خلصت دراسة إسرائيلية إلى حدوث تغيّر في حالة المناعة الاجتماعية في البلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة، والتي تعرف باسم “غلاف غزة”. وحدث هذا التغيّر في المناعة في أعقاب انطلاق أنشطة فلسطينية في القطاع، مثل مسيرات العودة، وإطلاق البالونات والطائرات الورقية الحارقة، و”جولات التصعيد” القصيرة المتتالية والتي تُطلق خلالها قذائف صاروخية باتجاه “الغلاف”.
وأشارت الدراسة الصادرة عن “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب اليوم، الخميس، إلى أن تعريف المناعة الاجتماعية من الزاوية الوظيفية تعبر عن قدرة النظام على موجهة تشويش شديد بصورة لينة، والانتعاش منها بسرعة والعودة إلى أداء سليم وحتى متحسّن”. وأضافت أن أبحاثا جرت حول المناعة الاجتماعية في “غلاف غزة”، بين العامين 2006 – 2016، دلّت على وجود “مناعة اجتماعية عالية في هذه البلدات”، وذلك بموجب عدة معايير، بينها القدرة على التنظيم، والقيادة والثقة الاجتماعية، التي أشارت إلى أن أداء البلدات دلّ على “قدرة وظيفية عالية أثناء المواجهات وعلى نمو سكاني واجتماعي واقتصادي لفترة طويلة، بين المواجهات وبعدها، رغم التهديد المتواصل في هذه المنطقة والذي وصل ذروته في جولات المواجهة العنيفة الثلاث، وبينها ’الجرف الصامد’، في العام 2014، التي تميزت بطول فترتها وبتشويش بالغ للحياة العادية”.
لكن الدراسة أكدت على أنه منذ انطلاق مسيرات العودة عند السياج الأمني المحيط بالقطاع، في نهاية آذار/مارس 2018، “طرأت تغيرات واضحة على شكل التشويشات الأمنية من قطاع غزة… بعد ثلاث سنوات ونصف السنة الهادئة نسبيا منذ وقف إطلاق النار بعد ’الجرف الصامد’، بدأ ضغط متواصل على بلدات ’الغلاف’. وكانت بدايتها ’مسيرات العودة’ والبالونات المتفجرة والطائرات الورقية الحارقة، التي سببت حرائق كثيرة في منطقة ’الغلاف’ وثمنا بيئيا كبيرا وتشويش الحياة العادية – احتراق أكثر من خمسين ألف دونم وهذا يشمل، إضافة لحرق حقول زراعية، أضرارا شديدة لحقت بالحيوانات والنباتات في المنطقة. ويضاف إلى ذلك قصف غير متوقف وإزعاج متواصل لسكان ’الغلاف’، وخاصة في البلدات القريبة من السياج. ويرافق هذا الوضع سلسلة ’جولات تصعيد’ قصيرة وقوية، تتميز بإطلاق قذائف صاروخية بأحجام واسعة، ويشمل إطلاق قذائف مضادة للمدرعات باتجاه مركبات بشكل مباشر”.
وفي المقابل، شملت عمليات الجيش الإسرائيلي، حسب الدراسة، إطلاق النار باتجاه مواقع عسكرية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وتضييق مساحة الصيد في غزة، ومؤخرا وقف نقل الوقود إلى محطة توليد الكهرباء في القطاع، ثم استئنافه في إطار اتفاق التهدئة. وقالت الدراسة إن “هذه الأحداث المتواصلة قوضت وتقوض بصورة متتالية وبشكل متطرف الحياة العادية لسكان المنطقة وتُسبب أوضاعا عصبية”.
ووفقا للدراسة، فإنه في هذه الظروف “تتعالى مؤخرا في منطقة ’الغلاف’ أصوات متنوعة بين الجمهور وذوي المناصب والقيادة المحلية، تتحدث عن مؤشرات لبداية اتجاه محتمل لـ’انهيار المناعة’ لدى السكان كأفراد والبلدات كمجتمعات. وذلك في أعقاب ما يسمونها بـ’حرب استنزاف متواصلة’. وتشدد هذه الشكاوى على أن الخوف والشعور بانعدام اليقين عادا ليسودا في قسم من البلدات وفي إثر ذلك يُسمع كلام حول المغادرة، خاصة بين عائلات مع أولاد، وتراجع حجم المعنيين بالاستيطان في هذه المنطقة، وأن مراكز المناعة غير قادرة على الصمود أمام ضغوط المتوجهين إليهم، وبالأساس أنه لا أمل بتهدئة، تسوية أو اتفاق سياسي طويل الأمد بين إسرائيل وحماس، يسمح بحياة عادية وطبيعية. و’الإسفنج مليء’ هي عبارة سائدة بين سكان ’غلاف غزة’ الذين يشكون من وضعهم”.
وأشارت الدراسة إلى أن مؤسسات – مثل طواقم طوارئ، مراكز مناعة، غرف حربية، فرق مسلحة، طواقم إخماد حرائق، اتصال مباشر مع الفرقة العسكرية اللوائية التابعة للجيش الإسرائيلي – كانت تعمل “على أفضل وجه”، في السنوات الماضية. وكان سكان هذه المنطقة يخرجون منها أثناء فترات التهدئة ثم يعودون إليها. وخلال السنة الماضية ارتفع عدد السكان الذين انتقلوا للسكان في جنوب البلاد ببضعة آلاف معدودة، ولا توجد مؤشرات على تباطؤ اقتصادي في العقد الأخير.
رغم ذلك، تساءلت الدراسة حول ما إذا كان استمرار “جولات التصعيد” لفترة طويلة سيمس في المستقبل في المناعة الوظيفية في “غلاف غزة”. ورأت الدراسة أنه “لا توجد إجابة واضحة على هذا السؤال. ورغم ذلك، فإنه على خلفية تجارب الماضي، في إسرائيل والعالم، في مواجهة تشويشات تسببها الطبيعة والإنسان، ليس مستبعدا أن تسكن الظاهرتان – المواقف العصبية لدى السكان والمناعة الاجتماعية المرتفعة – إلى جانب بعضهما. وذلك بحال توفر شرطين في الحالة الإسرائيلية: الأول، وهو متوفر، هو إذا تمكنت القيادات المحلية من توفير مستوى عال من الخدمات الأساسية، وبضمنها رد معقول في مواجهة التشويشات، وبناء وغرس ’شعور بأننا معا’، وميزات المجتمع والانتماء إلى المكان؛ والثاني، وهو ليس متوفرا، إذا كانت الحكومة ستوفر أملا بإمكانية حل دائم، من شأنه أن يمنع، أو للأسف يقلص كثيرا، التشويشات الأمنية المتكررة في المنطقة. وفي هذه الأثناء، تنثر الحكومة ضبابية بكل ما يتعلق بسياستها مقابل حماس وتمتنع عن الكشف أمام الجمهور مفهوما بشأن حل مستقبلي للتشويشات المتواصلة. والدمج بين غياب حل لتهديد متواصل من غزة وبين الضبابية حيال علاقات مع حماس تؤدي إلى نشوء فراغ يمس بالمناعة الاجتماعية في ’غلاف غزة’، وبقاءه يشكل مصلحة قومية إسرائيلية من الدرجة الأولى”.
لمصدر/ عرب48