وثقت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في تقرير لها، اليوم الأربعاء، خلال رحلة العودة إلى المدارس في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي كانت تعني تجدّد العنف من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين بحق الطلبة الفلسطينيين الذين يعيشون بالقرب من ما يسمى “المستوطنات غير القانونية” خلال توجّههم من وإلى مدارسهم.
“كنت خائفاً في المدرسة. كلما رأيت جنوداً أثناء توجهي إليها، كنت أشعر بالخوف وأحاول الابتعاد عنهم قدر الإمكان، خاصة أنّه قد جرى توقيفي أكثر من مرة من قبل،” هذا ما قاله الطفل أمير (15 عاماً) في حديثه للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فلسطين.
إعلان روسي هام بشأن لقاح كورونا
المتشائمون أكثر عرضة للموت مبكرا
الحبس 3 سنوات لفتاة “تيك توك” جديدة في مصر أُدينت بـ”التحريض على الفسق”
فقد تعرّض الطفل أمير، وهو طالب في الصف التاسع في مدرسة تقوع الثانوية للبنين شرق مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة، للعديد من محاولات الاعتقال في طريقه من وإلى المدرسة من قبل جيش الاحتلال.
وفي معرض حديثه عن حادثةٍ سابقة، قال الطفل أمير: “لقد شعرت برعبٍ شديد وبدأت بالصراخ وشعرت أنّ جنود الاحتلال يريدون أخذي وضربي. لقد أخافوني كثيراً،” وقد تدخّل معلموه ومدير المدرسة وآخرون لحمايته.
قصة أمير ليست فريدة أو استثنائية، حيث يقوم جنود الاحتلال والشرطة وأفراد الأمن الخاص المتواجدون في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة بحماية المستوطنين.
والغالبية العظمى من المستوطنين الإسرائيليين مسلحون، وهذا يخلق بيئة عسكرية نشطة تفضي إلى ممارسة عنف جسدي ونفسي غير متناسب ضد الأطفال الفلسطينيين.
ويتعرض الطلبة الذين يعيشون تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة عادة للاعتقال والاحتجاز والعنف والمضايقات على أيدي الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، بينما تشكّل الحواجز الإضافية كنقاط التفتيش والطرق الالتفافية التي تستخدمها القوات الإسرائيلية والمستوطنون وغيرها من البنى التحتية العسكرية في التجمعات الفلسطينية أو بالقرب منها عوائق أخرى أمام الطلبة، وتحول دون تمتعهم بحقهم في بيئةٍ تعليمية آمنة وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل التي صادقت عليها دولة الاحتلال في عام 1991.
خلال العام الدراسي 2019-2020 والذي تمّ إنهاؤه قبل موعده جرّاء إغلاق المدارس بسبب فيروس كورونا، وثّقت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال 134 حادثة عنف من قبل قوات الاحتلال في الفترة بين 20 آب/أغسطس 2019 و6 مارس/ آذار 2020، بحقّ قرابة 9,042 طالباً ومعلماً.
المدرسة التي يدرس فيها الطفل أمير تقع على مقربة من مستوطنات غير شرعية، (تقوع ونقيديم ومعاليه عاموس)، والتي تحيط بقرية تقوع من الشمال والجنوب والشرق، بينما يمر بالقرية وخربة الدير المجاورة شارع رئيسي تستخدمه قوات الاحتلال والمستوطنون.
وبحسب البيانات التي جمعتها الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، تعرّضت مدرسة تقوع الثانوية للبنين لـ 15 حادثة من قبل قوات الاحتلال، من بينها 5 حوادث بين 4 فبراير/شباط و4 مارس/آذار 2020، أقدم خلالها جنود الاحتلال على إطلاق عدّة قنابل غاز مسيل للدموع على بعض الطلاب خارج المدرسة في الصباح، الأمر الذي أدّى إلى إصابة عدد منهم بحالات اختناق. وفي إحدى الحوادث، تعرّض ثلاثة طلاب على الأقل لحالات إغماء.
وفي وقتٍ سابق، بتاريخ 31 يناير/ كانون الثاني 2019، أطلق ثلاثة جنود كانوا يستقلّون مركبة عسكرية قرب الطريق الالتفافي قنابل صوت وغاز مسيل للدموع صوب الطلاب بعد خروجهم من المدرسة وقاموا بمطاردتهم، بينما أطلق أحدهم أربعة أعيرة نارية أدّت إلى إصابة طالبين، هما محمد (17 عاماً) الذي أصيب بعيار ناري في البطن، فيما أصيب مازن (16 عاماً) بعيار ناري في الفخذ، في حين دبّت حالة من الذعر والخوف بين زملائهم.
وعلى الرغم من الرحلة المحفوفة بالمخاطر من وإلى المدرسة، قال الطفل أمير إنّه يشعر بالأمان بمجرد دخوله المدرسة، وأضاف: “أنا متحمس وسوف أتحدّى نفسي في هذا العام الدراسي الجديد”.
من جهته، أعرب الطفل بهاء (16 عاماً) وهو طالب بالصف الحادي عشر في مدرسة تقوع الثانوية للبنين، عن مشاعر مماثلة بالأمان بمجرد وصوله إلى المدرسة، رغم أنّ رحلته من وإلى المدرسة كثيراً ما تتضمّن مواجهات مع جنود الاحتلال.
“عندما أرى جنوداً إسرائيليين، فإنّ أول ما يخطر في بالي هو أنّ شيئاً سيئاً على وشك الحدوث، حيث إنّهم يقومون إمّا بتفتيشنا أو اعتقالنا. لا أشعر بالأمان وأنا في طريقي إلى المدرسة، لكنّي أشعر بالأمان بمجرد وصولي إليها وداخل الغرفة الصفية لأنّني محاط بزملائي والمعلّمين”ـ يوضح بهاء.
أمّا الطفل زين (12 عاماً) وهو طالب في الصف السابع في مدرسة الخليل الأساسية للبنين الواقعة في القسم الثاني (H2) من مدينة الخليل الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، فهو يشعر بأنّ التواجد المستمر لجنود الاحتلال في طريقه من وإلى المدرسة يُفقِده تركيزه في الصف.
“أفكّر في كيفية الهروب لكن أشعر بالخوف من أن أُصاب برصاصة مطاطية من الخلف وأنّني على وشك أن أفقد حياتي. أشعر بالكسل والنعاس وعدم القدرة على التركيز مع المعلّم والدرس”، يوضح زين.
وعن شعوره عند مشاهدته جنود الاحتلال، يقول زين: “أشعر وكأنّني أختنق وتبدأ نبضات قلبي بالتسارع وأشعر بالدوار ولا أستطيع التحرك عندما أراهم بالقرب مني”.
بدوره، قال الطفل عبد الله (9 أعوام) من مدرسة زياد جابر في مدينة الخليل: “أحب المدرسة وأنا سعيد بالعودة إليها،” لكنّه أشار أيضاّ إلى أنّه غير قادر على التركيز بعد حوادث العنف التي تعرّضت لها المدرسة.
ففي طريقه إلى المدرسة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، استخدمت قوات الاحتلال كلبين عسكريين لمطاردة عبد الله وإخافته، بحسب الوثائق التي جمعتها الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، كما أنّ جنود الاحتلال قاموا بتفتيش حقيبته المدرسية واحتجازه لمدة ساعة.
يشار إلى أنّ عبد الله يعيش بالقرب من مستوطنة “كريات أربع”، حيث يتواجد جنود الاحتلال بكثرة وعلى مدار الساعة بالقرب من منزله.
وأضاف: “لم أعد أسلك الطريق التي هاجمني فيها جنود الاحتلال لأنّني أتذّكر ما حدث لي هناك.”
الجدير ذكره أنّه بين 1967 و2017، جرى بناء أكثر من 200 مستوطنة إسرائيلية غير شرعية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، بحسب منظمة “بتسيلم”، حيث إنّ هذه المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي وتخضع لحماية جنود الاحتلال والشرطة والأمن الخاص، ممّا يعرض الأطفال الفلسطينيين لحوادث عنفٍ متكرّرة.
وفي ظلّ هذه البيئة العسكرية النشطة، يتعرّض الأطفال الفلسطينيون لعنفٍ جسدي ونفسي متكرر وغير متناسب، من بين انتهاكاتٍ أخرى كالمضايقات بشكلٍ منتظم من قبل جنود الاحتلال والمستوطنين، في طريقهم من وإلى المدرسة وخلال الاعتداءات على مدارسهم.
فقد وثّق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) 547 حادثة اعتداء واعتراض من قبل المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين في الفترة بين 1 يناير/كانون الثاني و13 أكتوبر/تشرين الأول 2020. وخلال هذه الفترة، قام المستوطنون بإصابة 100 فلسطيني وتخريب 5,650 شجرة زيتون و166 مركبة فلسطينية.
فعلى سبيل المثال، تعرّضت مدرستا الخنساء الابتدائية المختلطة والجرمق الابتدائية للبنات في بلدة تقوع في مارس/ آذار 2019 لاعتداء من قبل مجموعة تضم 25 مستوطناً مسلحاً.
وبحسب إدارة المدرسة وطاقمها، حاول المستوطنون التسلل إلى المدرستين لكن تمّ إيقافهم من قبل المعلمين وأولياء الأمور الذين هرعوا للمساعدة في وقف الاعتداء، بينما وصلت قوات الاحتلال لتوفير الدعم والحماية للمستوطنين من خلال إطلاق قنابل الصوت التي أدّت إلى تخويف الأطفال وفقدان يوم دراسي كامل لما مجموعه 569 طالباً ومعلّماً.
وفي تعقيبه على الحادثة، قال الطفل بهاء: “في المرة الأولى التي هاجمنا فيها المستوطنون، كنت مشتتاً للغاية في اليوم التالي ولم أستطع التركيز داخل الصف، وكلّ ما كنت أفكر فيه هو الطريق الذي سأسلكه للعودة إلى المنزل.”
وبحسب بهاء، فقد تعرض هو وزملاؤه للمضايقة بعد المدرسة كل يوم أربعاء خلال شهر سبتمبر/ أيلول 2019 من قبل مستوطن إسرائيلي في سيارة بيضاء برفقة ثلاثة كلاب على طول شارع خربة الدير في تقوع.
وأوضح: “توقعنا أن يطلق هذا المستوطن النار علينا لأنّه أظهر لنا مسدسه. وعلى الرغم من أنّنا سلكنا طريقاً آخر إلى المدرسة كل يوم أربعاء، إلّا أنّه كان يخرج علينا بغض النظر عن المكان الذي ذهبنا إليه. لقد كان هناك طوال الوقت، وقد شعرنا بالرعب”.
أخفقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي باستمرار في التحقيق بشكلٍ مناسب في الشكاوى المقدمة ضد المستوطنين
وفي أعقاب حوادث العنف التي قام بها المستوطنون، تجد الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال أنّ الافتقار إلى العدالة والإفلات من العقاب هو القاعدة وليس الاستثناء، حيث إن لبّ القضية يكمن في المعاملة المتباينة من قبل حكومة الاحتلال للفلسطينيين والمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة. فعلى الرغم من أنّهم يعيشون في المنطقة نفسها، إلّا أنّ كافة الفلسطينيين يخضعون للقانون العسكري، في حين يخضع المستوطنون للنظام القانوني الإسرائيلي المدني والجنائي.
فغالباً ما يهاجم المستوطنون، بمن فيهم الأطفال، الفلسطينيين بالحجارة وأشياء أخرى، لكن نادراً ما تتم محاسبتهم لأنّ جيش الاحتلال غير مخوّل باعتقال المستوطنين في الضفة الغربية.
وعلى الرغم من استمرار عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، أخفقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي باستمرار في التحقيق بشكلٍ مناسب في الشكاوى المقدمة ضد المستوطنين. فقد نشرت منظمة “يش دين” الإسرائيلية لحقوق الإنسان تقريراً في يناير/كانون الثاني 2020 يُظهر أنّ أكثر من 90% من التحقيقات في الفترة بين 2005 و2019 بشأن الجرائم ذات الدوافع الإيديولوجية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين أسقِطت في نهاية المطاف دون توجيه اتهامات.
المصدر/ العربي الجديد