رسالة صغيرة لا تزيد كلماتها علي 122 كلمة فقط، موجهة إلي شخص يدعي اللورد روتشيلد، كتبت علي ورقة بدون ترويسة رسمية، ووقع عليها ببساطة آرثر جيمس بلفور، حتي أنه لم يذكر أسفل توقيعه لقبًا وزاريًا له. هذه الرسالة كانت سببًا في وفاة الملايين، وربما تتسبب في العديد من الوفيات الأخري، لأنه لا أحد يري نهاية المأساة التي وقعت ومازلنا نعاني من عواقبها حتي يومنا هذا. والرسالة هي: إعلان بلفور الذي تم توقيعه في الثاني من نوفمبر 1917، هكذا بدأ الصحفي والكاتب الفرنسي العالمي فيليب سيمونوت مقدمة كتابه، الذي يحمل اسم هذا الإعلان المشئوم بعنوان “قرن من إعلان بلفور”، يحوي الكتاب بطريقة منهجية فك السياق التاريخي للحدث، من خلال مصادر لا تحصي وتعليقات مباشرة، تكشف صفحات الكتاب عن التعاملات المتخاذلة والحيل السياسية والتحالفات ضد الطبيعة في الشرق الأدني، بما يدفع الشرق الأوسط إلي الهاوية، حيث تمثل كل صفحة من هذا الكتاب درساً في التاريخ والذكاء والشجاعة كما وصفه العديد من الكتاب والمؤرخين والإعلاميين في بلاده.. فيليب سيمونوت، صحفي وكاتب عالمي فرنسي الجنسية، حاصل علي دكتوراه في القانون والاقتصاد، محاضر بجامعة السوربون في باريس، وعمل مراسلاً صحفياً في شئون الطاقة والبترول بمنطقة الشرق الأوسط لصحيفة “الليموند”، الأمر الذي ساعده في اكتساب وتكوين خلفية كبيرة بشئونه، ألَّفَ العديد من الكتب حول مختلف جوانب الاقتصاد المعاصر، وأخيرا كتابه »قرن علي إعلان بلفور». “الأخبار” أجرت حواراً مع الكاتب الفرنسي لعرض بعض تحليلاته واستنتاجاته حول عدد من القضايا المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، علي رأسها الصراع العربي الإسرائيلي.. وإلي نص الحوار.
القمة العربية الأوروبية فرصة لتطوير العلاقات بين الجانبين علي جميع المستويات
حل الدولة الواحدة انتحار لإسرائيل.. و”الدولتين” قادر علي تحقيق السلام
معاداة السامية حماقة مثل كل ما يندرج تحت التمييز العنصري
قوانين مراقبة معاداة السامية غير ضرورية.. وتخلق الكراهية بين الناس كما الوضع الآن في فرنسا
قال الرئيس السيسي في كلمته التي ألقاها في مؤتمر ميونيخ للأمن فبراير الماضي، إن القضية الفلسطينية هي مصدر القلق الذي تشهده المنطقة، فما رأيك؟
نعم، أوافقه الرأي، وفي رأيي أن المشكلة الفلسطينية في المنطقة ظهرت في عام 1917، كما ذكرت في كتابي »قرن علي وعد بلفور»: عندما غادرت القوات الإنجليزية بقيادة الجنرال إدموند ألنبي (وهو ضابط وإداري بريطاني، اشتهر بدوره في الحرب العالمية الأولي) مصر لغزو فلسطين وتحديدا غزة والقدس، ثم سوريا. كان الغرض من إعلان بلفور علي وجه التحديد هو إخفاء الظاهرة الإمبريالية وراء قناع الصهيونية الإنسانية، لذلك من المهم اتخاذ خطوة علمانية (أي عن طريق فصل الأمور الدينية عن الأمور الدنيوية) لكي نفهم الوضع الحالي.
“الإمبريالية تعني: السيطرة والتحكم والتملك والاستغلال الدي تمارسه أمة علي أمة أخري وعلي مواردها وسوقها وسكانها.. وكانت في تلك الحقبة نظاما أوربيا – أمريكيا للسيطرة الاستعمارية علي إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية”.
وما الهدف من كتابك بالتحديد ؟
يهدف كتابي الكشف عن إعلان بلفور، والذي يتكون من 122 كلمة فقط، وكشفه كنموذج للتضليل الدبلوماسي الذي يخفي الهدف الحقيقي والنهائي لاحتلال فلسطين وراء الخطة الصهيونية، لإنشاء قاعدة أمامية للإمبراطورية البريطانية في الماضي، وقد استبدلتها أمريكا اليوم للاستفادة من هذا الوضع. واستنتاجي الخاص هو أنه يجب علينا فك طلاسم هذا الوعد الغامض حتي نتجنب وعد بلفور جديدا خلال القرن القادم (2017-2117) تشوبه الحروب والمآسي.
هل واجهتك عقبات أثناء تأليفه؟
لم أواجه أية عقبات علي الإطلاق. لكنني واجهت صعوبة في العثور علي ناشر.
إعلان بلفور.
وما أسباب صعوبة العثور علي ناشر؟
واجهت صعوبة لسببين، الأول هو أنني كنت أريد إصدار كتابي في نفس وقت الذكري المائة لصدور وعد بلفور في 2 فبراير 2017، والثاني أن ثلاثة ناشرين كنت علي تواصل معهم فوجئوا بانتقادي الراديكالي لإعلان بلفور لذا رفضوا طباعة الكتاب، إلا أن الحظ كان يقف بجانبي واتفقت مع ناشر آخر وهو ( Pierre-Guillaume) الذي لم يكن متحيزا ً كالآخرين، بل علي العكس من ذلك حيث كان متحمساً جداً، وممتن له كثيراً.
كيف استقبل الإعلام الفرنسي الكتاب بعد صدوره؟
تم استقبال كتابي »قرن علي وعد بلفور» بتجاهل إعلامي كبير، وهو ما يعد شكلا من أشكال الرقابة، ولم تُكتب عنه سوي بضع مقالات علي شبكة الإنترنت، وعلي الرغم من ذلك فقد حظي بإعجاب كبير من القراء.
كيف تقيّم قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلي القدس، مدعيًا أنها عاصمة إسرائيل؟
كان نقل السفارة الأمريكية إلي القدس جزءًا من البرنامج الإنجيلي الأمريكي، وهو حركة قوية جدًا في الولايات المتحدة لعبت دورًا مهمًا في انتخابات ترامب، التي تمتثل فقط لهذا اللوبي. لذلك من الضروري الرجوع خطوة إلي الوراء لفهم دور الألفية البروتستانتية (الذين يؤمنون بالعصر الألفي الجديد) التي سيطرت علي العالم الأنجلوساكسوني لعدة قرون.
وتكمن بدايات الحركة الإنجيلية فيما يسمي الإصلاح الجذري في القرن السادس عشر. والذي انبثق عن حركة الإصلاح البروتستانتي لكنه ذهب إلي أبعد من ذلك. فهؤلاء الإنجيليون يعتقدوم أنه من أجل تسريع المجيء الثاني للمسيح، من الضروري جمع يهود العالم كله وإرسالهم إلي فلسطين حتي يحضروا عودة المسيح. وفي الواقع فإنه بالنسبة للمسيحيين، كان ما حدث وسيلة للتخلص من اليهود الموالين للصهيونية والمنضمين لمعاداة السامية التقليدية هنا في أوروبا.
وكما قال بنيامين نتانياهو نفسه في 8 مارس 2010: “في الواقع، تسبق الصهيونية المسيحية الصهيونية اليهودية المعاصرة، وأعتقد أنها مكنتها من الوجود”. وأقول هنا إن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو لا يفوت فرصة لتحية الإنجيليين عندما يكون في الولايات المتحدة ويرحب بزعمائهم في إسرائيل بشكل مبالغ فيه. وهو سعيد بكل هذا الجنون المتعصب.
هل تعتقد أن الخلافات الداخلية بين الفلسطينيين تمثل عقبة لحل القضية، وإقامة دولة مستقلة علي حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية؟
نعم، هذه الخلافات تمثل عقبة كبيرة أمام تحقيق هذا الهدف.
هل هناك علاقة بين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والأزمات التي تشهدها المنطقة؟
لا أري أي علاقة بينهما.
كيف تري تأثير مبادرة السلام العربية التي أطلقت عام 2002 في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وتحقيق السلام ؟
هذه المبادرة مبنية علي مبدأين، الأول هو »الأرض مقابل السلام»، والثاني هو أنه لا يمكن تحقيق السلام والأمن عن طريق السلاح. إلا أنه بسبب رفض إسرائيل مناقشة المبادرة، لم تشهد أي تقدم حتي يومنا.
تأميم قناة السويس
كيف تقيِّم الموقف الفرنسي من القضية الفلسطينية؟
موقف فرنسا غامض علي نحو كبير. فسياسة فرنسا الخارجية بالنسبة للعرب سقطت في مزبلة التاريخ. ولا ينبغي أن ننسي أن فرنسا منحت إسرائيل أسلحة نووية كمكافأة علي مشاركتها في العدوان الثلاثي عام 1956 بعد تأميم قناة السويس علي يد عبد الناصر. هذه خطيئة سياسية مازالت عواقبها تلحق الضرر بالمنطقة بأسرها.
أفهم من ذلك أن فرنسا تؤيد الاحتلال الإسرئيلي لفلسطين؟
لقد دعت فرنسا منذ زمن طويل إلي إنشاء دولة فلسطينية، كما تعتبر فرنسا قيام إسرائيل ببناء مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية، استيلاء غير مشروع علي الأراضي الفلسطينية، ولابد أن يكون هذا الأمر ضمن مفاوضات السلام بين الطرفين علي أساس حدود 1967. حيث تعترف باريس بأن بناء هذه المستوطنات يتعارض مع القانون الدولي (لاسيما اتفاقية جنيف الرابعة والعديد من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة) ومن شأن المستوطنات أن تهدد صلاحية حل الدولتين، فضلا عن أنها تمثل عقبة أمام السلام العادل والمستدام في المنطقة. لذا تري أن حل الدولتين هو الحل الوحيد القادر علي معالجة التطلعات المشروعة لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين نحو تحقيق الأمن والاستقلال والاعتراف والكرامة.
لكن مع وضع ذلك في الاعتبار، فإن فرنسا تري أن القدس يجب أن تكون عاصمة كل من الدولتين، إسرائيل ودولة فلسطين المستقبلية.
من وجهة نظرك، كيف يمكن تحقيق السلام في الشرق الأوسط؟
من وجهة نظري أن الحل القائم علي دولة واحدة سيكون بمثابة انتحار لإسرائيل، لأن العرب علي المدي البعيد سيشكلون الأغلبية لأسباب ديموغرافية، وفي هذه الحالة سيتم القضاء علي الدولة اليهودية، ما لم تتجه إلي تطهير عرقي جديد كما فعلت في عام 1948، وهو الآن غير وارد سياسياً ومستحيل فعلياً، ناهيك عن الجانب الأخلاقي لهذه العملية الهمجية.
وأري أن حل الدولتين هو الحل الوحيد القابل للتطبيق اليوم، فهو الأكثر منطقية، رغم ما تدعيه إسرائيل حول إظهار رغباتها واستعدادها للتوصل إلي تسوية مع الفلسطينيين، لكنها في نفس الوقت تواصل بدهائها اغتصاب وانتزاع أجزاء أكبر كل يوم من أراضي الفلسطينيين.
وطن بديل للفلسطينيين
ما هي توقعاتك للشرق الأوسط في حالة وجود وطن بديل للفلسطينيين في غزة فقط، وهو المخطط الذي تتصدي له مصر وترفضه بشدة ؟
من وجهة نظري، أري أن إقامة وطن بديل للفلسطينيين أمر غير منشود، ولن يحقق أي سلام في المنطقة.
كان تمثيل ألمانيا وفرنسا في مؤتمر وارسو الذي عقد ببولندا الشهر الماضي ضعيفاً، لماذا؟ وكيف قرأت هذا المؤتمر؟
كان المؤتمر مناورة أمريكية لتعميق انقسام أوروبا حول مسألة الشرق الأوسط. ولذلك كان تمثيل ألمانيا وفرنسا في المؤتمر تمثيلا ضعيفاً، لأنهما لا تريدان تأييد انسحاب واشنطن من الاتفاق متعدد الأطراف بشأن النووي الإيراني. كما أن فرنسا وألمانيا تدركان استعداد ترامب لتصعيد الضغوط، فيما يتعلق بوجود خطر كبير جدا حال قيام إيران باستئناف برنامجها النووي.
وكان هذا المؤتمر أيضا فرصة لنتانياهو لنقل صورة للعالم مفادها أن هناك تفاهما تاما بين إسرائيل وبعض الدول العربية حول القضية الفلسطينية. إلا أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين نجح في وضع الأمور في نصابها، عندما أكد أن أي زعيم عربي لا يستطيع تقديم تنازلات فيما يتعلق بالقدس أو فلسطين. وهو ما أغلق الطريق أمام خطة السلام التي أعدها رجل الأعمال جاريد كوشنير، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أو ما يطلق عليها “الصفقة النهائية” للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
من تحليلك للأحداث والواقع التاريخي في كتابك، ما الذي تتطلع إليه الولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط؟
الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب تقع تحت تأثير اللوبي الإنجيلي القوي، الذي تقف سياسته بقوة لصالح سياسة نتانياهو. ولنتذكر في هذا الصدد شعار »فلسطين.. أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، الذي كان يستخدمه الصهاينة لتبرير إقامة الدولة اليهودية، وقد تم ترويجه منذ عام 1853 من قبل اللورد شافتسبري (1801-1885)، الأرستقراطي الإنجليزي الكبير الذي دعا إلي “توطين اليهود في فلسطين”
أصبح الإرهاب ظاهرة خطيرة تهدد دول العالم، هل تعتقد أن هناك محاولات جادة في مكافحة هذه الظاهرة، خاصة مع قيام دول عديدة بتمويله، مثل قطر، وتركيا، ودول غربية أخري؟
ليس لدي معلومات بشأن مسألة تمويل مثل هذه الدول للإرهابيين، لكن بالتأكيد يمثل الإرهاب مشكلة حقيقية بالنسبة لنا جميعاً.
في ظل الخلاف التجاري الحالي بين الولايات المتحدة والصين، ما توقعاتك لظروف النظام الاقتصادي العالمي الفترة القادمة ؟
كخبير اقتصادي، أؤيد بشدة التجارة الحرة. فمن الناحية النظرية والعملية، ثبت أن الحمائية ضارة بالأشخاص الذين يمارسونها. وللأسف، فإن أكبر قوتين في العالم متورطتان في منافسة حمائية، قد لا تضرهما فقط بل تضر بالاقتصاد العالمي. إنها كارثة حقيقية.
معاداة السامية
قال روبرت برنشتاين، مؤسس منظمة هيومن رايتس ووتش، إن معاداة السامية متأصلة بعمق وتطبقها الدول العربية الحديثة، لماذا ادعي ذلك، وما وجهة نظرتك فيما ادعاه؟
أعتقد أنه يخلط بين الصهيونية ومعاداة السامية. ربما قال ذلك عن قصد، لأنه يسمح له بإدانة الصهيونية إلي حد ضئيل. وأري أن معاداة السامية ليست في التقاليد العربية. فالعرب ساميون!
> ما هو تعريفك لمعاداة السامية؟ وهل تعتقد أنها مصدر التوتر الذي يشهده العالم اليوم؟
معاداة السامية حماقة، مثل كل ما يندرج تحت التمييز العنصري، ولا أعتقد أنها مصدر التوترات التي تشهدها دول العالم.
قلت إن العرب ساميون، إذن فلماذا لا يستخدمون قوانين مراقبة معاداة السامية لخدمة قضاياهم الخاصة، كما يستخدمها الصهاينة؟
من وجهة نظري، أري أن قوانين مراقبة معاداة السامية غير ضرورية، كما من شأنها أن تأتي بنتائج عكسية، كما هو الوضع الحالي هنا في فرنسا، حيث تتواصل معاداة السامية في المزيد والمزيد من المعاقبة والكراهية، بل وتتصاعد.
ما الفرق بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية؟
هناك سياسيون فرنسيون، يدعون بترادف المصطلحين، وأنه لا اختلاف بينهما وذلك ارضاءً لإسرائيل، ليس هذا فقط، بل تم إدراج ذلك في الدستور الفرنسي العام الحالي، ولن أذهب بعيداً، ففي 7 مارس 2016، قال مانويل فالز رئيس وزراء فرنسا آنذاك، خلال حفل العشاء السنوي لمجلس المؤسسات اليهودية في فرنسا، »هناك معاداة للصهيونية، التي هي ببساطة مرادف لمعاداة السامية والكراهية لإسرائيل». وأيضا ما أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 20 فبراير الماضي عن اعتماد فرنسا في نصوصها المرجعية تعريف معاداة السامية الذي صدق عليه التحالف الدولي لإحياء ذكري الهولوكوست (المحرقة النازية لليهود)، لتمتد إلي معاداة الصهيونية، لتصبح “واحدة من الصياغات الحديثة لمعاداة السامية”
أنا لا أتفق معهما علي الإطلاق، لأنهما بمثل هذه التصريحات، أهانا كل اليهود الذين يعارضون الصهيونية، حيث إن هناك يهودا غير متطرفين يعارضون الصهيونية منذ عقود. في الحقيقة أأسف لمثل هذه التصريحات، لخطورتها في المناخ المؤلم الذي يضر ببلدنا فرنسا. كما يعد هذا التزييف واحداً من الآثار السيئة للتجريم القانوني لإنكار المحرقة النازية لليهود. فحظر الكراهية قانونيا يؤدي بدوره إلي اتخاذها مسارات أخري. حيث لا يمكن تغيير عواطف البشر عن طريق مرسوم أو إعلان، ومثل هذه الكلمات الرسمية التي تخرج علي لسان سياسيين فرنسيين لا تؤدي إلي تهدئة المناخ العام. لاسيما أنها لا تتفق مع اغتصاب الأراضي الفلسطينية الذي ترتكبه الحكومة الإسرائيلية، وأتحدي ماركون أن يدلي بنفس الخطاب أمام جمهور مسلم.
وهناك الكثير من الدلائل تؤكد حديثي، حتي إن بعضها وقع قبل إنشاء دولة إسرائيل، في عام 1930، كتب فرويد إلي صديقه آينشتاين في رسالة مؤرخة في 26 فبراير: »لا أستطيع أن أجد في نفسي ظل التعاطف لهذه التقوي المضللة التي تنحصر في جدار هيرود (حائط المبكي)، فليس من أجل حب هذه الأحجار القليلة، من حقنا أن نؤذي مشاعر أصحاب الأرض الأصليين»، كما قال مارتن بوبر، والذي يلقب بـ “حارس الإنسانية”، حيث وصفه كاتب سيرة حياته دومنيك بوريل، بأنه كان لديه انطباع في عام 1927 بأن عمل المستوطنين اليهود في فلسطين كان بمثابة “يوم القيامة”.
بل إن إعلان بلفور نفسه واجه معارضة يهودية، حدث كان إدوين مونتاجو الوزير اليهودي الوحيد في حكومة لويد جورج البريطانية ويشغل وزير الدولة للهند، معارضا لمشروع الإعلان، وقال إن قيام الصهاينة ببناء الدولة اليهودية في فلسطين يعد “جيتو” عملاقا لجميع يهود العالم، كما اعتبر أن هذا الإعلان نفسه معاد للسامية. وأمام اجتماعات مجلس الوزراء في 4 سبتمبر 1917، صرخ قائلاً: »كيف يمكنني التفاوض مع شعب الهند نيابة عن حكومة صاحبة الجلالة، إذا قررت حكومة جلالتها، بأن وطني اليهودي موجود في الأراضي التركية؟ (حيث كانت فلسطين في ذلك الوقت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية). كما خشي مونتاجو من الآثار المحتملة للإعلان علي المسلمين الهنديين. ولكن خلال غيابه من لندن تم اعتماد الإعلان. وعلم بذلك أثناء وجوده بالهند، وقال: “لقد فعلت حكومتنا كارثة لا يمكن علاجها لليهود الإنجليز، إنها تعمل علي بناء شعب غير موجود”.
معاداة الصهيونية
بسبب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، انتشر مصطلح معاداة الصهيونية مرة أخري تحت اسم معاداة السامية. هل توافق علي ذلك؟
لا أوافق علي ذلك. فبالطبع، لقد انتشر مصطلح معاداة الصهيونية مرة أخري، لكن كما قلت، يجب أن يكون هناك تمييز بينه وبين مصطلح معاداة السامية.
هل تمثل قوانين معاداة السامية أي رقابة ذاتية علي الكتاب والباحثين حول العالم خلال تطرقهم للأحداث التاريخية المتعلقة بإعلان بلفور المشئوم ؟
هذا ممكن، لكن ليس بالنسبة لي.هل تعتقد أن السياسة الخارجية لأوروبا وأمريكا تجاه الدول العربية تبدلت منذ إعلان بلفور؟
لقد أصبحت هذه الدول تؤيد الصهيونية بشكل متزايد منذ عام 1945، وهو الوقت الذي كشفت فيه فداحة الجرائم النازية، حيث كانت هناك دول منها متواطئة بشكل مباشر أو غير مباشر.
كيف رأيت القمة العربية الأوروبية التي عقدت في شرم الشيخ ؟
أري أن كلًا من الدول العربية وأوروبا، لديهما اهتمامات اقتصادية ومالية، وأيضا ثقافية، والقمة العربية الأوروبية كانت فرصة لتطوير العلاقات والتبادلات بين الجانبين علي جميع المستويات.
فيليب سيمونوت
صحفي وكاتب فرنسي
مؤلف كتاب “مائة عام على وعد بلفور”
المصدر/حوار خاص نشر على موقع بوابة اخبار اليوم – القاهرة