هآرتس / شاؤول أمستردامسكي
المعلق الاقتصادي لقناة كان
المقابلة التي أجراها يوم أمس وزير الجيش السابق إيهود باراك مع إستي بيريز في “قناة كان ” حلت الرموز بالنسبة لي، وأدركت فجأة أن إصرار وزير الجيش بني غانتس على الصعود إلى أعلى الشجرة السياسية، وخلق أزمة ائتلافية حول الزيادة التي يطالب بها رئيس الأركان للمعاشات التقاعدية في الميزانية؛ ليس أكثر من إلهاء، ومناورة تكتيكية مصممة لصرف نظر الجمهور، وجعلنا ننسى أن هذه المعاشات التقاعدية ليست القصة على الإطلاق.
القصة الحقيقية هي أولويات حكومات “إسرائيل” والفجوة التي لا يمكن تصورها بين ما يريده الجمهور، وما تريده المؤسسة العسكرية، وما تحصل عليه.
والقصة على هذا النحو: في عام 2011 كان باراك وزيرا للجيش، وجانتس رئيسا للأركان، وفي منتصف العام، خطط الاثنان لطلب زيادة كبيرة في ميزانية الجيش لعام 2012، ومع بداية نقاشات الميزانية في الحكومة، فوجئوا بحادث لم يتم وضعه بالحسبان وفي خريطة تهديدات المؤسسة العسكرية: نزل الجمهور إلى الشوارع بأعداد كبيرة؛ مطالبين بالعدالة الاجتماعية، ولم يكن الطلب بخصوص العدالة الاجتماعية محددًا: فقد طالب الأزواج الشابة بتكلفة تربية الأطفال، وآخرون بتخفيض أسعار المساكن، وبعضهم طالب بإضافات إلى النظم الاجتماعية أو الدعم النفسي العام، كانت ليلة حافلة بالاحتجاجات التي اندمجت في احتجاج اجتماعي ضخم، مع شعار واحد: الناس يطالبون بتغيير في الأولويات.
وكان باراك السياسي الحاد وصاحب الخبرة الطويلة أول من أدرك أن الأمر سيتدحرج إلى ملعبه مباشرة، وقد عرف جيداً كيف تعمل أنظمة الحكومة، وكان يعلم أنه إذا استمر الجمهور في مطالبته لفترة كافية، فسيتعين على المؤسسة العسكرية دفع الثمن، لذلك بدأ هو وجانتس عمليات الكبح، فدعا أعضاء اللجنة المالية إلى اجتماع خاص في مكتبه، وحاول لاحقًا التأثير على هوية الأعضاء الذين سيجلسون في لجنة ترايتنبرغ.
(لجنة ترايتنبرغ هي لجنة عيّنها رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو في 8 أغسطس 2011 من أجل دراسة واقتراح حلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية “الإسرائيلية”).
أخيرًا، بعد أن أوصت اللجنة باقتطاع 2.5 مليار شيكل من ميزانية الجيش، عمل رئيس الأركان ووزير الجيش لوقت إضافي مع رئيس الوزراء لمنع التخفيضات، وشهد على ذلك رئيس اللجنة، البروفيسور مانويل ترايتنبرغ، والمدير العام لمكتب رئيس الوزراء آنذاك، إيال غاباي، والواقع أن التخفيضات لم يتم استقطاعها ولم تتغير الأولويات.
تذكرت هذه القصة عندما سمعت باراك يقول في الإذاعة إنه يعتقد أن الدولة يجب أن تتدخل حتى يحصل أطفال البدو من فلسطيني 1948 على نفس الفرص التي يتمتع بها أحفاده في رمات هشارون، كلمات مؤثرة، لكن القيام بذلك يتطلب تغييرًا في الأولويات: أن تأخذ من ميزانيات الجيش والأمن وتعطي للمنظومات الأخرى، و باراك منع تنفيذ ذلك بكل قوته باستمرار قبل ذلك.
ثم شارك جانتس مع باراك في معركة الاحتواء ضد تغيير الأولويات، وهو اليوم يديرها بنفسه.
يعرف جانتس أن المعاشات التقاعدية في الميزانية ليست القصة بل هي الأولويات؛ إنه يعلم أن وزير الصحة نيتسان هورويتش محق في قوله إن مؤسسة الجيش ليست الطفل الوحيد للحكومة.
وإذا أراد أن يصبح رئيسًا للوزراء، فهو يعلم أن الحكومة لديها العديد من الأطفال.
شاهد: الاحتلال يعدم فلسطينيا بالرصاص بالقرب من نابلس
شاهد…مأساة “الشيخ جراح” بالقدس…القصة الكاملة
شاهد: شهيدان ومصاب بالقرب من جنين برصاص الاحتلال
بعد عامين صعبين من كورونا، الذي تسبب في خسائر فادحة في حياة الإنسان والصحة العقلية وتآكل نظام الرعاية الصحية والأنظمة العامة الأخرى، هناك حاجة إلى تغيير الأولويات أكثر من أي وقت مضى يجب أن نأخذ من ميزانيات الأمن والجيش وإعطائه للأنظمة المدنية.
السيناريو الكابوس بالنسبة لجانتس ومؤسسة الجيش هو أن الغضب الذي اجتاح صفوف العامة في عام 2011 سوف ينفجر مرة أخرى، لذلك فهم يحاولون اختزال الحديث في معاشات التقاعد، وكأنه معركة بين محبي الجيش “الإسرائيلي” وأعدائهم، وهذا التأطير يخدمهم فقط وليس الجمهور، هناك خط مستقيم يفصل بين سلوك باراك وجانتس عام 2011 وما يحدث الآن.
المصدر/ الهدهد