إسرائيل هيوم / البروفيسور إبراهام بن تسفي
في ضوء ما حدث أمس، كانت هناك صدمة تكتونية في النظام الدولي، من المتوقع أن يثير حبرها سلسلة من ردود الفعل، والتي ستغير بشكل كبير طبيعة النظام العالمي الذي أقيمت أساساته مع انهيار الإمبراطورية السوفيتية في عام 1991.
على سبيل المثال: في الأزمات السابقة (بما في ذلك جورجيا في عام 2008، وشبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا في عام 2014) تصرف زعيم الكرملين بوتين بطريقة مسيطر عليها نسبيًا في جهوده لتحدي الهيمنة الأمريكية في وسط وشرق أوروبا، وهذه المرة انحرف عن عاداته وشرع في غزو شامل لأراضي دولة ذات سيادة على غرار الهجوم السوفيتي على أفغانستان في ديسمبر 1979.
كل هذا من أجل الإطاحة بالنظام في كييف، وسحق سيادة أوكرانيا كدولة مستقلة، وهذا بيان صارخ وقوي وعنيف، الإشارة إلى أن هدف روسيا لا يقتصر على السيطرة على أوكرانيا بأكملها، بل ينبع من رغبتها في ترهيب الدول المستقلة الأخرى مثل ليتوانيا، ولاتفيا، وإستونيا، وبولندا التي كانت في السابق ضمن مجال النفوذ والسيطرة السوفييتية، لكنها ربطت مصيرها بالغرب، وكان القصد من هذا الاستخدام المكثف للقوة: هو وقف عملية استيعاب هذه الدول في الكتلة الغربية، وإجبارهم على تبني توجه الحياد المتميز، مثل ذلك الموقف الذي تنبته فنلندا رغما عنها في الحرب الباردة.
بعبارة أخرى، من المفترض أن يكون الحد الفاصل، من وجهة نظر بوتين، الحافز في طريق أن تصبح موسكو القوة المهيمنة في أوروبا، وبالتالي تعيد عقارب الساعة إلى أوجها كقوة مهيمنة في المنطقة.
ولفهم قرار الكرملين بالابتعاد عن “رمز العمليات” المبدئي، من المناسب تسليط الضوء على القوة العظمى الأمريكية التي ضعفت وفشلت في العراق، في سوريا وفي أفغانستان، ومنحت بذلك السيطرة الروسية فرصة سانحة للتدمير بضربة واحدة، الأساس الذي تقوم عليه القواعد الشرعية للسلوك في العالم المعاصر.
وعلى وجه التحديد، أصبح تطلع الكرملين إلى “إعادة التاج إلى مجده السابق” وتحدي العالم الحالي والنظام الأوروبي هدفًا لرؤية طويلة المدى وهدفًا حقيقيًا في متناول اليد حيث أصبح الضعف المذهل للرئيس السادس والأربعين واضحًا بشكل متزايد.
فمنذ اليوم الذي أدى فيه اليمين، ألغى تمامًا الخيار العسكري باستخدام “القوة الصارمة” كأداة في الإستراتيجية الأمريكية.
كان تقارب الولايات المتحدة داخل نفسها وإنكارها لدورها القيادي هو الذي دفع الخصم الروسي “للانقضاض على الفريسة” التي كانت كامنة في أوكرانيا منذ فترة طويلة.
الجولة الأولى من العقوبات التي أعلنها البيت الأبيض، كانت تعكس مستوى الضعف، وأعطت الكرملين “الضوء الأخضر” لمواصلة عدوانه وحتى الشروع في خطوات تصعيد واسعة ووحشية، وكان خطاب بايدن أمام الأمة الثلاثاء الذي فرض فيه حزمة عقوبات على موسكو على الصعيد المصرفي والمالي على بعد سنوات ضوئية من التعبير عن التصميم والعزم في مواجهة التهديد المتصاعد.
أصبح النسر حيوانًا أليفًا
مرت الأيام التي قادت فيها القوة العظمى الوحيدة بأمان تحالفًا متماسكًا عمل بنجاح في صربيا والبوسنة وليبيا، وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان النسر في مواجهة تحوله إلى حيوان أليف لن يغري الكرملين لبدء تحركات أكثر طموحًا ومحاولة إعادة أوروبا مباشرة إلى بداية حقبة الحرب الباردة، التي حكمت فيها بيد من حديد، الدول التابعة لها في شرق ووسط أوروبا؟ سيخبرنا الوقت.
على أي حال، من الواضح أن الوقت قد حان لأولئك الذين يجلسون في المكتب البيضاوي للنهوض من المجالس وإظهار قدراتهم في القيادة قبل فوات الأوان.
المصدر/ الهدهد