القدس الغربية وأماكن أخرى في الحي، واليوم يعيش في الشيخ جراح عدة آلاف من الفلسطينيين وعشرات من اليهود.
بسبب تاريخ الحي ولأن الغالبية المطلقة من سكانه من العرب، أطلقنا عليها اسمه العربي، واخترنا استخدام هذا الاسم في هآرتس أيضاً.
ما خلفية الاشتباكات التي اندلعت في الحي هذا الأسبوع؟
اندلعت الاشتباكات العنيفة الأحد الماضي عقب إعلان عضو الكنيست “إيتمار بن جفير” (الصهيونية الدينية) عن افتتاح مكتب برلماني له في الحي – حيث أقيمت خيمة بجوار منزل عائلة سالم الفلسطينية، والتي من المقرر أن يتم طردهم من منزلهم الشهر المقبل، وجاء بن جفير إلى الحي بعد اندلاع حريق يوم الجمعة في منزل عائلة “يوشيفيف” – المستوطنون اليهود الوحيدون في هذا الجزء من الحي، يعاني أفراد أسرة المستوطنين للمضايقات منذ فترة طويلة، وتم إحراق سيارتهم عدة مرات، وقالت الشرطة إنه تم العثور على أدلة تشير إلى إحراق المنزل، فيما اعتقلت الشرطة اثنين من المشتبه بهم، وبحسب الفلسطينيين، لم يكن هناك حريق متعمد واندلع الحريق نتيجة ماس كهربائي.
بعد إنشاء مكتب “بن جفير” مباشرة، اندلعت اشتباكات كلامية بين شبان فلسطينيين ويهود حول الخيمة، وفي أجزاء أخرى من الحي، ومساء الأحد تدهورت الأمور إلى مواجهات جسدية ورشق حجارة ومفرقعات، وهاجمت الشرطة بقوات كبيرة كلا المجموعتين، وقامت بتفريقهما بالقوة من خلال قنابل الصوت ورش المياه، وقد أصيب عشرات الفلسطينيين وعدد من اليهود بجروح طفيفة.
وكان العشرات من الشبان المتزمتين “الحريديم” الذين أرادوا مهاجمة السائقين الفلسطينيين يتجولون في شارع بار ليف، الذي يفصل بين غرب المدينة وشرقها، وعاد “بن جفير” الذي سقط في أثناء إجلاء أنصاره في وقت متأخر من الليل، إلى الحي في اليوم التالي.
ما هو وضع الأرض في الحي؟
معظم أراضي الحي مملوكة ملكية خاصة لفلسطينيين، لكن في منطقتين فيها – في الجزء الشرقي المعروف باسم “كرم جاعوني” وفي الجزء الغربي المعروف باسم “أم هارون” – توجد أراض مملوكة لليهود، يسمح الجمع بين قانونين لليهود فقط بالحصول على الممتلكات التي كانوا يمتلكونها قبل عام 1948: قانون أملاك الغائبين، الذي ينطبق فقط على الفلسطينيين (وفقاً للغة القانون، أولئك الذين كانوا في أراضي العدو في أي فترة قبل القانون أو بعده تم سن القانون لهذه الغاية).
مصادرة جميع الممتلكات المملوكة للفلسطينيين قبل الحرب، وقانون الترتيبات القانونية والإدارية (أمر القانون والنظام رقم “1” لسنة 1967، الذي أعلن فيه أن مساحة أرض إسرائيل، هي خاضعة لقانون قضاء وإدارة الدولة الإسرائيلية) ويسمح لليهود باستعادة ممتلكاتهم.
منذ الثمانينيات، تعمل منظمات يمينية على تحديد مكان ورثة الممتلكات اليهودية في الحي ورفع دعاوى إخلاء نيابة عنهم ضد عائلات فلسطينية تعيش في منازل، وحتى الآن، تم إجلاء خمس عائلات فلسطينية من منازلها، ولا تزال الإجراءات القانونية جارية بشأن عشرات العائلات الأخرى.
أين قضايا الإخلاء؟
قانونياً هناك فرق بين شطري الحي الشرقي والغربي، خلال عملية “حارس الاسوار”، تم لفت الانتباه إلى “كرم الجاعوني”، حيث كانت الأراضي قبل عام 1948 مملوكة للجنتين يهوديتين، “أشكنازي وسفاردي”، وفي التسعينيات من القرن الماضي، باعت اللجان الأرض لشركة “نحلات شمعون” المسجلة في الخارج، وتعمل منذ ذلك الحين على إخلاء 27 عائلة فلسطينية تعيش في المجمع، والتي سكنوا في هذه الأرض في الخمسينيات بمبادرة من الحكومة الأردنية والأمم المتحدة، فيما ينتظر السكان الفلسطينيون الآن قرار المحكمة العليا بعد أن رفض الجانبان، الفلسطينيون والمستوطنون، اقتراح تسوية يهدف إلى منع الإخلاء الفوري.
وفي الجزء الغربي من الحي، كانت المنازل مملوكة ملكية خاصة لعائلات فلسطينية، هناك إجراءات قضائية مطولة بين الورثة اليهود الذين يزعمون ملكيتهم للأرض، يمثلهم نشطاء يمينيون، وبين السكان الفلسطينيين.
وزادت التوترات في الحي تحسباً للإخلاء المتوقع لعائلة سالم التي يبلغ عدد أفرادها 11 شخصاً، حيث تعيش الأسرة في منزل كبير منذ عام 1951، وقد اشتراه عضو مجلس مدينة القدس جوناثان يوسف من الورثة اليهود الذين يزعمون أن الأرض لهم.
شاهد: الاحتلال يعدم فلسطينيا بالرصاص بالقرب من نابلس
شاهد…مأساة “الشيخ جراح” بالقدس…القصة الكاملة
شاهد: شهيدان ومصاب بالقرب من جنين برصاص الاحتلال
وقبل أسبوعين، صدر أمر للجهات التنفيذية بطرد الأسرة في الفترة ما “بين 1 مارس إلى 1 أبريل”، وتشير التقديرات إلى أن الشرطة ستحاول قدر المستطاع تفادي الطرد قبل شهر رمضان الذي سيوافق أبريل القادم، من أجل منع تصعيد شامل في القدس – وقد تسعى حتى إلى تأجيله إلى ما بعد رمضان، على أي حال، من المحتمل أن يؤدي إخلاء العائلة إلى إثارة الاحتجاجات ويؤدي إلى استئناف الاشتباكات العنيفة في الحي.
ما علاقة الشيخ جراح بعملية “حارس الأسوار”؟
إن الكفاح ضد إجلاء العائلات الفلسطينية من الحي مستمر منذ سنوات عديدة، وفي كل يوم جمعة منذ 13 عاماً، يتظاهر العشرات من النشطاء اليساريين والفلسطينيين في الموقع، وفي العام الماضي، أصبح الشيخ جراح رمزاً وطنياً فلسطينياً، في مواجهة خطر الإخلاء المباشر الذي تواجهه 13 عائلة في وقت واحد، وخلق هذا الوضع انطباعاً، على عكس ادعاء المستوطنين، لم تكن هذه قضية عقارية خاصة لكل أسرة، بل جهداً مشتركاً لتهويد منطقة بأكملها، تحت ضغط نشطاء اليمين وبمساعدة السلطات.
جذب هذا الشعور الكثير من الاهتمام الدولي إلى الحي، وساعد نشاط سكانها الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي – والمشهورين كالتوأم محمد ومنى الكرد، ولهما ملايين المتابعين) على جعل الشيخ جراح رمزاً للمقاومة الفلسطينية، وسبب آخر هو قرب الحي من شارع “بار ليف” والعديد من القنصليات الأوروبية.
في أيار 2021 بدأت حماس تهدد بأن طرد العائلات الفلسطينية سيثير رد فعل عنيف، بدأ شبان فلسطينيون من جميع أنحاء القدس في القدوم لصلاة جماعية وتظاهرات في الحي، والتي عادة ما تنتهي بإخلاء عنيف من قبل الشرطة، كما انضم حصار باب العامود “في القدس” من قبل الشرطة إلى تأجيج الوضع في الشيخ جراح، وكانت هاتان المسألتان في قلب التوترات التي أدت إلى جولة القتال في قطاع غزة، وأحداث العنف في المدن المختلطة، وطوال أيام القتال وثقت الشرطة العديد من حالات العنف غير المبرر، وأصيب العديد من سكان الحي بالرصاص، وفي الشهر نفسه، كانت هناك أيضاً محاولة لدهس نقطة تفتيش أقامتها الشرطة في الحي، ما أسفر عن إصابة سبعة من رجال الشرطة.
هل سيؤدي التوتر إلى جولة أخرى من العنف؟
من الصعب التقييم، ولكن حتى لو هدأت الأجواء في الأيام المقبلة، فمن الصعب تجاهل حقيقة أن هناك الآن في الشيخ جراح جميع العوامل التي أدت إلى الجولة السابقة – طرد شبه مؤكد للعائلات الفلسطينية من منازلهم، وزيادة الاهتمام من الجمهور الفلسطيني والمجتمع الدولي وتهديدات حماس، وكل ذلك انضم إليهم الرجل اليميني المتطرف “بن جفير”، الذي جاء لإشعال الأجواء.
المصدر/ الهدهد