أثار اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وحكومة السراج في ليبيا غضب قوى إقليمية
في الوقت الذي تستعر فيه حدة المعارك بين قوات شرق ليبيا بقيادة الجنرال، خليفة حفتر، وبين القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، بقيادة فايز السراج، للسيطرة على العاصمة طرابلس، تبرز ورقة النفط بوصفها عاملاً رئيساً لفهم الصراع الذي استقطب عدداً غير قليل من الأطراف الإقليمية في المنطقة.
وفي حين تشير بيانات منظمة الدول المنتجة للنفط “أوبك” إلى أن ليبيا تحتل المرتبة الخامسة عربياً باحتياطي نفطي يبلغ 48.36 مليار برميل، تقدِّر هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية احتياطي الغاز في حوض المشرق بنحو 122 تريليون قدم مكعب، ونحو 233 تريليون قدم مكعب في حوض دلتا النيل، بعد الاكتشافات الحديثة لكميات هائلة من الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط.
وبطبيعة الحال، زاد إعلان قوات شرق ليبيا سيطرتها على مدينة سرت الاستراتيجية، الواقعة بالقرب من منطقة الهلال النفطي الغنية بالموارد، الذي جاء بعد نحو شهر من توقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، من احتمالات اندلاع مواجهات في المنطقة، ولاسيما بعد إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بدء نشر وحدات عسكرية تركية في طرابلس لدعم حكومة الوفاق الوطني في حربها ضد حفتر.
وهنا يبرز السؤال المُلح: من الذي يتحكم في ذهب ليبيا الأسود؟
بلد واحد وحكومتان
تعيش ليبيا حالة من الفوضى الأمنية والسياسية منذ إطاحة رياح ما يعرف بالربيع العربي بالزعيم الراحل معمر القذافي عام 2011. وأفضت سنوات طوال من الصراع إلى وجود حكومتين متنافستين في البلاد: واحدة في طرابلس برئاسة السراج، والأخرى موالية لحفتر، في مدينة طبرق، شرقي البلاد.
ورغم سيطرة القائد العسكري، خليفة حفتر، على معظم حقول ومنشآت النفط في ليبيا، بما فيها حوض سرت الذي يمثل نحو ثلثي الإنتاج الليبي من النفط، إلا أن بيع النفط هو اختصاص أصيل للمؤسسة الوطنية للنفط، ومقرها طرابلس، بموجب عدد من التشريعات المحلية والقرارات الدولية.
وتتحكم حكومة الوفاق في طرابلس بعائدات النفط بعد تصدير الشحنات النفطية بإشراف المؤسسة الوطنية للنفط وإيداع عائدات المبيعات الشهرية في حساب مصرف ليبيا الخارجي ثم مصرف ليبيا المركزي بطرابلس وتوزيعها على الميزانية العامة للدولة.
وفي أوائل أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، طالب رئيس مجلس الوزراء الليبي في طبرق، عبد الله الثني، بنصيب أكبر من عائدات النفط، التي تبلغ حالياً نحو ملياري دولار شهرياً.
واللافت أنه رغم استمرار المعارك بين الحكومتين، إلا أن حكومة طرابلس لم تتوقف عن إرسال قسم من عائدات النفط إلى حكومة طبرق، التي تستخدمه بدورها لدفع رواتب أفراد الجيش الليبي الوطني، بقيادة حفتر، الذي يحاصر العاصمة طرابلس، منذ أبريل/نيسان الفائت، في مسعى منه للسيطرة على المؤسسات السيادية، والهيمنة على مبيعات النفط، بطبيعة الحال. وبعبارة أخرى، يمكن القول أن النفط هو كلمة السر وراء التزام حكومة طرابلس بتمويل الجيش الذي يحاصرها، كما هو كلمة السر وراء فهم الصراع الإقليمي الدائر هناك.
طاقة هائلة عطلتها الحروب
بلغت إيرادات ليبيا من النفط نحو 20.3 مليار دولار منذ بداية العام الماضي وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، وفق إحصائية حديثة لمصرف ليبيا المركزي.
يضطلع حقل الشرارة النفطي بإنتاج ما يعادل ربع الانتاج الوطني حالياً، 300 ألف برميل يومياً. وفي حين ينتج حقل الواحة نحو 100 ألف برميل. يتجاوز إنتاج حقلي المسلة والنافورة 200 ألف برميل يومياً.
وأدى الصراع المستمر منذ عام 2011 إلى تكرار توقف إنتاج النفط في عدد من أهم حقول ليبيا النفطية، ولم يسلم من ذلك حتى حقل الشرارة، الأكبر في البلاد؛ إذ قامت جماعة مجهولة، نهاية يوليو/تموز الماضي، بسد صمام على خط الأنابيب الذي يربط الحقل بمرفأ الزاوية النفطي، ما تسبب في إغلاق الحقل، ودفع المؤسسة الوطنية للنفط إلى إعلان حالة القوة القاهرة بشأن عمليات تحميل النفط الخام.
وكلَّفت الإغلاقات المتكررة للمنشآت النفطية ليبيا ما يتجاوز 135 مليون دولار منذ عام 2014. كما تضررت خزانات النفط جراء المعارك في أكثر من موقع ما أدى لتدمير نحو 9 خزانات نفطية في منطقة رأس لانوف، كما تضررت خزانات النفط في البريقة، وسط ليبيا.
ورغم ذلك، يستقر إنتاج النفط الليبي عند نحو 1.25 مليون برميل يومياً، بحسب رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله.
ورغم الاكتشافات الضخمة للغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، إلا أن الحروب المستمرة في المنطقة حالت دون تحولها لمركز لتصدير الطاقة، قد يغري عدد من القوى الدولية بالفكاك من التبعية لروسيا، بوصفها مصدِّراً رئيسياً للغاز إلى أوروبا.
أدان وزراء خارجية كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، أمس، ما وصفوه بالتدخل التركي في ليبيا
تنافس إقليمي وحرب محتملة
يمكن استشعار مدى أهمية النفط في تحول ليبيا إلى ساحة للصراع الإقليمي عبر النظر إلى ما أثاره اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا من ردود فعل دولية.
ففي حين أعلنت كل من مصر وفرنسا والإمارات وقبرص رفضها للاتفاق، ذهبت اليونان إلى حدِّ طرد سفير الحكومة الليبية لديها، تعبيرا عن غضبها من الاتفاق، وقال وزير الخارجية اليوناني، نيكوس دندياس، في بيان صحفي، إن السفير محمد يونس المنفي، أمامه 72 ساعة لمغادرة البلاد.
كما أدان وزراء خارجية كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، أمس، ما وصفوه بالتدخل التركي في ليبيا بعد أيام من إعلان أنقرة إرسال قوات لدعم الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس، وتصريح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأن تركيا وليبيا قد تعملان مع شركات دولية للتنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط .
وعقب اجتماع طارئ في بروكسل مع وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، قال جوزيف بوريل، منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، إن الإجراء التركي أدى إلى تعقيد الوضع في ليبيا.
لماذا تخاطر تركيا بتورط أعمق في الصراع في ليبيا؟
الأزمة في ليبيا: هل تشهد مصر حشدا جماهيريا ضد التدخل التركي؟
ويمكن تفسير ما أثارته خطوة أنقرة من تكهنات باندلاع حرب إقليمية بالوكالة على أرض ليبيا، إذا علمت أن إيطاليا وفرنسا تتسابقان على انتزاع حصة كبرى للتنقيب والاستكشاف والإنتاج والصيانة مع شركات تمثل مصالح الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا والجزائر وروسيا، من بينها عمالقة كبار مثل بريتيش بتروليوم البريطانية وإكسون موبيل الأمريكية وإيني الإيطالية.
من جهة أخرى، حاولت مصر والإمارات اللتان تدعمان القائد العسكري خليفة حفتر، عقد اتفاقات مع الحكومة الموالية لحفتر، لشراء النفط بسعر 55 دولاراً للبرميل، بشكل غير شرعي، وفق تصريحات سابقة لرئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله.
كذلك تعد الجزائر إحدى الدول التي تمتلك مصالح نفطية في ليبيا؛ إذ تمتلك شركة سوناطراك الجزائرية عقد امتياز ملء النفط قرب الحدود الجزائرية الليبية، وهو ما قد يحمل تبريراً للزيارة التي قام بها كل من رئيس حكومة الوفاق، فايز السرَّاج، ووزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو للجزائر مؤخراً.
المصدر/ بي بي سي