د.صالح النعامي
على قيادة حركة حماس أن تحذر من مغبة الوقوع في شرك تعهداتها بشأن هبة القدس، والتي يمكن أن تدفع الحركة إلى مربعات لم تكن تخطط لها.
فتصريح رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، كما إطلالة القائد محمد الضيف تكرسان الانطباع (على الأقل لدى الجمهور الفلسطيني) بأن الحركة تحاول فرض معادلة جديدة في علاقتها مع الاحتلال، تقوم على الرد على القمع الصهيوني لأهلنا في القدس والضفة الغربية.
وعلى الرغم من سقف توقعات الجمهور الفلسطيني الكبيرة من حماس والاحتفاء بموقفها التاريخي والذي قوبل بدعم وتأييد من قطاعات شعبنا، وأحراج بالفعل السلطة وعراها، فأن على الحركة أن تحذر من إمكانية أن تنتهي الأمور إلى المربع الذي يخدم أعداءها الكثر.
فبغض النظر ما إذا كانت الحركة تقصد ذلك أم لا، فأن محاولة فرض مثل هذه المعادلة ينطوي على مخاطرة إستراتيجية كبيرة لأنها ستقود حتما إلى مواجهة شاملة بين إسرائيل وحركة حماس في القطاع.
والسؤال الذي يتوجب على قيادة حماس أن تطرحه: هل خوض مسار يفضي إلى مواجهة واسعة مع الاحتلال يخدم مصالح غزة ومقاومتها ويساعد على تأجيج هبة القدس، أم أنه سيخدم تحديدا الأطراف التي تناصب غزة ومقاومتها العداء والتي تضررت مصالحها كثيرا بعد اندلاع هبة القدس؟. وتؤدي إلى إضعاف هذه الهبة؟.
يمكن القول إن اندلاع مواجهة شاملة في القطاع سيخدم في النهاية مصالح نتنياهو الشخصية ومصالح عباس وسلطته والأطراف الإقليمية التي تناصب الحركة العداء، وهي التي لم تتردد في ممارسة الضغوط لالغاء الانتخابات الفلسطينية خشية أن تحقق فيها الحركة مكاسب كبيرة.
فنتنياهو المأزوم سياسيا والذي يحاول بكل ما أوتي من قوة تخريب جهود منافسه لبيد تشكيل حكومة بديلة سيستغل أية فرص للتصعيد مع غزة لكي يفرض أجندة أمنية تحرج أحزاب اليمين (تحديدا حزب يمينا وتكفاه حدشاه) وتقلص من حماسها للانضمام للبيد.
نتنياهو، بخلاف ما كانت عليه الأمور عشية جولات التصعيد السابقة، لا يوجد لديه ما يخسره، فنجاح لبيد في تشكيل الحكومة يعني أن طريقه أمام السجن بات مفتوحا.
مواجهة مع غزة تخدم مصالح عباس، الذي أضرته كثيرا هبة القدس وأحرجته أمام الجمهور الفلسطيني ويمكن أن تفضي إلى انهيار سلطته في حال انتقلت الشرارة إلى الضفة، وهذا غير مستبعد، سيما في ظل وجود عدم توافق داخل المستويات القيادية لحركة فتح على المسار العام، تحديدا بعد تأجيل الانتخابات.
فمواجه واسعة مع غزة ستقلص الاهتمام بما يجري في القدس وقد تقلص من حماس الشباب الفلسطيني هناك على مواصلة التصعيد، سيما في ظل تركيز الأضواء على المواجهة مع القطاع.
وكما حدث في أعقاب حربي 2008 و2014، فأن نتائج حرب واسعة على القطاع ستحسن من قدرة أبو مازن على المناورة في مواجهة غزة ومقاومتها على اعتبار أن مكانته الرسمية تجعله يتحكم بقدر غير قليل من مشاريع الإغاثة وإعادة الإعمار التي يمكن ان تلحق بغزة.
الاحتلال يزعم اسقاط طائرة مسيرة للمقاومة في غزة
حماس ترفض مقترح اسرائيلي لصفقة تبادل أسرى مقابل مشارع اقتصادية بغزة
إسرائيل تُجبر مقدسيَيْن على هدم شقتيهما بالقدس
وإن كان فرص تحقق هذا السيناريو متدنية، فأنه يمكن الافتراض أن تمهد نتائج مواجهة شاملة مع غزة الطريق أمام بعض المشاريع التي يتم تقاذفها في الفضاء الإعلامي والتي تتعلق بدور لدحلان في غزة.
مواجهة مع غزة ستخدم مصالح القوى الإقليمية (مصر، الأردن، الخليج، وعموم النظم المطبعة) لأنها ستقلص من الاهتمام بهبة القدس التي مثلت إحراجا كبيرة لهذه النظم، وساعدت في احتواء ودحض الخطاب الذي اعتمدته نظم التطبيع والنخب المرتبطة بها.
ومن الواضح أنه في حال استمرت هبة القدس فأن ذلك سيقلص من هامش المناورة أمام هذه القوى وستحرجها داخليا وتفر عليها أنماط تحرك ضد إسرائيل مرغمة علاوة على أن الهبة ستجفف مصادر التطبيع،
والعكس تمام في حال نشب تصعيد يقود إلى مواجهة شاملة مع القطاع، لأن القوى الإقليمية تفترض أن مثل هذه المواجهة ستقود إلى إضعاف حركة حماس.
اندلاع مواجهة شاملة مع غزة ستريح إسرائيل دوليا، فحملة التنديدات الدولية، وصدور مواقف متقدمة من إدارة بايدن بشأن ما يجري في القدس سيتراجع في حال اندلعت مواجهة مع غزة، على اعتبار أن إسرائيل ستصور صواريخ المقاومة على أنها اعتداء على سيادتها.
حماس مطالبة دائما بتصدير مواقف عملية ومعنوية ودعائية في كل ما يتعلق بما يحدث في القدس، لكنها عليها دائما أن تحسب خطواتها بشكل دقيق حتى تنتهي تحديدا إلى المربع الذي تريد الوصول إليه.
إلى جانب ذلك فأن أي معادلة قوة يمكن أن يحاول طرف فرضها في علاقتها مع طرف آخر (عدو) يجب أن تأخذ بعين الاعتبار (وهذا اجتهاد شخصي فقط ):
موازين القوى بين الجانبين
تقدير كلفة هذه فرض هذه المعادلة
مدة القدرة في التحكم بوضع حد للتصعيد والمواجهة من عدمه
شرعية استخدام القوة في الرد على العدو على الصعيد الداخلي، الدولي..الخ
وهذه اعتبارات قيادة الحركة وحدها بإمكانها أن تقدرها
على الحركة أن تستغل هبة القدس في توفير بيئة داخلية تسمح بنزع الشرعية عن محمود عباس وسلطته بعد أن ظهرت عورته للجميع، عبر تحرك وطني شامل
وهذا يستدعي نقاش طويل وتشاور واسع حول كيفية تحقيق هذا الهدف. والله أعلم.
تعليق واحد
تعقيبات: *أبو مرزوق: هناك وساطات قطرية ومصرية لم تتكلل بالعودة للهدوء حتى الآن - غزة برس