الرئيسية / اخر الاخبار / القرية الفلسطينية التي لم تنته فيها الإنتفاضة

القرية الفلسطينية التي لم تنته فيها الإنتفاضة

ترجمة الهدهد
هآرتس/ ادو شجتر

ملاحظة: هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه

تُسمع أصوات أزيز الحجارة في سماء المنطقة قبل أن تتحطم على جوانب المنازل، وسط أصوات لألفاظ عبرية وطلقات الرصاص المطاطية في بعض الأحيان، إذا اقتربت فإن الغاز المسيل للدموع يحرق أنفك وتتدفق الدموع، إذا اقتربت أكثر تشعر بحرارة النار مع ارتفاع دخانها الأسود.

هذا مُجرد يوم جمعة عادي في قرية كفر قدوم الفلسطينية حيث أصبحت المشاهد الأسبوعية وأصوات ورائحة المقاومة عنصراً أساسياً في الحياة على مدار العقد الماضي.

تقع كفر قدوم على بعد بضع مئات من الأمتار من مستوطنة كدوميم “الإسرائيلية” في شمال الضفة الغربية، ويقع ما يقرب من نصف القرية تحت المنطقة “ج” التي تسيطر عليها “إسرائيل”، بينما يقع النصف الآخر في المنطقة “ب”، حيث تتولى السلطة الفلسطينية إدارة الشؤون المدنية والشؤون الأمنية من قبل “إسرائيل”.

أصبحت القرية واحدة من آخر معاقل الاحتجاجات الواسعة النطاق في الضفة الغربية، حيث تلاشت ببطء مظاهرات مماثلة في قُرى مثل بلعين في السنوات الأخيرة، إن الهدف لمتظاهري كفر قدوم: هو إعادة فتح الطريق الذي يربط القرية بمستوطنة “كدوميم”، مما يقلل من وقت القيادة إلى نابلس (أقرب مدينة فلسطينية رئيسية).

نيتسان ألون لواء متقاعد في “جيش العدو الإسرائيلي”، حين بدأت الاحتجاجات في عام 2011 كان ألون يترأس جميع القوات العسكرية في الضفة الغربية حينها.

قال في مقابلة: “في عام 2000 أُغلق الطريق بسبب الأعمال الإرهابية من كفر قدوم في بداية الانتفاضة الثانية، مع مرور الوقت تحسن الوضع الأمني​، ولكن تم بناء حي جديد بجوار الطريق في مستوطنة كدوميم، فظل الطريق الأساسي مُغلقاً”.

قال ألون: “تلاشت مظاهر الانتفاضة في عام 2005، لذلك لم يكن هناك مبرر أمني حقيقي لإبقاء الطريق مغلقاً، وبعد فترة فهم الفلسطينيون ذلك وطالبوا بفتح الطريق، ولم يتم الاستجابة لمطالبهم لأن الطريق يمر الآن عبر مستوطنة كدوميم، لذلك خلق الوضع احتجاجاً عنيفاً تصاعد إلى ما هو عليه اليوم”.

مراد شتيوي قيادي محلي في كفر قدوم، منظم رئيسي للاحتجاجات، كان موقفه واضح: الطريق مِلْك لكفر قدوم، وحتى قبل تأسيس مستوطنة كدوميم بفترة طويلة عام 1975، ولن تنتهي الاحتجاجات إلا بفتح الطريق.

وفقًا لألون فإن إعادة فتح الطريق أمر يجب مراعاته، لكن رئيس بلدية كدوميم حنانيل دوراني يختلف مع ذلك.

وقال: “من الواضح لكل ساكن في كدوميم أن الطريق يجب أن تظل مغلقة، ناقش الجيش معي إمكانية فتح الطريق لكن ذلك سيتطلب ترتيبات أمنية معقدة للغاية لا تزال غير مسؤولة عن هجمات الدهس وما شابه ذلك، فهذا طريق يمر به الأطفال، وفتح الطريق لن يحل كل مشاكلنا”.

“الجميع يعاني”
إن اسم كدوميم مشهور بين المستوطنين، بعد صراع طويل من قبل مؤسسيها أصبحت أول مستوطنة يهودية في تلال سامريان، بين تاريخها وموقعها في عمق الضفة الغربية، والمحاطة بالقرى الفلسطينية، ومن المعروف أن المستوطنين أيديولوجيين للغاية.

دانييلا فايس إحدى السكان، اسمها مألوف في حركة الاستيطان، فايس مؤسس مدينة كدوميم ورئيس البلدية السابق، عارض بالفعل إغلاق الطريق.

وقالت دانييلا فايس: “الوهم القائل بأننا نستطيع التظاهر بعدم وجود قرية [فلسطينية] هنا خطير، اليهود والعرب بحاجة إلى حرية الحركة، رأيي ليس رأياً شائعاً لكن الجميع يعاني من إغلاق الطريق، وأعتقد أنهم يعانون من الاحتجاجات أيضاً”.

في كدوميم من الصعب أن تعرف أنك تمثل رمزاً “للصراع الإسرائيلي” الفلسطيني، فقد تخلق المساحات الخضراء المتنوعة والمنازل ذات الأسطح الحمراء جواً رائعاً في الضواحي، وفقط في نقاط معينة يمكنك رؤية كفر قدوم على الرغم من قربها الشديد.

منزل نافا هو أحد هذه النقاط (رفضت ذكر اسم عائلتها)، في نهاية كل أسبوع يجتمع الجنود في فناء منزلها الخلفي للاستعدادات النهائية قبل التوجه إلى القرية، ووُصفت الاحتجاجات بأنها “قذارة تمنعني من استقبال ضيوف على مدى السنوات العشر الماضية”.

عائلتها تعرف الإجراءات: فهي تقوم بإغلاق النوافذ عندما ينفجر الغاز المسيل للدموع من قبل “الجيش الإسرائيلي”.

يقع منزل عائلة علي في كفر قدوم على مسافة قصيرة من منزل نافا، تحول الطريق الرمادي المرصوف بالحصى بالقرب من منزلهم إلى اللون الأسود من الإطارات والقمامة التي احترقت بسبب نيران المتظاهرين، في معظم الأسابيع يُحول الجيش هذا المنزل إلى موقع مؤقت، ويصعد الجنود إلى السطح ويطلقون منه قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي.

وقام المتظاهرون بدورهم باستخدام المقلاع لرشق الجنود بالحجارة، والنتيجة النهائية هي سقف تالف مع تحطيم للنوافذ والألواح الشمسية وأكوام من قذائف القنابل اليدوية.

في الداخل تعرضت أمهات العائلة البالغة من العمر 69 عاماً، الذين يحملون صناديق من الأصداف التي جمعتها العائلة على مر السنين، تتوق إلى إنهاء الاحتجاجات حتى يتوقف منزلها عن الخراب من قبل الجنود والمتظاهرين، وتقول ابنتها ربى البالغة من العمر 32 سنة: “إن الأسرة اختبأت في الطابق السفلي أثناء الاحتجاجات، وتشعر وكأنك في السجن”.

ولكن عندما سئلوا عما إذا كانوا يدعمون الاحتجاجات على الرغم من الأضرار التي لحقت ببيوتهم وسبل عيشهم، فإن الأسرة مصرة: “إنهم تماماً معهم، لأن الطريق من حقهم”.

شعر سكان آخرون بثمن الاحتجاجات أيضاً، ففي العامين الماضيين، تعرض طفل في حاله غيبوبة كاملة بسبب رصاصة مطاطية بينما أصيب طفل آخر ولازال يلازم كرسي متحرك، وكثيراً ما يتعرض المتظاهرون والصحفيون والمتفرجون للإصابة.

ومع ذلك يقول سكان كفر قدوم وكدوميم إن علاقاتهم كانت جيدة في الماضي، وقال أسامة علي الأخ الأكبر لربى: “إنه انسجم مع المستوطنين ولا يزال يعبر الطريق للوصول إلى أشجار الزيتون الخاصة به، لكن منذ الانتفاضة الثانية حُرم سكان كفر قدوم من تصاريح العمل في “إسرائيل” مما أضر بالاقتصاد المحلي بشدة”.

“تم إرساله ليخسر”
بعد مستوطنين كدوميم وسكان كفر قدوم، اللاعب الثالث في هذه القصة الطويلة هي “القوات الإسرائيلية” التي تم إرسالها لاحتواء الحدث.

بينما تشاهد الاحتجاجات يصعب رؤية خصوم الجنود، حتى القوات تجد صعوبة في اكتشافهم، فرماة الحجارة يحتمون داخل المنازل وخلف الجدران ويتنقلون عبر الأزقة وبين المباني، إنهم يشتمون الجنود ويسخرون منهم باللغة العبرية حتى أنهم يصرخون بالشتائم العرقية على من هم من أصل إثيوبي.

قال ضابط احتياطي خلال فترة عمله في مواجهة المتظاهرين: “يدخل الجيش في كل احتجاج بهدف عدم إيجاد حل – يشعر الجنود بالإحباط، وتذهب إلى فض هذا الاحتجاج مع الكثير من المعدات الواقية لأنك تعلم أن الحجارة ستضربك، يداك مقيدتان لأنك لا تستطيع احتواء المتظاهرين بقوة كبيرة، الهدف هو المغادرة دون حدوث إصابات من جانبهم”.

أوامر إطلاق النار في أقصى درجاتها، على سبيل المثال لا يُسمح ببندقية روجر- وهي نوع من بنادق القنص ويمكن استخدامها للسيطرة على الحشود في أي مكان آخر – لا يُسمح بها في قدوم”.

عند إطلاق النار على رماة الحجارة، عادةً ما يكون للجنود شريك معهم يصور إطلاق الرصاص على هواتفهم ويروي السيناريو، على أمل تقديم أدلة إذا قال المتظاهرون إنهم تعرضوا لإطلاق النار أثناء التظاهر السلمي.

وقال الضابط: “خلال الفترة التي قضيتها هناك، أصيب ضابطان وجندي بجروح بالغة جراء الحجارة، فالجنود يتأذون باستمرار وبالرغم من ذلك تستمر كما لو أن كل شيء طبيعي، ليست هناك نقطة حيث يمكنك القول إنك فزت بالمظاهرة”.

تعكس المظاهرات التناقض بين ما يتم تدريب معظم وحدات “جيش العدو الإسرائيلي” من أجل تلك المظاهرات وتجربتهم الفعلية فيها، “بصفتك ضابطاً تتعلم ما هي المعركة، فالهدف النهائي هو الخروج منتصراً”، وقال ضابط الاحتياط: “هنا لا يوجد شيء من هذا القبيل، الهدف هو عدم حدوث أي شيء”.

شاهد: الاحتلال يعدم فلسطينيا بالرصاص بالقرب من نابلس

شاهد…مأساة “الشيخ جراح” بالقدس…القصة الكاملة

شاهد: شهيدان ومصاب بالقرب من جنين برصاص الاحتلال

بشكل عام تأتي مجموعات الجنود لفترات مدتها أربعة أشهر في كدوميم، في حين أن هناك متظاهرين يشاركون منذ سنوات ويستخدمون خبرتهم الأكبر لصالحهم.

قال ضابط الاحتياط: “قد يقفون خلف سلة مهملات لأنهم يعرفون أنه لا يُسمح لنا بإطلاق النار من فوق الركبة، ويشعر الجندي بالإهانة، فقد أرسل ليخسر، فلديه خيار إما أن يُجرح بحجر أو يقع في مشكلة لإيذاء عربي”.

لإنهاء الجمود يقترح رئيس البلدية دوراني إنشاء طريق جديد من شأنه تقصير وقت رحلة سكان كفر قدوم إلى نابلس؛ في رأيه لن يكون هناك حاجة لاستشارة السكان، وقال: “بمجرد إنشاء بديل سيستخدمونه” مضيفاً: “أنه قدم خططاً للجيش رغم أنه لم يحصل منها شيء”.

وبالعودة إلى القرية يؤكد شتيوي أن أهالي كفر قدوم لن يتنازلوا عما يرونه حقهم التاريخي في استخدام الطريق، وأن المقاومة ستستمر ما دامت لم تحقق المطالب، وحتى ذلك الحين سوف يرتفع دخان أسود فوق القرية كل يوم جمعة.

المصدر/ الهدهد

شاهد أيضاً

نشر أسماء الأسرى الستة القتلى وإعادة جثامينهم من غزة

ترجمة أمين خلف الله  معاريف آفي اشكنازي نُشرت صباح اليوم (الأحد) أسماء الأسرى الستة الذين …

%d مدونون معجبون بهذه: