مصير التفاهمات بين فصائل غزة وإسرائيل
ما زالت إسرائيل تتلكأ في الالتزام في تفاهمات وقف إطلاق النار التي جرى ترتيبها مع الفصائل الفلسطينية في غزة، بوساطة مصرية، قطرية، ودولية، تمخض عن هذه التفاهمات سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى تخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة، رغم التزام الجانب الفلسطيني بوقف حدة التظاهرات، ووقف أدوات مسيرة العودة الضاغطة على الجانب الإسرائيلي من بالونات حارقة، وإشعال للإطارات، والإرباك الليلي وغيرها.
بعض إجراءات التخفيف كانت إدخال أموال قطرية ضمن منحة أميرية لقطاع غزة، يستفيد منها عشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين، الحديث هنا يتعلق بالدفعة المالية الثالثة من هذه المنحة، والتي كان من المفترض إدخالها للقطاع مع بداية الشهر الجاري، ورغم الانخفاض الكبير والملموس في حدة المواجهات على الحدود، إلا أن الجانب الإسرائيلي ما زال يتذرع بأن عدم إدخاله للأموال يعود إلى عنف التظاهرات على الحدود.
الحكومة الإسرائيلية تصرح مرارا وتكرارا بأنها ملتزمة بتوفير الهدوء في الجنوب، خاصة أن البلاد مقبلة على انتخابات عامة، إلا أن الوقائع على الأرض مغايرة للتصريحات، فكيف تريد تحقيق الهدوء دون الالتزام بشروطه؟
ورغم ذلك فإن التفاهمات السياسية قائمة ما زالت قائمة، بالرغم من الأحداث الأخيرة التي أدت إلى تعرقل الجهود مثل اجراءات السلطة الفلسطينية التصعيدية ضد غزة، وما تلى ذلك من تجميد المنحة القطرية بزعم سقوط صاروخ على عسقلان، طبعا في ظل القناعة الاسرائيلية بعدم نجاعة الحل العسكري مع غزة، وهذا ما صرح به رئيس الأركان المنصرف الجنرال غادي أيزنكوت مؤخرا عندما قال: “لا يوجد لنا ما نفعله في غزة في هذه الأثناء”.
نعتقد بأن إسرائيل ستفرج عن الأموال القطرية خلال الأيام المقبلة، لكي تحافظ على استمرار الهدوء النسبي والحيلولة دون انفجار الأوضاع في غزة باتجاهها، كما أنها ستمارس ضغوطها على رئيس السلطة محمود عباس للتراجع عن الاجراءات العقابية الأخيرة ضد غزة، وذلك كخطوة أولى لتثبيت الهدوء الحذر الذي تم تحقيقه في إطار المراحل الأولى من التفاهمات.
ملف الجنود الاسرى
بعد ذلك ستعود اسرائيل لطرح ملف الجنود الاسرى الاسرائيليين المعتقلين لدى حماس في غزة بقوة على الطاولة، كشرط أساسي لاستكمال التفاهمات، وذلك لأن اسرائيل تنظر بعين المفترس إلى حماس في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها، بما في ذلك العزلة الدولية والإقليمية والأزمة الإنسانية التي يعيشها القطاع، حيث تعتقد بأن هذه الظروف تعتبر الأنسب للضغط على حماس في مسار عقد صفقة تبادل أسرى متواضعة.
مسيرات العودة غيرت قواعد اللعبة
صحيح أن فعاليات الحراك الشعبي بما في ذلك مسيرات العودة قد خلقت قواعد لعبة جديدة، أجبرت اسرائيل في مرحلة ما على التراجع عن مبدأ خلط الأوراق كربط مساعي التفاهمات بصفقة تبادل الأسرى، حيث أن اسرائيل اتجهت في ذروة مسيرات العودة إلى التفكير بجدية نحو الفصل بين المراحل الأولى للترتيبات السياسية على الأقل وملف الأسرى، إلا أنه سرعان ما تغير الموقف الاسرائيلي إلى التشدد والتصلب في موضوع ربط هذا الملف مع ملف الأسرى، وذلك في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها حماس في غزة، وهذا ما دفع رئيس الأركان الجديد أفيف كوخافي إلى الحديث عن ملف الجنود الأسرى المعتقلين لدى حماس في غزة خلال مراسيم تعيينه رئيسا جديدا للأركان.
ولذلك نعتقد بأن الوضع الأمني المقبل مع غزة مرهون بالتقدم في مباحثات صفقة تبادل الأسرى، فإما أن تنجح هذه المباحثات، الأمر الذي سيعقبه استكمال جهود التهدئة، بما في ذلك عودة السلطة ونجاح المصالحة المرهون بالموافقة الاسرائيلية، وإما أن تصل مباحثات صفقة التبادل إلى طريق مسدود قد يعقبها فشل استكمال ترتيبات غزة الأمر الذي قد يجرنا نحو مواجهة عسكرية واسعة في القطاع.
تطورات الجبهة الشمالية ومآلات التصعيد
وعلى صعيد الجبهة الشمالية فقد أعلن الجيش الاسرائيلي مطلع الأسبوع الماضي عن انتهاء عملية درع الشمال التي كان قد بدأها قبل أسابيع للقضاء على أنفاق حزب الله الهجومية.
إن الإعلان المبكر عن انتهاء العملية يؤكد فرضية الهالة الإعلامية الاسرائيلية حولها والتي لم تتجاوز إنجازاتها العسكرية سوى تدمير 6 أنفاق هجومية لحزب الله، إلا أن ذلك يضع علامات استفهام حول الأهداف العسكرية التي سعت اسرائيل لتحقيقها من هذه العملية، فبعيدا عن الأهداف السياسية التي أرادت الحكومة الاسرائيلية تحقيقها من هذه العملية مثل صرف الأنظار عن جبهة غزة لمنح التفاهمات فرصة للنجاح إضافة إلى الخروج من مأزق التصعيد الأخير الذي اندلع عقب حادثة خانيونس الأمنية، والذي خرجت فيه اسرائيل بمظهر المنهزم أمام فصائل المقاومة، وغيرها من الأهداف السياسية الأخرى فإنه يوجد هناك أهداف عسكرية لعملية درع الشمال تراجعت اسرائيل عن تحقيقها لأسباب عديدة معروفة وأخرى غامضة.
لماذا لم تُكمل إسرائيل عملية درع الشمال عسكريا؟
لا يُعقل أن تقتصر أهداف اسرائيل العسكرية من التهويل الإعلامي الممنهج لهذه العملية على تدمير بضعة أنفاق هجومية من خلال جهود هندسية داخل الأراضي الاسرائيلية، ولذلك على ما يبدو فإن هناك أهدافاً عسكرية أخرى كانت تخطط اسرائيل لتحقيقها كتدمير مصانع الصواريخ الدقيقة لحزب الله، إلا أن اسرائيل تراجعت عن تحقيقها لعدة أسباب، مثل اشتعال جبهة الضفة الغربية الذي لم يكن في الحسبان، وتعرقل جهود التهدئة مع غزة، والتدخل الروسي الذي على ما يبدو قدم لإسرائيل تنازلات تتعلق بحُرية العمل في الأجواء السورية لضرب خطوط الإمداد التي تصل إلى تنظيم حزب الله مقابل التراجع عن توسيع عملية درع الشمال.
إسرائيل ستقصف مواقع شيعية موالية لايران في العراق
أما فيما يتعلق بالملف السوري فإن إسرائيل ستواصل ضرباتها الجوية على الأهداف الإيرانية المختلفة على الأراضي السورية، خصوصا القوات الشيعية المتمركزة في الجولان، وسط توقعات كبيرة أن تنتقل الضربات الجوية الاسرائيلية خلال الفترة المقبلة إلى الحدود السورية العراقية، لضرب الحشود العسكرية الشيعية التي قامت إيران بحشدها مؤخرا كقوات تدخل سريع لدعم حزب الله من هضبة الجولان في حال اندلعت مواجهة عسكرية مع اسرائيل.
سياسة رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد
على الصعيد الداخلي فقد شهدت الأيام الأخيرة من الأسبوع الماضي انعقاد مراسيم تعيين رئيس جديد لهيئة الأركان العامة بالجيش، حيث تم تعيين الجنرال أفيف كوخافي رئيسا جديدا للأركان خلفا للجنرال غادي أيزنكوت.
إن رئيس الأركان الجديد أفيف كوخافي قد تخرج من مدرسة رئيس الأركان المنتهية ولايته الجنرال غادي ايزنكوت، حيث أنه يحمل نفس عقليته العسكرية والتعبوية على جميع الأصعدة والجبهات في الشمال والجنوب، فقد حرص ايزنكوت في السابق على تعيينه نائبا له، كما أنه حرص على تعيينه خليفة له في منصب رئاسة الأركان بالرغم من المعارضة الشديدة لكل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الجيش السابق أفيغدور ليبرمان، حيث كان نتنياهو يرغب بتعيين الجنرال أيال زمير خليفة لأيزنكوت في منصب رئاسة الأركان العامة، في حين كان يرغب ليبرمان بتعيين الجنرال نيتسان ألون بمنصب رئاسة الأركان، إلا أن ايزنكوت ضغط بكل ما أوتي من قوة لتعيين كوخافي خليفة له.
لقد كبح رئيس الأركان المنصرف الجنرال غادي ايزنكوت خلال فترة ولايته جموح القيادة السياسية الاسرائيلية، حيث أنه كان يعتبر صاحب الكلمة الأقوى في الخيارات العسكرية المطروحة من قبل وزراء الكابينت، وهذا قد ظهر واضحا وجليا في التصعيد الأخير الذي اندلع في أعقاب حادثة خانيونس في غزة، حيث اختار نتنياهو اقتراح ايزنكوت بترك جبهة غزة والانتقال لمعالجة تهديد الأنفاق في الشمال، بالرغم من معارضة عدد من وزراء الكابينت مثل بانيت وليبرمان الذين طالبوا بتوجيه ضربة قاسية لحماس قبل الانتقال لتحييد خطر الأنفاق.
نعتقد بأن رئيس الأركان الجديد أفيف كوخافي وإن كان يحمل نفس عقلية ايزنكوت العسكرية والتعبوية إلا أنه سيكون أكثر مداهنة أمام المستوى السياسي القيادي فيما يتعلق بالخيارات العسكرية.
عكا للشؤون الإسرائيلية
تعليق واحد
تعقيبات: كتاب اسرائيلي جديد يروي تفاصيل جديدة في اغتيال ابو جهاد - غزة برس