بقلم /أمين أحمد
أكد رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو وللمرة الثانية في لقاء مع القناة ال14 العبرية مساء السبت 15/4/ بانه تم استهداف مواقع لحزب الله ولحماس خلال القصف الذي تعرض له جنوب صيدا قبل أسبوع ، فيما اعتبر أن تحذيرات استخبارات الاحتلال ” أمان” بان إمكانية وقوع حرب أصبحت عالية” هو ضرب من المبالغة مؤكدا بان حماس لن تجرؤ على فتح جبهة من لبنان وأيضا اكد بانه تم استهدف ما سماء قلب حزب الله النابض في لبنان وتم استهداف حزب الله من الجو وبطرق أخرى رفض الإفصاح عنها.
الكتّاب والمحللون الذين نقلوا عن قادة من منظومة الاحتلال الأمنية النفي بخصوص تصريحات نتنياهو يوم الاثنين الماضي بانه تم استهداف أهداف لحزب الله واعتبروا أن نتنياهو يستغل الوضع الأمني لصالحه للاستعراض ليس إلا.
إلا أن نتنياهو كرر تصريحاته مفصلا فيها بشكل واضح ولم تكن زلة لسان أو استعراض
فهل تصريحات نتنياهو هي إشارات لما تحمله الأيام القادمة على عدة جبهات؟
تعدد الجبهات
وصف المحلل جاكي حوجي في مقال في صحيفة معاريف العبرية14/4، بان القصف الثلاثي الذي استهدف الكيان على مدار يومين بانه بروفة بسيطة لما يمكن أن يقدم عليه العرب والمسلمين من الإيرانيين، الفلسطينيين ،واللبنانيين، والسوريين، والأردنيين ضد كيان الاحتلال لو أرادوا فتح جبهات مختلفة حينها الاحتلال لن يتمكن من التغلب عليها إضافة لجبهات في الداخل المحتل وغزة والضفة والقدس التي تمس مباشرة وتستنزف خاصرته الرخوة وعصب حياته وجوده.
هذه الصورة المرعبة من وجهة نظر نخبة الاحتلال التي أضاف اليها الون بن دافيد المحلل العسكري في مقال في صحيفة معاريف أيضا السبت 15/4، وأشار الى عدم ثقة المنظومة الأمنية وقادتها بنتنياهو وقراراته وهذا الأمر ليس وليد الحالة الابتزازية التي يتعرض لها نتنياهو من شركائه من اليمين المتطرف في الحكومة الحالية بل طوال تاريخ عمله السياسي وهناك جدار من عدم الثقة بينه وبين قادة أجهزته الأمنية في كافة المستويات حتى الذين عينهم بنفسه.
هذه الحالة من عدم اليقين والثقة بقرارات القائد في حين يمر الكيان بأسوأ حالات الضعف والتشرذم ليس فقط على مستوى أخطر ملفين وهما عصب وشريان حياته الأمن والاقتصاد
الجيش والاقتصاد
فالأصوات الرافضة للخدمة العسكرية والتي بات صوتها عالٍ جدا مما أثار قضية تجنيد الحريديم والموت من اجل حمايتهم من قبل الذين يخدمون في الجيش وهذا الذي قاله صراحة الكثيرون كان آخرهم الرئيس السابق لـشركة Check Point والطيار في الاحتياط، أمنون بارليف ، في لقاء مع حاخامات الصهيونية الدينية حيث قال : لن أعيش في دكتاتورية هنا ولن نكون إخوة أو لن تكونوا هنا ولا أنا. لن أكون هنا وبالتأكيد لن أحميك ولا يهمني ما سينهار هنا يمكن أن نعيش في يهودا أو إسرائيل”
وهذا يشير الى استطلاعات الراي التي تناولت انقسام كيان الاحتلال الى دولتين دينية هلاخية، ودولة علمانية يسارية لادينية كأحد الحلول لحلالة الاستقطاب والصراع الداخلي دون الوصول الى حالة الصدام الدموي.
وقد عكسته تصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي السابق دان حالوتس خلال كلمته التي ألقاها في تظاهرة شارع كابلان السبت 15/4 حيث اتهم المبادرين للانقلاب القضائي بمؤامرة للاستيلاء على الديمقراطية وفرض دولة دينية” هلاخية” .
وقال إنهم يرون الجمهور العلماني على أنه “حمار المسيح”، ومع ذلك ، قال ، “نحن الحمار الذي سيطردهم”. “سنطالب بحقوق متساوية مثل حقوق المتهربين من التجنيد. قانون المراوغين لن يمر، لن نكون مرتزقة لأولئك الذين لا يخدمون في الجيش ”
لذا اصبح الموضوع الأكثر إثارة على جبهة الاحتلال الداخلي وبروزًا بشكل واضح رفض الخدمة في الجيش في كل تشكيلات الجيش الاحتياطية والنظامية وكتائبه المقاتلة والسايبر والوحدات الخاصة وأجهزته الأمنية وخصوصا راس حربته سلاح الجو
بروز فكرة “لماذا أموت من أجلك” وهذا الي عززه أيضا قانون تجنيد الحريديم الجديد وتخفيض سن التسريح من الخدمة للحريديم من سن 26 عاما الى 23 مقابل دفع مئات الشواكل والذي اعتبره البعض انه اتجار بدماء أبنائهم من اجل الحريديم
كما برزت فكرة أن حال وقوع رفض الخدمة ميدانيا فسيتقدم ضباط الصهيونية الدينية ومؤيدو اليمن ليسيطروا ويفرضوا واقع أخر في الجيش ولهم الغلبة في الوحدات القتالية حسب الإحصائيات الرسمية والضباط الكبار خصوصا في الألوية القتالية في الضفة الغربية
إضافة للاقتصاد الذي تأثر بشدة فالشيكل يتراجع بشدة أمام الدولار رغم رفع الفائدة من قبل بنك الاحتلال المركزي للمرة السابعة خلال عام وهروب مئات الملايين من الاستثمارات الأجنبية خصوصا قطاع الهايتك والذي كان اهم روافد النهضة الاقتصادية التي يمر بها الاحتلال خلال العقد الأخير.
وكان أحدث الضربات و ليس أخرها هو تخفيض تصنيف الاحتلال الائتماني من قبل شركة التصنيف الائتماني العالمية موديز الجمعة 14/4.
زلزال سياسي
في المقابل هذه الضربات التي يتعرض لها الاحتلال كشفت نتائج استطلاعات الراي الأخيرة التي أجرتها القناة ال13 والقناة ال12 وصحيفة معاريف خلال الأيام الماضية مدى الضربة التي تعرض لها نتنياهو وشركائه وخسارتهم 18 مقعد وتراجع بن غفير الى حدود الحسم مقابل قفزة لحزب غانتس الهجين من اليمن و يسار الوسط وتذبذب حزب اليسار والمعارضة أمام الاحتجاجات التي يحاول الكل أن يركب موجتها وصولا لإنقاذ ماء الوجه مثل اليسار الصهيوني من العمل وميرتس وأيضا المحافظة على المكانة التي يسعى اليها لبيد كزعيم للمعارضة
لذا لا يتوقع أن تتراجع الاحتجاجات أو تنخفض رغم محاولات نتنياهو سحب فتيل جذوة لهيبها وسرعة انتشارها عبر تصريحاته بتجميد قوانين الانقلاب لما بعد عطلة عيد الفصح إلا أن مظاهرات السبت 15/4، أكدت أن بقعة اللهب لهذه الاحتجاج وما يرافقها من ارتدادات زلزالية ضخمة في بينة كيان الاحتلال الاجتماعية والسياسية والأمني والاقتصادية ستستمر في الانحدار بقوة جلمود صخر حطه السيل من علٍ.
تخلي الحلفاء
تصريحات بايدن الفجة بعدم دعوة نتنياهو لزيارة البيت الأبيض في “الوقت القريب” والتحذيرات الصريحة وحتى توبيخ سفير الاحتلال من الخارجية الأميركية بسب الاتهامات بمحاولات أمريكية مرتين للانقلاب على نتنياهو وتصريحات سموتريتش بمحو حوارة وقمع المعتكفين في الأقصى وحالة الغضب من هدم المباني في القدس وسرعة بقعة نار الاستيطان في الضفة.
كل هذه العوامل ساعدت على زيادة فجوة القطيعة بين نتنياهو وحكومة بايدن وهذا اثر بشدة على ملفات وطموحات وضعها نتنياهو على راس أولوياته بعد إقامة حكومته الحالية منها التطبيع من السعودية وهذا اصبح حاليا وفقا لصحيفة جورنال ستريت بانه بعيد عن الواقع بعد المصالحة السعودية مع ايران برعاية صينية والظروف الإقليمية والداخلية وقمع الفلسطينيين والاعتداءات في الأقصى زادت من مسافة للتقارب العلني وما عزز هذا التوجه رفض حكومة بايدن تقديم الدعم لبرنامج السعودية النووي المدني وغيرها من الطلبات التي تقدم بها السعوديون مقابل التطبيع العلني مع الكيان للإدارة الأمريكية.
كما ابرز التغيير في توجهات السعودية الإقليمية أيضا هشاشة اتفاقيات التطبيع بين الكيان وبين الأمارات والبحرين وحتى السرية مع سلطنة عمان والسودان في ظل محاولات الانقلاب السبت وحتى واجهة هذه التطبيع منتدى النقب المتوقع أن يعقد في الرباط ما بعد رمضان الا أن الشكوك تحوم حول إمكانية انعقاده في ظل توتر وتصريحات مشحونة وإدانات إماراتية قوية ضد تصرفات الاحتلال وإجراءاته في القدس حتى ان نتنياهو لهذه اللحظة لم يوافق على زيارته للإمارات،
ايران
أما الهدف الثاني لنتنياهو وهو الملف النووي الإيراني والذي كشفت تسريبات وثائق البنتاغون الأخيرة وفقا لما نشرته صحيفة يدعوت أحرنوت العبرية 15/4 بان طيران الاحتلال نفذ مناورات وتدريبات في 20 شباط الماضي لمهاجمة البرنامج النووي الإيراني قبل تنفيذ مناورة علنية مع الولايات المتحدة لنفس الهدف.
قد يكون العوامل الدولية ابرزها الدور الإيراني في إمداد الروس بالطائرات المسيرة خلال الحرب الروسية الأوكرانية سببا في تجميد توقيع القوى العظمى والولايات المتحدة على الاتفاق النووي المعدل ولكن هذا اعطى مساحة لسرعة تنفيذ الأجندة الإيرانية النووية وصولا لدولة عتية نووية وهذا ما كشفته الوكالة الدولية للطاقة النووية عن أثار يورانيوم مخصب بدرجة عالية قريبا من الحد الذي يسمح لإيران من صناعة قنبلتها النووية الأولى.
فالاغتيالات والتحريض على الاحتجاجات الشعبية وتوجيه صواريخ ” المعركة بين الحروب” الى الساحة السورية واللبنانية والعراقية كل ذلك لم يثني ايران على نقل المعركة مع الاحتلال الى حدوده وجبهات دول الطوق وهذا الذي أثبتته الأيام الماضي وما أشار اليه اللواء إسحاق بريك في تقرير لقناة كان العبرية بعدم جهوزية جيش الاحتلال لحرب متعددة الجبهات من الناحية العسكرية أو جهوزية الجيش.
لذا فان حالة “الإشغال” التي يتعرض لها الاحتلال من محور المقاومة بأشكاله وألوانه المختلفة تعكس حالة الفشل ليس فقط العسكري والأمني لنتنياهو بل تعني انهيار قدرته حتى السياسية على مواجهة الملف الإيراني الذي بات قاب خطوات بسيطة وصولا للطموحات الإيرانية بالانضمام للنادي النووي العالمي.
الفلسطينيون
المنتصر الوحيد مما يحدث في الساحة الداخلية في كيان الاحتلال وحالة المواجهة المتواصلة في الضفة وغزة والقدس والداخل المحتل وحتى في الشتات هم الفلسطينيون الذين رغم اتفاقيات التآمر والتطبيع الجديدة والقديمة وقمم التنسيق الأمني فان جذوة الحالة النضالية الثورية تتصاعد بمستويات غير مسبوقة مما حدا برئيس الشاباك بوجود انذارت لعمليات وتحذيرات من اندلع مواجهات وتصعيد امني غير مسبوقة.
في المقابل فان الانتصار في معركة الوعي في ساحة القدس والأقصى الذي أثبتته الأيام الماضية استمرارا لانتصار في معركة الوعي في ” سيف القدس” لا يلغي فكرة أننا نواجه عدو ماكر مخادع يملك من الإمكانيات الكثير لذا فالاحتلال يبحث عن معركة تحفظ ماء وجهه واستعادة قدرته على الردع عبر هندسة عكسية لفكرة” ربط الساحات” وتحويلها لأداة ردع ضد غزة أو لبنان ونقل المعركة الى صفوف خصوم الكيان إما على الساحة الإيرانية الداخلية واو معركة بين الحروب في الساحات السورية والعراقية أو نقل معركة الاغتيالات ” بكاتم الصوت ” الى ساحات المقاومة الخارجية وما تركيز إعلامه وقادة أجهزته الأمنية السابقين على اسم الشيخ صالح العاروري ووصفه بالمخطط للقصف الثلاثي الأسبوع الماضي أو معركة محدودة ومنضبطة بعد عملية اغتيال ” صيد ثمين ” في غزة يتحكم في درجة وتيرتها تدخل الوسطاء المعروفين من مصر وقطر وغيرهم.
ولكن قد تكون الساحة الأسهل للعدو هي الضفة الغربية والقدس-ما بعد رمضان- فالسلطة بعد قمتي العقبة وشرم الشيخ عادت لتنفيذ دورها الوظيفي المعروف مقابل أموال المقاصة بدون خصومات ودعم مالي من تحت الطاولة للرواتب أجهزتها الأمنية وتنفيذ خطة دايتون “2” وزاد الضغط الاستيطاني على ما تبقى من مقاصل الضفة الغربية لم يكن أخرها حرق حوارة والاعتداءات على الفلسطينيين في كل مكان وشرعنة 11 بؤرة استيطانية وبناء آلاف الوحدات الاستيطانية وغيرها
لذا فالاحتلال من مصلحته تركيز معركته على الضفة الغربية لما تمثله من مكون استراتيجي استنزافي بقسوة على خاصرته الرخوة دون الإغفال عن باقي الجبهات والساحات التي لن تكون بمنأى عن نقل معركته الداخلية والدولية وتعدد الساحات الى الساحة الداخلية لخصوم الاحتلال وفناء منازلهم الخلفية وباستخدام الأدوات العسكرية وغيرها
الخلاصة
الحالة الداخلية للعدو إضافة للعوامل الخارجية روافع جذب وشد في اتجاهين متضادين في اتخاذ قرار الهروب للأمام لمعركة مهما كانت درجة التحكم فيها فقد تنزلق بسرعة الى معركة متعددة الجبهات حتى لو لم تكن مثل يأجوج مأجوج والمعركة الفاصلة في الأدبيات الدينية عند الاحتلال بل سيكون الانتصار في معركة الوعي فيها اشد واقسى من الإنجازات الآنية في تغيير قواعد الاشتباك وحالة عض الأصابع ضمن اطر المعارك المكانية وساحات المواجهة مهما كانت بسيطة، دون إغفال أن الأدوات العسكرية للعدو عادة ما تكون أخر ما يستخدمه وصولا لأهداف في ساحات متعددة قد تكون موجعة ومفصلية.
المصدر/ الهدهد