يُصادف الرابع من شباط/ فبراير من كل عام اليوم العالمي للسرطان، وهي فرصة لتذكير الحكومات وحثها على استنهاض جهودها وتوفير قدر كبير من الإنصاف والرعاية للمصابين بمرض السرطان، والاستفادة من التقدم على صعيد الأدوية والعقاقير للحد من انتشاره ورفع الوعي بسبل الوقاية منه ومكافحته.
وتحل هذه المناسبة هذا العام في ظل ظروف بالغة القسوة يكابدها مرضى السرطان في قطاع غزة، حيث باتت الأخطار تتزايد، والموانع تتعاظم أمام حصولهم على الرعاية الصحية المناسبة للنجاة من المرض، وتشير التقديرات وفقاً لآخر إحصائية لوزارة الصحة الفلسطينية، إلى أن عدد حالات السرطان في قطاع غزة بلغت (8515) حالة مرضية، من بينهم (608) طفل بواقع (7%) من اجمالي الحالات، فيما بلغ عدد النساء (4705) حالة بما نسبته (55.3%) من اجمالي الحالات المسجلة في قطاع غزة.
وتتضاعف المعاناة النفسية والجسدية لمرضى السرطان في قطاع غزة نتيجة الضعف في الإمكانيات والنقص الدائم في المعدات والأجهزة التشخيصية والعقاقير والأدوية ومدخلات تشغيل المعدات الطبية والأجهزة العلاجية، حيث ظل العجز في الأدوية واحدة من أبرز التهديدات على حياة المرضى. ووفقاً للمعطيات المتوفرة من الإدارة العامة للصيدلة بوزارة الصحة فقد بلغ متوسط نسبة العجز في الأدوية اللازمة لعلاج مرضى السرطان وأمراض الدم (58%) على امتداد العام 2018م، وتتكون هذه الأدوية من (65) صنفاً. وتجدر الإشارة إلى أن نسبة العجز في هذه الأدوية ارتفعت في شهر نيسان/ أبريل الماضي إلى (80%)، الأمر الذي هدد حياة الكثير من المرضى، لأنه في غياب صنف من الأدوية المكونة لبرنامج العلاج يفشل البرنامج كله ويصبح توفر مكونات البرنامج الأخرى من الأدوية بلا معنى.
هذا وتشكل القيود المشددة التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على حرية الحركة والتنقل للمرضى أحد أبرز الانتهاكات المنظمة التي تهدد حياة المرضى وتحرمهم من الوصول إلى العلاج. ويعتبر السفر خارج قطاع غزة للخضوع إلى العلاج الإشعاعي، غير المتوفر في القطاع المحاصر، وغياب الأجهزة التشخيصية المناسبة، وتراجع المنظومة الصحية، ضرورة لا غنى عنها. ولكن القيود استمرت سواء برفض منح التصاريح أو المماطلة في الردود، حيث تشير البيانات المتوفرة إلى أن (38%) من المرضى لم يتمكنوا من الوصول إلى المرافق الصحية خارج قطاع غزة لتلقى العلاج. كما واصلت سلطات الاحتلال استغلال المعابر كمصيدة للإيقاع بالفلسطينيين وابتزازهم، حيث تعرض (5) من المرضى والمرافقين للاعتقال خلال عام 2018م، وقد أفضت هذه الإجراءات والممارسات إلى وفاة العديد من المرضى حيث وثق مركز الميزان لحقوق الإنسان وفاة (45) مريضاً من مرضى السرطان منذ عام 2016م وحتى نهاية عام 2018 بسبب القيود الإسرائيلية.
كما برزت تحديات إضافية لا تقل في خطورتها عن سابقاتها أمام مرضى السرطان جراء انخفاض مستوى المقومات الأساسية للصحة مثل الحصول على مياه الشرب المأمونة والإصحاح المناسب، والإمداد الكافي بالغذاء الآمن. هذا بالإضافة إلى ارتفاع معدلات تلوث الهواء والمياه الجوفية ومياه البحر، والانخفاض الكبير في الإمدادات الأساسية من التيار الكهربائي، واستمرار حالة الاستبعاد الاجتماعي والاقتصادي، وما نتج عنها من بطالة وفقر.
إن استمرار معاناة مرضى السرطان، خاصة وأن النسبة الأكبر منهم من النساء في قطاع غزة، وهو ما يستوجب العمل على الوفاء بالتزامات دولة فلسطين بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الاتفاقيات الدولية. وذلك باتخاذ الاجراءات الكفيلة، وتخصيص الموازنات الكافية لضمان التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه.
وفي السياق نفسه تتحمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية، وتشكل ممارساتها مخالفةً واضحةً وصريحةً لالتزاماتها القانونية كدولة احتلال بموجب القانون الدولي الإنساني، وبموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تفرض على سلطات الاحتلال حماية واحترام المرضى والضعفاء، والنساء، والعمل بأقصى ما تسمح به وسائلها لصيانة المنشآت والخدمات الطبية، والمستشفيات، والمساهمة في تحسين الصحة العامة، واعتماد التدابير الوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة، والسماح لأفراد الخدمات الطبية بكل فئاتهم بأداء مهامهم وكذلك ضمان حرية الحركة للأفراد عموما وللمرضى خصوصا.
مركز الميزان يؤكد على أن استمرار معاناة مرضى السرطان في قطاع غزة، تتطلب توسيع التدخلات لمعالجة العقبات والتحديات التي تتهدد حياة مرضى السرطان، وتحييد القطاعات الصحية التجاذبات والصراعات السياسية، ووضع الخطط الاستراتيجية الكفيلة بتنمية والارتقاء بالخدمات الصحية المقدمة للمرضى، ورفد المرافق الطبية بكافة المستلزمات المادية والموارد البشرية من المتخصصين ذوي الخبرة، والوفاء بمتطلبات مريضات سرطان الثدي بشكل خاص وتوجيه الرعاية الخاصة لهن.
وعليه فإن مركز الميزان يطالب كافة الأطراف الداخلية بالتدخل العاجل والفاعل لتزويد قطاع الصحة في قطاع غزة بحاجاته الأساسية من الأدوية، والمستلزمات الطبية، والوقود اللازم لتشغيل مولدات الطاقة البديلة في حال انقطاع التيار الكهربائي وتطوير وتحسين قدرة قطاع الصحة على الوفاء بالتزاماته الأساسية وتحسين قدرات المستشفيات والمرافق الصحية.
كما يطالب المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ خطوات ملموسة وعاجلة من شأنها وقف الانتهاكات المستمرة بحق المرضى من سكان قطاع غزة في تلقي الرعاية الصحية المناسبة، من خلال الضغط على سلطات الاحتلال واجبارها على احترام وتنفيذ الالتزامات الناشئة عن القانون الدولي، وضمان وصول المرضى إلى مستشفياتهم ومراعاة أوضاعهم أثناء تنقلهم عبر معبر بيت حانون.
كما يدعو مركز الميزان الوكالات والمنظمات المتخصصة بتقديم أشكال الدعم كافة لقطاع الصحة ليتمكن من تقديم الخدمات الصحية بحدودها الدنيا.