قليل من الانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينيون على أيدي جنود الجيش الإسرائيلي يتم توثيقها، فيما تمر الغالبية العظمى دون الكشف عنها أو محاكمة مرتكبيها.
هذا ما كشفت عنه صحيفة “هآرتس” العبرية، قبل يومين من محاكمة 5 جنود من شرطة حرس الحدود الإسرائيلية، لارتكابهم 14 اعتداء مروعا بحق عمال فلسطينيين، لدى دخولهم البلاد للعمل.
تسريب يكشف جرائم إسرائيلية
وتم تقديم لائحة اتهام ضد الجنود في 13 أغسطس/ آب الماضي، بالمحكمة المركزية في بئر السبع (جنوب)، لارتكابهم سلسلة جرائم، بينها السطو المسلح، والضرب المبرح، وتعذيب الأبرياء، والتهديد، وخيانة الأمانة، وإتلاف الأدلة.
وارتكبت تلك الجرائم بشكل يومي منذ منتصف يوليو/ تموز، عندما تم إغلاق حاجز ميتار جنوبي الخليل، جنوبي الضفة الغربية المحتلة، بسبب فيروس كورونا.
تحليلات إسرائيلية: التفاهمات مع حماس هشة ومدتها محدودة
مصادر في قطاع غزة: حماس تريد التوصل إلى صفقة تبادل أسرى قريباً
صحيفة إسرائيلية: طائرات بدون طيار ومراقبة دقيقة هكذا اغتيل أبو العطا
وعزت الصحيفة سرعة تقديم لائحة اتهام ضد الجنود الخمسة، إلى توثيقهم الفظائع التي ارتكبوها بحق العمال للتفاخر بها أمام زملائهم، ثم تسريبها لاحقا.
الطريق إلى “الجحيم الإسرائيلي”
وروى اثنان من الضحايا كيف تعرضوا للإذلال السادي والضرب وصولا إلى إراقة الدماء وسرقة أموالهم، فيما كانا في طريقهما إلى إسرائيل للعمل.
ووقعت معظم الاعتداءات تحت جنح الظلام، بعيدا عن أعين الجميع، حيث اعتاد المتهمون أن يأمروا العمال بإفراغ جيوبهم، ثم سلب أموالهم.
لكن للزيادة في الإجرام، أمروهم أيضا بالاستلقاء على الأرض، ثم بدأوا ضربهم دون رحمة، وركلوا أعضاء أجسادهم ورؤوسهم وضربوهم بقبضاتهم وهددوهم بالسلاح، فيما قسموا بينهم الأموال التي نهبوها، وفق الصحيفة.
ولم يتعاف مجدي قطيط (32)، أحد الضحايا، من قرية رابود جنوبي الخليل، من الصدمة النفسية التي تعرض لها مساء 16 يوليو.
ويعمل الشاب الفلسطيني الحاصل على ليسانس آداب من الجامعة المفتوحة بالخليل، في مجال المعمار داخل مدينة بئر السبع ليعيل أسرته، بعد حصوله على تصريح عمل.
ويظهر مقطع فيديو صوره الجنود، “قطيط” وقد تلطخ وجهه بالدماء وهو يتوسل لهم أن يخلوا سبيله.
ورغم أن جروح قطيط تعافت، إلا أن ندوبه النفسية لم تشف بعد، حيث يخشى العودة للعمل، كما أن شركة المقاولات التي كان يعمل بها سحبت بالفعل التصريح الذي كان يدخل بموجبه إسرائيل، بحسب الصحيفة.
واعتاد “قطيط” كل ليلة الذهاب للعمل في إسرائيل الساعة الثالثة والنصف صباحا. وفي ليلة 16 يوليو غادر منزله، وعندما همّ بعبور إحدى الثغرات بالسياج، كان هناك 4 عمال آخرين يهمون بالدخول، وفجأة سُمع صراخ تجاههم يأمرهم بالتوقف.
وتفرق الأربعة الآخرون، وتمكن “قطيط” من التقدم بضعة أقدام حتى أمسكه أحد عناصر حرس الحدود وطرحه أرضا، وانضم إليه ثلاثة من زملائه الجنود وبدأوا ركله في جميع أنحاء جسده وبطنه ووجهه ورأسه وهو مستلقٍ دون حول ولا قوة.
تصريح عمل انتهى لـ”إهانة وإذلال”
وحاول الشاب الفلسطيني إخبار الجنود أنه يحمل تصريحا، وتوسل للبقاء على قيد الحياة، وأخبرهم أن لديه أطفالا صغارا في المنزل، لكنهم أمروه أن يصمت.
ولم تنته مأساة “قطيط” عند هذا الحد، حيث أمره الجنود بالوقوف، وعندما حاول إخبارهم أنه لا يستطيع، هدده أحدهم بالقتل، ما دفعه لجر نفسه مسافة عشرات الأمتار داخل إسرائيل.
ووصلت المكان سيارة جيب عسكرية ترجل منها ثلاثة جنود آخرين وشرطية وقفت أمام باب السيارة، وشاهدت ما حدث.
وأمر الجنود “قطيط” بخلع قميصه وبدأوا ركله بقسوة مجددا.
ووفق الصحيفة، يعتقد الشاب الفلسطيني أنهم فعلوا ذلك لإثارة إعجاب الشرطية التي ربما تكون قد وثقت الاعتداء أيضا. ثم أحضر أحدهم قبضة حديدية وضربه على وجهه.
وأخيرا، جعلوه ينزف داخل سيارتهم، وألقوا به قرب ثقب في الجدار، وأمروه بالمغادرة في غضون دقيقة، ولحسن الحظ لم يسرقوا أمواله.
وظل “قطيط” ينزف لمدة ساعة، حتى عثر عليه عاملان فلسطينيان قاما بنقله إلى منزله، لتشاهده طفلتاه في هذا الحال قبل أن يتم نقله إلى المستشفى في الظاهرية جنوبي الخليل، وتم تضميد جروحه وخلع 4 من أسنانه المتضررة جراء الركل.
فصل جديد من العذاب
منتصر الفاخوري، عامل فلسطيني يظهر في مقطع مصور آخر وهو نصف عار ويضربه شرطي حرس الحدود على ظهره بعصا ويصرخ عليه ليبقى صامتا.
وكان الفاخوري أحد العاملين في مجال تجهيز وإحياء الأفراح، لكن بسبب كورونا وجد نفسه بلا عمل، ما اضطره إلى الاستجابة لعرض صديق بالعمل بمغسلة سيارات في مدينة رهط العربية، بالنقب جنوبي إسرائيل.
لكن تم اعتقال الفاخوري، وصديقه يزن، من قبل جنود حرس الحدود الإسرائيلي لدى عبورهما إحدى ثغرات السياج.
يقول الشاب الفلسطيني للصحيفة: “هاجمونا وبدأوا ضربنا وسبنا بالعبرية”.
ويضيف بحزن: “ركلونا في جميع أنحاء الجسم بأحذيتهم العسكرية، وأصبت ببعض الركلات في الوجه والبطن، وفي كل مرة كنت أصرخ من الألم، كما سمعت صراخ يزن”.
حاول الفاخوري، إخبار الجنود بالعربية أنه كان فقط ذاهبا للعمل، لكنهم لم يرغبوا في سماعه، وأمروه وصديقه بإخراج كل ما في جيوبهما، وأفرغوا حقائبهما وألقوا محتوياتها على الأرض، واستولوا على مبلغ ألف شيكل (نحو 300 دولار) كان في جيب الفاخوري.
“اقتادنا شرطيان على بعد أمتار قليلة، وتوقفا قرب جيب عسكري كان متوقفا هناك، وأمرونا بالركوع، ورأيت شرطية من حرس الحدود تقف بجوار الجيب”، يضيف الفاخوري.
ويتابع: “ذهب أحد رجال الشرطة إلى الجيب وأخرج عمودا طويلا من الخيزران وبدأ ضربي بالعمود والعد من واحد إلى عشرة بالعبرية، وضحك صديقاه الشرطي والشرطية بصوت عال، ولاحظت أيضا أن الشرطية كانت تمسك هاتفها وتصور ما كان يحدث”.
رصاصة أرحم من “تعذيب”
ويقول الشاب الفلسطيني: “الضربات على الظهر بعمود الخيزران آذتني كثيرا، وكنت أصرخ من الألم مع كل ضربة”.
ويضيف: “كما سمعت يزن يصرخ مع كل ضربة تلقاها، وثم اقترب مني الشرطي الآخر، وكان لديه قبضة في يده اليمنى، وبدأ يلكمني في رأسي، وكتفي وظهري”.
ويتابع: “فعل الشيء نفسه مع يزن، وكنت أنزف من أنفي ورأيت يزن ينزف من رأسه، واستمر الأمر لمدة ساعة ونصف تقريبا”.
ويستطرد الفاخوري: “كنت أخشى ألا نخرج على قيد الحياة وكنت أفكر طوال الوقت في اللحظة التي سيطلق فيها الشرطيان النار علينا ويقتلوننا، ولم أعد أقوى على الحديث واستسلمت تماما لما يحدث لي”.
“أردت أن أصرخ بصوت عالٍ في كل هذا الصمت الذي كان حولنا، لكنني لم أستطع، أردت البكاء ولم أستطع ولم أفكر إلا في موتي، وانتظرت سماع الرصاصة التي ستنهي هذا الكابوس وحياتي”، يضيف الشاب.
وفي النهاية، أمر الشرطيان الفاخوري ويزن بالنهوض وأخذ حقائبهما التي كانت فارغة حيث تم الاستيلاء على نقودهما وما كان معهما من سجائر وأغراض أخرى، وبمجرد أن بلغا الطريق وصل صديق لهما كانا اتصلا به واصطحبهما إلى المنزل.
ويختم الفاخوري حديثه للصحيفة: “دخلت المنزل سرا ولم أخبر أحدا بما حدث لي، فقد شعرت بالإهانة والخجل، وكنت منهكا تماما وجسدي كله يؤلمني، وقررت ألا أخبر أحدا بما حدث لي”.
ولم تكشف الصحيفة العبرية، هل تغلق تلك الشهادات بوابة ذلك “الجحيم” الإسرائيلي اليومي، لعمال فلسطين أم تلك محاكمات لن تسفر عن إعادة ما سحقته أقدام جنود أجرموا بحق أبرياء.
المصدر/ الاناضول