يديعوت أحرونوت/ إيتامار إيشنر، وإليور ليفي، وسمادار بيري
لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا بعد مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة (51 عامًا) وهي واحدة من أكثر الوجوه المألوفة لشبكة الجزيرة في “الكيان”، حتى أدركت أن هذه ليست حادثة إطلاق نار أخرى بين قوات “الجيش الإسرائيلي” والفلسطينيين في جنين.
كانت هذه هي المرة الأولى منذ ثلاثة أسابيع التي تدخل فيها قوات “الجيش الإسرائيلي” معقل المنظمات في شمال الضفة الغربية.
أصبحت وفاة أبو عاقلة، التي أصيبت برصاصة خلال تبادل لإطلاق النار، وإصابة الجزء العلوي من جسدها وتوفيت متأثرة بجراحها بعد نقلها إلى مستشفى محلي، إحدى القصص اليومية في العالم العربي، وأثارت تعاطفًا دوليًا واسع النطاق، على شبكة التلفزيون الفضائية، اتهمت “إسرائيل” على الفور بإطلاق النار عليها من قبل جنود من “الجيش الإسرائيلي”، في حين زعم رئيس الأركان “أفيف كوخافي”: “على عكس الفلسطينيين، جنود “الجيش الإسرائيلي” ينفذون إطلاق نار احترافي وانتقائي، والمراسلة التي قُتلت في موقع المعركة، في هذه المرحلة لا يمكن تحديد السلاح الناري الذي أصابها، ونحن نأسف لموتها”.
لقد بذلت “إسرائيل” كل ما في وسعها لتقليل الأضرار الإعلامية -صورة الكيان التي أعقبت مقتل أبو عاقلة-، لكن لا أحد في “إسرائيل” يخدع نفسه، لقد تم بالفعل تدمير الصورة، حتى لو لم يتضح مطلقًا من قتلها حقًا، وقال مصدر “إسرائيلي” رفيع المستوى أمس: “تمكنَّا من تقليل الضرر ومنع حدوث أضرار سياسية كبيرة، من الواضح أنها ليست قصة جيدة، لكن هذه المرة استجبنا بسرعة وبشكل جيد، وقد تم بالفعل اتخاذ عدة إجراءات، تحدث وزير الخارجية “يائير لبيد” مع وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ وعرض عليه إجراء تحقيق مرضٍ مشترك”.
“انتقام سياسي”: المتهم بالتحرش الجنسي بسارة نتنياهو يرد على الاتهامات
هارتس : المعلومات المسربة من “شيربيت” الاسرائيلية تهدد حياة عاملين بأجهزة سرية
يعتبر هذا الاقتراح غير مقبول، لأنها (شيرين ابو عاقلة) مقيمة في “إسرائيل” (بيت حنينا في القدس المحتلة)، ولكن على المستوى السياسي أوضحوا أنَّ هذا أيضًا حدثٌ غير عادي، لأن أبو عاقلة كانت تحمل جنسيات أخرى، بما في ذلك الجنسية الأمريكية، وفي الوقت نفسه، أجرى “لابيد” حوارًا مع الأمريكيين، وطلب منهم إقناع الفلسطينيين بالموافقة على تشريح جثة الصحفية، وأبدت “إسرائيل” في هذه الاتصالات استعدادها لحضور جهة دولية مستقلة عند تشريح الجثة.
كما أُجْرِيت اتصالات مع الفلسطينيين لنقل الرصاصة التي أطلقت باتجاههم لإخضاعها للفحوصات البالستية “الإسرائيلية” بوساطة وتحت ضغط أمريكي، وهي رصاصة من عيار 5،56 ملم يستخدمها كل من الجيش الإسرائيلي والمسلحون الفلسطينيون، ويمكن للاختبار الباليستي أن يحدد بالضبط السلاح الذي أطلقت منه الرصاصة.
وقال مصدر أمني رفيع يوم أمس: (إن “إسرائيل والجيش الإسرائيلي” يعتبران أهمية لتوضيح ظروف مقتل الصحفية بشكل شامل والوصول إلى الحقيقة، وفي هذا السياق تقدم (منسق العمليات الحكومية) في الضفة الغربية لاستلام الرصاصة التي عثر عليها في جسد الصحفية، بهدف إجراء فحص شرعي من قبل (شرطة التحقيق العسكرية)”.
وأضاف: “من باب الشفافية والانفتاح عرضت “إسرائيل” على ممثل السلطة الفلسطينية، وممثل أميركي ان يكونا حاضريْن في عملية الفحص الجنائي للرصاصة”.
في غضون ذلك، بدأت السلطة الفلسطينية بالفعل في استغلال مقتل الصحفية لمهاجمة “إسرائيل”، وعلى غير العادة ستقام جنازة أبو عاقلة اليوم في المقاطعة برام الله بمشاركة أبو مازن والقيادة الفلسطينية، ومن المقرر أن يكون الحفل عسكريًا ورسميًا.
وتجدر الإشارة إلى أن قناة الجزيرة، حيث عملت أبو عاقلة، مكروهة بشكل خاص من قبل القيادة في رام الله، بسبب الخط الحرج الذي أظهرته على مر السنين ضد السلطة الفلسطينية وعلاقاتها مع “إسرائيل”، وأدى مقتل أبو عاقلة إلى تضامن شامل بين جميع الفصائل الفلسطينية، وصرحوا بإدانات متطابقة تقريبا ضد “إسرائيل”، من فتح إلى حماس والجهاد الإسلامي.
وتم تشريح جثة أبو عاقلة أمس للوقوف على ملابسات وفاتها في معهد الطب العدلي بجامعة النجاح بنابلس، وقال الدكتور ريان العلي -أخصائي علم التشريح الفلسطيني-: “في نهاية الإجراء إنه لم يكن من الممكن بعد التأكد على وجه اليقين ما إذا كانت قد أصيبت برصاص قوة من “الجيش الإسرائيلي” أو مسلحين فلسطينيين”، ونقل جثمانها فيما بعد من نابلس إلى رام الله، وتم إحضارها في موكب عبر الشوارع إلى مقر شبكة الجزيرة في المدينة، وبعد مراسم الدفن اليوم في المقاطعة، ستنقل الجثة إلى القدس الشرقية، إلى (مستشفى القديس يوسف) في حي الشيخ جراح، ستدفن أبو عاقلة غدا في المقبرة المسيحية عند باب يافا حيث دُفن والداها.
حادثة وفاتها تذكرنا بحادثة مقتل الصبي محمد الدرة في بداية الانتفاضة الثانية، حدث له تأثير على مستوى الوعي كبير، وأصبح رمزًا فقط بعد وفاته، أما شيرين أبو عاقلة كانت رمزًا في حياتها.
تم تحديد الخسارة الإعلامية لوفاة المراسلة إلى حد كبير في الدقائق الخمس الأولى بعد الحادث، عندما حددت شبكة الجزيرة (دون أي دليل) أنها قُتلت بنيران “إسرائيلية”، وقد تم تبني هذه الرواية على الفور من قبل جميع وسائل الإعلام العربية والفلسطينية، لجنة التحقيق التي شكلها “الجيش الإسرائيلي” لفحص الحادث لن تغير بعد الآن أي شيء في الحملة الدعائية، بغض النظر عما إذا وجدت أن أبو عاقلة قُتلت على يد جنود “الجيش الإسرائيلي” أو بنيران فلسطينية في مخيم جنين لللاجئين.
بعد نصف ساعة من تلقي بلاغ عن مقتلها، عقد نظام المعلومات الوطني (مكتب الإعلام الحكومي) مكالمة هاتفية بسبب إدراك أن هذا حدثا معقدا للغاية، في غضون فترة وجيزة، أرسل نظام المعلومات الوطني بالفعل رسائل إلى وزراء الحكومة وجميع الأطراف المعنية مع شريط فيديو من ميدان الحدث.
وفي الكنيست، قال رئيس الوزراء “بينت”: “حسب المعطيات الأولية المتوفرة لدينا، هناك فرصة جيدة أن تكون الصحفية تعرضت للأذى من قبل الفلسطينيين المسلحين، ولكن من أجل الوصول إلى الحقيقة، نحتاج إلى إجراء تحقيق حقيقي، والفلسطينيون في هذه المرحلة يمنعون ذلك”.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “نيد برايس”: “إن الولايات المتحدة أدانت بشدة مقتل الصحفية وطالبت بـ (تحقيق فوري وشامل) في نهايته ستتم محاكمة المسؤولين”.
أعلنت وزارة الخارجية: “أنها على ثقة من أن “إسرائيل” ستكون قادرة على التحقيق في الحادث بعمق وشمول”، كما نددت الخارجية القطرية بوفاة صحفية تعمل لصالح شبكة مملوكة للمملكة: “مقتل أبو عاقلة وإصابة الصحفي علي السمودي جريمة بشعة”.
فيما ندد المتحدثون باسم وزارة الخارجية في القاهرة وعمان بظروف “القتل غير اللائق”، لكنهم لم يتعجلوا في تحميل “إسرائيل” المسؤولية.
المصدر/ الهدهد