قاد التفكير المشترك بين طالبة في إحدى الجامعات الفلسطينية مع معلّمتها إلى تحويل مشروع تخرجها الجامعي لمشروع ريادي يُطبّق عمليًا للمرة الأولى في قطاع غزة، والمتمثل في استخلاص السكر المُحلى من نبات “الستيفيا” المُعمِر كبديل عن السكر الطبيعي.
ومستخلص “الستيفيا” هو مادة سائلة خالية من الجليكوز، توضع في عبوات صغيرة تباع في الصيدليات، ويستخدمه مرضى السكري والضغط والسمنة الزائدة؛ كونه يعادل في حلاوته 30 ضعف السكر الطبيعي، لكنّه لا يؤثر على تلك الفئات، كما أنّ سعراته الحرارية قليلة جدًا، ولا يؤذي الأسنان.
رائدة المشروع أصالة أبو شنار (25 عامًا) من محافظة خان يونس جنوبي قطاع غزة تعمل أخصائية أغذية وتكنولوجيا غذاء، تخرّجت من الكلية الجامعية للعلوم والتكنولوجيا بخان يونس.
وكان بحث تخرجها مع عدد من الطالبات حول تلك النبتة، بتوجيه من معلّمتها سعدة المجدلاوي (36 عامًا)، التي باتت شريكًا لها في المشروع واحتضنته في منزلها برفح.
لم يكن لينجح المشروع -الذي مضى على الشروع به عام ونصف تقريبًا، وبدأ توزيع نواة منتجاته منذ نحو ثلاثة أشهر- إلّا بعد تضافر جهود بين الطالبة ومعلّمتها؛ وتطوّر العلاقة بينهما إلى صداقة.
وأكسبت الخبرة الواسعة للمعلّمة المجدلاوي في مجال زراعة الأنسجة النباتية خلال عملها في وزارة الزراعة بغزة لسنوات، وتجربتها لزراعة “الستيفيا”، أهمية أكبر لنجاح المشروع، الذي حظي بدعم من الصليب الأحمر، وجمعية الأصالة وداليا (غير حكومية) لشراء بعض الماكينات والمعدات المخبرية للعمل.
وتقول أبو شنار إنّ أول تجربة ناجحة أجرتها تمثّلت في “استخدام مستخلص (الستيفيا) في الشوكلاته ليكون بديلاً عن السكر الطبيعي المستخلص من قصب السكر، خلال مشروع تخرجي الجامعي؛ بعد ذلك توجهت لتحويله لفكر مشروع ربحي خاص بي، لعدم وجود فرص عمل للخريجين أمثالي”.
وتضيف “استشعرت أنّ مرضى السكري عددهم كبير، عدا الذين يعانون من السُمنة في قطاع غزة، بالتالي تشجعت لإنشاء المشروع لتوفير منتج صحي آمن لتلك الفئات، بدلاً من أن يبقى مشروع تخرجي حبرًا على ورق”.
وتبّين أن نبتة “الستيفا” تُزرع في تربة طينية رملية داخل دفيئة زراعية، كونها تحتاج إلى درجة حرارة 35 درجة مئوية، كما تحتاج إلى نحو 16ساعة ضوء شمس، ومياه عذبة، وهو نبات عشبي معمّر يبقى خمس سنوات وتقطف أوراقه ثلاث مرات سنويًا، ويوجد في أوراقه مركبات غير سكرية”.
خطوات الاستخلاص
وتشرح أبو شنار عملية استخلاص السكر المُحلى من نبتة “الستيفا” بالقول “نقطف أوراق النبتة ثم تُجفف داخل الدفيئة لثلاثة أيام، ثمّ يتم طحنها، ثمّ تبدأ عملية الاستخلاص عبر جهاز (سوكسلت) الزجاجي بتقنية التبخير المائي، ثم ينقل المستخلص لجهاز (فلترة) لتنقيته من أي مكروب، بعدها يوضع في جهاز (التبخر الدوراني) لفصل الماء عن المادة الفعالة، مدة قرابة 90 دقيقة على درجة حرارة 60 درجة مئوية”.
وتضيف “بعد أخذ المادة الفعالة نضعها في عبوات حجم (10ملم) أي أنّ حجمها يبلغ نحو 200 نقطة، علمًا بأنّ النقطتين تعادلان ملعقة صغيرة من السكر الطبيعي”.
وتبيّن أنّ أبرز فوائد مستخلص “الستيفا” هي تقوية جهاز المناعة في الجسم، خاصة لمرضى السرطان والسكري والسمنة؛ لافتة إلى أنّه “مستخلص وقائي وليس علاجي”.
وتشير إلى أنّ استخدامات المستخلص كثيرة ولا تقتصر فقط على المشروبات، بل تدخل في تحضير الطعام والحلويات بأنواعها، وقد أثبت ذلك خلال استخداماته المختلفة.
وتلفت إلى أنّ المشروع حصل على ترخيص حكومي رسمي، وينتج 1000عبوة شهريًا، موضحة أنّه تمّ تسويق قرابة نصف الكمية منذ بدء عملية الاستخلاص في شهر مارس 2020، عبر الصيدليات في قطاع غزة، فضلاً عن التسويق عبر منصات مواقع التواصل.
ولم تخفي وجود صعوبة في تسويق المنتج في بداية المشروع، مبيّنة أنّ بعض الصيدليات في قطاع غزة لم يقم أصحابها بدفع الثمن “كاش” عند الشراء، بل اشترطوا السداد عند انتهاء عملية البيع؛ وهذا يعتبر أحد أبرز عقبات التسويق.
واستدركت “لكن نسبة البيع بدأت ترتفع تدريجيًا، ونخطط لزيارات المراكز الخاصة بمرضى السكرى ونوادي الرياضة النسائية وعيادات الأطباء، في سياق خطة وضعناها للترويج”.
تصنيع محلي
وتكشف المعلّمة المجدلاوي عن قيامها بابتكار تصميم لجهاز “استخلاص” عصارة نبات “الستيفيا”، تم تصنيعه واستخدامه محليًا بثمن 1500 دولار، كبديل عن المستورد الذي يصل ثمنه قرابة 10 آلاف دولار.
وبين أنّه يستوعب 1 كجم من النبات بدل 100 جرام، ويزيد كمية الاستخلاص عشرة أضعاف، بحيث تنتج الكيلو جرام نحو 1000 عبوة، كل عبوة 10 ملم.
وعملت المجدلاوي رئيسًا لقسم الأنسجة في وزارة الزراعة بغزة بعد عودتها من دراسة البكالوريوس والماجستير في بغداد، تخصص “بيوتكنولوجي”، وعند عودتها لغزة لم تجد مختبرًا مختصًا في الوزارة لزراعة الأنسجة؛ فلجأت لإنشاء مختبر وباشرت بإيصال نبات “الستيفيا” من مصر لغزة عام 2011.
كما بدأت عملية إكثار بعد زراعتها داخل دفيئات، وعند انتقالها للتعليم الجامعي، عرضت طموحها في تعميم فكرة استخدام تلك النبتة على مجموعة من طالباتها في مشروع تخرجهنّ، ووفرت لهنّ النباتات، وواجه المشروع صعوبات كبيرة ولكنّه حقق النجاح.
ورأت المُعلّمة أنّه لا بد من تطوير المشروع والاستمرار في تطبيقه كمشروع مُدرٍ للدخل، من منطلق استشعار أهمية وجوده في ظل ارتفاع أعداد مرضى السكري بغزة، وتفاقم معاناتهم، وحرمانهم من كثير من المأكولات.
وذكرت أنّ نواة المشروع كانت في منزلها، وتوجّهت لطلب الدعم من مؤسسات غير حكومية لتوفير الاحتياجات باهظة الثمن التي تلزم للعمل، من دفيئة وسماد صناعي ومختبر مجهّز؛ كي يتحول عملهم من المختبر إلى الإنتاج.
وتبيّن المجدلاوي أنّ الدعم المالي الذي حصلوا عليه لم يكن كافيًا لشراء الأجهزة “فاضطررت لتصميمها محليًا، ومنها جهاز الاستخلاص، وجهاز (شيلر للتبريد) تابع له يقوم بتحويل الغاز إلى سائل؛ ما وفّر الجهد والوقت، بعدما كان العمل يتمّ يدويًا بمكبعات وعبوات ثلجية”.
وتأمل الطالبة ومعلّمتها بأن يكبر مشروعهما، ويتلقى دعمًا ماليًا أكبر؛ ليصبح مشروعًا وطنيًا رائدًا، تزيد فيه كميات الإنتاج والبيع، بما يزيد من الأيدي العاملة ويخفف من البطالة.
المصدر/ صفا