وقف معاذ عواودة على أنقاض منزله الذي سوّته جرافات الاحتلال بالأرض، بعد شهور فقط من زواجه، كان خلالها يبني “منزل الأحلام” الصغير، ليدمّر الاحتلال حُلمه وزوجته فاطمة بالاستقرار، ويكبّده خسائر بآلاف الشواقل، أمر دفهما إلى العيش مع عشرة عائلات أخرى، نكبة جديدة يرتكبها الاحتلال بحق جميع سكان خربة حمصة الفوقا بالأغوار الشمالية.
يقطن معاذ عواودة (28 عاما) في خربة حمصة الفوقا منذ العام 2012، بعد أن غادرت عائلته منذ عشرات السنوات وقبل ولادته بلدتهم السموع قضاء الخليل، تنقلت العائلة بين عدة مناطق في الأغوار، وكانت تبحث خلالها عن مناطق تلائم تربية المواشي، لكن وفي كل مرة كان الاحتلال يلاحقها ويفرض ممارساته بالتضييق عليها.
في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019، تزوج معاذ من فاطمة الدغامين من السموع، وعاشا بضعة أيام في البلدة، ثم انتقلا في الشهر التالي إلى حمصة الفوقا، وبدأ في حينها ببناء منزلهما، الذي استغرق ما بين البناء والتصليح والتجهيز ما يقارب عام كامل، وبلغت مساحته 40 مترا من الطوب والصفيح.
شاهد: الاحتلال يصيب فلسطيني من ذوي الاعاقة بجروح خطيرة على حاجز قلنديا بالضفة
شاهد: الاحتلال يعدم فلسطينيا بالرصاص بالقرب من نابلس
يقول معاذ :عندما قررت الزواج كان يعتريني خوف وقلق من التهجير والملاحقة، وكنت أفكر بالبناء في مكان بعيد وآمن، لكن لم أتمكن من ترك عائلتي، واضطررت للبناء في حمصة الفوقا، ونحن ندرك أن منازلنا مهددة بالهدم في أي لحظة.
ويضيف “كان من الصعب على زوجتي في البداية أن تتأقلم مع معيشتنا، وهي التي انتقلت من منزل يتوفر فيه الكهرباء والمياه والرفاهية إلى حياة فيها من المخاطر ما يكفي”.
بعد شهر من زواجه، أبلغ محامي أهالي حمصة الفوقا أن الدعوى التي تقدموا بها منذ عام 2012 بعد أن تم تسليمهم إخطارات هدم، رفضتها محكمة الاحتلال، لتعيش العائلات أيامها في خوف من تنفيذ الهدم في أية لحظة.
في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي، الساعة الحادية عشرة صباحا، داهمت قوة كبيرة من جيش الاحتلال برفقة الجرافات خربة حمصة الفوقا، ليدرك الأهالي أن ما كانوا يخشون حدوثه في كل يوم قد أصبح واقعا.
كانت الزوجة الشابة فاطمة تجلس برفقة أقاربها عندما بدأت الجرافات بهدم منزل جيرانهم، وسمعت صوت الحديد الذي تتم تسويته بالأرض، أما طفلتها ذات الشهور القليلة، كانت تصرخ وتبكي من الخوف.
الساعة الثانية ظهرا، وصلت الجرافات منزل معاذ عواودة الذي انتهى قبل يومين فقط من تبليط جزء منه، وكان ينوي استكمال تصليحه. أمهلهم الاحتلال نحو 15 دقيقة لتفريغ المنزل، وهي مدة لا تكفي لإخراج شيء، كانت خلالها فاطمة تحاول أن تجمع ما تستطيع يداها أن تحمله.
داهم جنود الاحتلال منزل معاذ، وبدأوا بسحب فاطمة منه بعد أن رفضت الخروج، وشرعت الجرافات بعملية الهدم أمام أعين معاذ وفاطمة، وهما يشاهدان حلمهما يتم تحطيمه، ومعظم أثاث المنزل تم تسويته بالأرض، وحتى ملابس فاطمة وطفلتها وجدوها فيما بعد ممزقة، وبضعة أشياء استطاعوا إزالتها من تحت الركام وإعادة تصليحها، لكن مركبة معاذ لم تسلم، وتمت مصادرتها.
تقول فاطمة لـ “نوى”: “هذه أول مرة أعيش لحظة هدم منزل يعود لنا، كنت في السابق أرى منازل من حولنا يهدمها الاحتلال وأشعر بالحزن عليها، لم أكن أريد أن أرى بعيني مشهد الهدم، لكن أينما نظرت من حولي رأيت الركام، قررت أن أقف في منتصف المنزل لأمنع هدمه ” حينها شعرت بالخوف الشديد، ولم أستطع أن الوقوف على ساقي حينها”.
تضيف فاطمة:” الحياة بالأغوار صعبة ولا استقرار وأمان هنا، لكن هذه أرضنا، وإذا خرجنا منها سيصادرها الاحتلال، لذلك نحن متمسكون بها”.
لم يتوقف الأمر عند هدم المنازل، بل حتى الأثاث البسيط ومتاع الأهالي التي قاموا بإخراجه، كانت جرافات الاحتلال تدوسه، فيما حطمت خزانات المياه والخلايا الشمسية لقتل كل سبيل للحياة هنا.
بعد انتهاء الهدم، اصطحب معاذ زوجته وابنته وبعض أفراد عائلته، وساروا مسافة طويلة حتى جاءت مركبة ونقلتهم إلى منطقة ” ذراع عوّاد”، التي تبعد عن حمصة الفوقا ما يقارب ستة كيلو مترات باتجاه حاجز الحمراء، وهناك قام معاذ ببناء منزل بسيط لإيواء زوجته وطفلته.
يدرك معاذ أن المنزل الذي بناه مجددا هو أيضا مهدد بالهدم في أي لحظة، إذ أن لديهم منازل مقامة مسبقا، وهناك معركة قضائية بحقهم منذ عام 1992، ويمنع الاحتلال بناء أي منزل جديد فيها، أو حتى تصليح المنازل القديمة.
الاحتلال يزعم اسقاط طائرة مسيرة للمقاومة في غزة
حماس ترفض مقترح اسرائيلي لصفقة تبادل أسرى مقابل مشارع اقتصادية بغزة
عاد معاذ إلى حمصة الفوقا، برفقة عدد من اخوته وأفراد عائلات أخرى، وأعاد بناء منزل له لا يشبه أبدا منزله السابق إلى جانب بركسات للمواشي، تبعد عن منزله السابق نحو 200 متر، يرابط فيها لأنه لا يجد بديلا آخر. فالقصة لم تنته إلى هنا، بل أن مداهمات الجيش لخربة حمصة الفوقا مستمرة، يقومون بتصوير المنطقة وكل الأبنية المعمرة فيها للعودة إلى هدمها لاحقاً.
لا استقرار لشباب الأغوار
يبين مسؤول ملف الأغوار معتز بشارات أن أعدادا كبيرة من الشباب في مناطق الأغوار والتجمعات السكانية، يقوم الاحتلال بهدم مساكنهم سنويا، وهو بذلك ينهي الوجود لهؤلاء الشباب.
ويتحدّث بأن “الشباب لا يستطيعون بناء غرفة واحدة في مناطق الأغوار”، فالإدارة المدنية الإسرائيلية تلاحقهم وتقوم بهدم منازلهم بعد شهر أو اثنين من زواجهم وتسليمهم الاخطارات.
يتابع بشارات أن وتيرة الهدم تضاعفت بشكل كبير في الأغوار بعد خطة الضم الإسرائيلية منتصف العام المنصرم 2020، وتم الاستيلاء على عشرات آلاف الدونمات تحت ذرائع عديدة، وهناك مستوطن واحد فقط يسيطر على آلاف الدونمات، ويقوم الاحتلال بتوفير بنية تحتية كاملة له، في الوقت الذي يضيق على آلاف الفلسطيني ويمنعهم من كل شيء.
ويلفت إلى أن هناك برنامج لدى الحكومة الفلسطينية، وبالتنسيق مع المؤسسات الدولية لتقديم المساعدات للعائلات الفلسطينية المتضررة في الأغوار، وإعادة بناء ما تم هدمه بشكل كامل، لكن الاحتلال يواصل عمليات الهدم وملاحقة السكان.
في 15 دقيقة أنهى الاحتلال حلم معاذ وفاطمة، فالعيش هنا لا يشبه أي مكان آخر. لا يوجد استقرار بالأغوار، قد تكون شجرة في المنطقة أكثر أمانا من المنزل، تستطيع أن تجلس تحتها، أما المنزل فهو مهدد بالهدم بأية لحظة، هكذا حياتنا – يقول معاذ -.
المصدر/شبكة نوى