هآرتس/ هليل كوهين
الكاتب بروفسور و رئيس قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية، وهذه المقالة هي جزء من بحثه الذي يحمل عنوان: “الحوار اليهودي- العربي من عصر الحاخام سعادية غاؤون وحتى عصر الفيسبوك”
أنشأ الشاباك “الإسرائيلي “في صيف عام 2016، صفحة فيسبوك بالعربية بعنوان “بدنا نعيش، كان العنوان مراوغا للغاية، وذلك لأن الفلسطينيون سكان الأراضي المحتلة يستخدمون هذه العبارة للتعبير عن سأمهم من الصراع المستمر مع “إسرائيل” ، وعن رغبتهم إعالة أسرهم فقط، كانت هذه رسالة مهمة للفلسطينيين من على صفحة الفيسبوك الخاصة بالشاباك مفادها التالي: يجدر بكم، أنتم أيها الفلسطينيين، الانشغال بتحسين مستوى معيشتكم، بدلًا من الانشغال بالسياسة، بعد مرور حوالي سنتين على إنشاء هذه الصفحة، انضم إلى نشاطها ضباط شاباك ميدانيون- من قطاع غزة في الجنوب وحتى منطقة جنين في الشمال- وأنشأوا صفحات خاصة بهم، باشر الشاباك في الأشهر الأخيرة بنشاط علني بل وملفت للأنظار أيضًا من على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث قام نحو ما يقارب الـ 30 ضابط من جهاز الشاباك برفع مئات المنشورات من على صفحاتهم، وحظوا بمتابعة وتعقيب آلاف الفلسطينيين،
تهدف صفحات الفيسبوك هذه على المستوى العملي، إلى تحييد المقاومة الفلسطينية العنيفة، ولكن لديها هدف آخر هام: تغيير وعي الفلسطينيين حيال واقع الضفة الغربية السياسي وحيال “إسرائيل” بشكل عام، والأهم من ذلك، شرعنة الحكم العسكري “الإسرائيلي “والاستيطان في الأراضي المحتلة، يعتمد هذا النشاط على خلق عالم فيسبوكي وهمي، خال من الاحتلال ، يعيش فيه الفلسطينيون والإسرائيليون في الضفة الغربية بسلام ومساواة ويعمل فيه الشاباك من أجل مصلحة اليهود والفلسطينيين على حد سواء، يتم من خلال هذا الواقع الافتراضي تصوير مقاومة الحكم العسكري الإسرائيلي، على أنّها مقاومة للسلام والتقدّم اللذين تحملهما “إسرائيل” في جعبتها، وعليه فإن الضلوع بها سيضرّ كل مشتركيها
تُدعى هذه السيرورات باللغة المهنية “حملات تغيير وَعوي” (أقام الجيش “الإسرائيلي “أيضًا مركزًا لحملات تغيير وَعوي)، يشارك في بلورتها أخصائيون نفسيون، خبراء تسويق، مختصون من مجال الدراسات الشرق أوسطية وأفراد من جهاز المخابرات، إن السبب الرئيسي الكامن وراء تميّز هذه الصفحات التي يديرها ضباط الشاباك، هي معرفتهم العميقة بالميدان وبالأطراف الفاعلة فيه، فها هم، يشيرون من خلال منشوراتهم إلى أنّهم مقرّبون من التجمعات السكانية الخاضعة لإشرافهم، ويكتبون بنبرة “الأخ الأكبر” نبرة ودية ولكنها صارمة بذات الوقت تعتمد توجها استعلائياً، يقوم ضباط الشاباك- الذين يتحكمون بمصائر سكان الأراضي المحتلة- بتعليم، تثقيف، عرض حقائق بل وتفسيرها للفلسطينيين، كما ويقومون بتحذيرهم من ارتكاب حماقات، فتراهم تارة يهددون، وأخرى يتوعدون، يذكّرونهم أنهم يهتمون بمصلحتهم، ويسخرون من الفلسطينيين الذين يشاركون في المقاومة المسلّحة.
إليكم مثالا حدث بالآونة الأخيرة: أطلق في شهر حزيران الأخير، أفراد حرس الحدود عند حاجز الكونتينر شرقي القدس النار على أحمد مصطفى عريقات الفلسطيني البالغ من العمر السابعة والعشرين من عمره من أبو ديس، عقب محاولته بحسب رواية الجنود دهسهم، وأردوه قتيلًا، اختلفت المصادر الإسرائيلية والفلسطينية فيما بينهما حول صحة رواية الجنود وتعمد عريقات دهسهم، مال الفلسطينيون إلى إلغاء احتمال استهداف الجنود الإسرائيليين، لأنّ عريقات كان في طريقه لمرافقة والدته إلى حفل زفاف شقيقته، بالمقابل، ادعت عناصر أمنية بأنّها محاولة دهس واضحة، انضم إلى هذا الجدل العقيم رجل الشاباك المسؤول عن أبو ديس والمنطقة، والمدعو كابتن فادي، الذي كتب من على صفحته الرسمية على فيسبوك ما يلي: “هذه ليست بطولة/ هذه ليست تضحية من أجل الله/ هذه مجرد عملية انتحارية/ في يوم زفاف شقيقته/ الانتحاري أحمد عريقات”، كان الهدف من وراء هذه الادعاءات واضحا جدًا، منع أي احتجاجات عنيفة فاطلاق لقب شهيد على عريقات كان سيقود إلى مواجهات عنيفة، أرفق كابتن فادي لمنشوره فيديو يظهر فيه عريقات مقدما اعتذاره لأبناء عائلته.
وأثار تحميل هذا الفيديو على صفحة الفيسبوك ردود أفعال حادة من قِبل الفلسطينيين، بحيث صرّح معظمهم بأنّهم يعتبرون عريقات شهيد الوطن، خلافًا لأقوال ضابط الشاباك، وسخروا من محاولة شخص “إسرائيلي” تحديد معيار الشهادة، قال آخرون أنّ عريقات حُرم من تلقي العلاج ونزف حتى الموت، بينما هاجم آخرون كابتن فادي لأنّه أخذ هاتف عريقات، واستخدمه لأغراض دعائية.
هذا جانب مهم جدًا لنشاط الشاباك من على صفحات الفيسبوك، فهو يتيح للفلسطينيين الرد على ادعاءات الضباط، الأمر الذي يصعب فعله في مرافق التحقيقات أو في مكاتب الشاباك الواقعة في قواعده العسكرية بالأراضي المحتلة، ولكن لفهم الظاهرة بشكل أفضل، يفضّل البدء بطريقة تقديم الضباط لأنفسهم عبر صفحات الفيسبوك.
الصورة والصورة المعاكسة
صور الخلفية التي ينشرها ضباط الشاباك على صفحاتهم، مفاجئة للغاية، حيث نرى في العديد منها صورا لشراكة فلسطينية- إسرائيلية متكافئة، تتصافح فيها كف يد بألوان علم فلسطين مع أخرى بألوان علم “إسرائيل” ، إسرائيلي وفلسطيني متقاربان وعلم “إسرائيل” وعلم فلسطين يتمازجان،
ترافق هذه الصور كلمات ونصوص بنفس الروح، تعكس الأخوة والشراكة، بالرغم من انقطاع هذه الصور عن الواقع، ببساطة لأن جهاز الشاباك لا يؤمن حقًا بالمساواة الإسرائيلية- الفلسطينية في الأراضي المحتلة- إلّا إنّها ليست مجرد خدعة علاقات عامة، فهذه استراتيجية تعود جذورها إلى الادّعاء الصهيوني المترسّخ والذي ورد في كتاب هرتسل “الأرض القديمة- الجديدة”، حيث قال المدعو: وجهتنا نحو السلام، سيجلب حضورنا هنا البركة للعرب، إن مقاومة الصهيونية تعني مقاومة الأخلاقيات والتقدم، عليَّ أن أعترف أن، إسرائيليين كُثر يؤمنون بهذه المقولة.
أما النوع الآخر من الصور فقد شمل مشاهدا طبيعية كالبلدات الخاضعة لإشراف ضباط الشاباك، أو صورا رمزيّة لمناظر فلسطينية تُحرك الحنين، تُحرك هذه الصور مشاعر الانتماء، القرب، كأن لسان حالها يقول إنّها قريتنا جميعًا، إنّها التلال وكروم الزيتون التي نعرفها ونحبها كلنا، ففي صفحة كابتن فادي مثلا، تظهر صورة لطريق ريفية ملتوية، منازل حجرية قديمة، نوافذ مع أقواس، سيدة فلسطينية مسنة بملابس تقليدية تسير على الطريق، مشهد ريفي بامتياز مشجع للسكينة.
تظهر إلى جانب الصورة تفاصيل التواصل بضباط الشاباك – الماسنجر وأرقام الهواتف التي هدفها نقل المعلومات، ولكن أيضًا منح الراغبين بالاتصال الشعور بأن هناك من يسمعهم ويكترث لأمرهم، يكتفي بعض ضباط الشاباك بذكر سُبل الاتصال، يضيف آخرون بضع جمل تحثُ سكان المنطقة على التوجّه إليهم لأي غرض كان
ولا تنعكس رسالة “نحن هنا من أجلكم” من خلال صور خلفيات الفيسبوك فحسب، إنّما أيضًا من خلال جزء كبير من المنشورات، فقد منح تفشي وباء كورونا في ربيع 2020 ضباط الشاباك فرصة أخرى لتقديم أنفسهم كناشطين هَمهم المصلحة العامة، وتقديم واقع عام 2020 على أنّه نضال إسرائيلي-فلسطيني ضد عدو مشترك، شدد العديد من ضباط الشاباك بالإضافة إلى نشر التوجيهات بخصوص الوقاية من الإصابة، أنّ الوباء يصيب الجميع دون استثناء وأنّ العالم العربي و”إسرائيل” يبذلان جهودًا مشتركة من أجل سلامة جميع سكان الشرق الأوسط كله
عن أيّ تعايش يتحدثون؟
يصعب قياس مدى نجاعة محاولات تصوير الشاباك كجهاز إيجابي، يعمل لمصلحة الفلسطينيين، إنّ صور الأخوة والمصالحة ليست الصور الفورية والأولى التي تخطر ببال الفلسطيني عند سماعه كلمة شاباك، حيث سيتذكر البعض مباشرة مرافق التحقيقات، أساليب الضغط التي مورست عليهم، الاعتقالات، حملات تفتيش بيوتهم أو محاولات تجنيدهم ” كجواسيس” بواسطة الضغط عليهم وإغرائهم بشتى الطرق، برأيي، قد يكون هذا سبب كثرة ردود الأفعال العدائية والتعقيبات الساخرة من قبل الفلسطينيين على هذه الصفحات،
يصعب غالبًا معرفة مصدر التعليقات الحقيقي، بسبب تمازج الجهات الاستخباراتية والحكومية العميق داخل شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تجنّد الجهات الاستخباراتية أفرادًا بهويات مختلفة موكلة إليهم مهمات التعقيب أو وضع “اللايكات” بشكل مكثف بهدف الترويج للصفحة، لا توجد طريقة لتتبع هوية الأشخاص الذين يتركون تعليقاتهم الحقيقية، لكن الاهتمام بالتعليقات نابع بالأساس من حقيقية نشرها ومن الجدل الذي تثيره، كيف يعلق المتصفحون الفلسطينيون (الحقيقيون والوهميون) إذن على تصريحات الأخوة والسلام التي ينشرها ضباط الشاباك؟
إحدى التعليقات الأساسية والمتكررة، هي الردّ بمد يد للسلام، على سبيل المثال، علقت إحدى المتصفحات على منشور كابتن أمين، ضابط الشاباك في البلدة القديمة في القدس، بقولها: “الإسلام أيضًا يدعو للسلام”، وكتب متصفح آخر: “هذا ما يجب فعله”، كتب كابتن إيلي، المسؤول عن نشاط الشاباك في العيسوية في تاريخ 22 آذار 2020، في أوج موجة اعتقالات القاصرين في البلدة: “نعم للسلام وللحياة في ظل المساواة”، وعلق أحدهم “سلام يا صاحبي”، عقب ثانٍ بـ “أهلا وسهلًا” وعقب ثالث “بكل سرور”.
ولكن هذه التعليقات ليست سائدة، وكثيرًا ما تقابل بتعليقات مضادة، اختار كابتن أديب، ضابط الشاباك في الخليل، صورة خلفية لكفين فلسطيني وإسرائيلي يتصافحان، تلقى طالب شاب من جامعة القدس هذه الصورة بمعناها الحرفي وتمنّى في تعليقه أنّ يعمّ السلام على جميع سكان هذه البلاد، ردّ عليه شاب آخر أكثر اطّلاعًا على صفحات الشاباك معلقا : “عن أي سلام تتحدث يا صديقي، لا يمكن للسلام أن يتحقق في هذه البلاد طالما ظلوا هنا”، وردّ معلق آخر بالجملة الشهيرة: “النصر قريب، إن شاء الله”.
في الواقع، عبارات مناهضة “إسرائيل” أو الاحتلال ( فالتمييز بينهما يكاد يكون مستحيلًا) أكثر شيوعًا، بالإضافة إلى الشتائم الموجّهة لضباط الشاباك، لأمهاتهم، نسائهم وشقيقاتهم،
نلاحظ أحيانا رغبة بعض المعلقين الفلسطينيين الاندماج في حوار حقيقي، فمثلا كتب أحد المعلقين الذي يعرّف نفسه بالمقدسي، لضابط الشاباك في العيسوية: “ليباركك الرب أخي كابتن إيلي، ستكون أول اليهود المدعوين إليّ لتناول لحم الضأن وورق العنب، إذا ابتعدتم عن المسجد الأقصى وألغيتم القوانين ضد الفلسطينيين”، وكتب معلق آخر ردًا على إنشاء صفحة كابتن حسام ضابط الشاباك في منطقة (رام الله ومخيم قلنديا)، التي ظهرت في خلفيتها صورة كفين وكُتب عليها “تعايش- حياة مشتركة” التالي: “عن أي تعايش تتحدثون وأنتم تحتلون أرضنا، تقتلون الأطفال والمسنين والنساء، تؤذون الناس وتمنعونهم من ممارسة حياتهم العادية”.
لمَ سنرغب بالعمل لديكم؟
إحدى صلاحيات الشاباك الرئيسية والتي تؤثر على حياة الفلسطينيين اليومية في الأراضي المحتلة بشكل مباشر هي منح تصاريح دخول إلى “إسرائيل” ، أو حظرها، بات دخول الفلسطينيين إلى “إسرائيل” منذ التسعينات مشروطًا باستصدار تصاريح من قبل الجهات الأمنية، وعليه يُعرض مخالفو التعليمات أنفسهم للسجن أو لدفع غرامات إذا ما دخلوا دون تصاريح، تدفع معدلات البطالة المرتفعة في الأراضي المحتلة وأجور العمل المرتفعة في “إسرائيل” بالعديد من الفلسطينيين إلى البحث عن عمل في “إسرائيل” ، لكن وكي يعملوا بشكل منظّم، يحتاجون إلى مصادقة جهاز الشاباك، ولكن من ناحية أخرى، وعلى مدار سنوات طويلة، حظر الشاباك دخول عشرات آلاف الفلسطينيين إلى “إسرائيل” ، تحديدًا أولئك الذين شاركوا بشكل أو بآخر في المقاومة المسلّحة، كما وحظر دخول أفراد عائلاتهم، أقربائهم، وحتى أفراد عائلات أشخاص فلسطينيين قُتلوا على يد “إسرائيل” ، جاء حظر دخول هذه الفئات تحت ذريعة أمنية تمحورت بالتخوف من نيتهم الانتقام لمقتل أحبائهم أو تنفيذ عمليات في “إسرائيل” ، أدرجت هذه التعليمات آلاف بل عشرات آلاف الفلسطينيين في قائمة “إسرائيل” السوداء، رغم عدم ضلوعهم في أي نشاط سياسي أو عسكري، يلغي الشاباك بين الحين والآخر بعض الإجراءات الأمنية عن سكان بعض المناطق، لعدة أسباب أحدها حسب التحليل “الإسرائيلي “أن تحسّن الحالة الاقتصادية يقلل من الأعباء التي تثقل كاهل الفلسطينيين، بل وتدفع بهم للاعتراض على سلوكيات أفراد عائلاتهم العنيفة (كي لا تُلغى تصاريح دخولهم للعمل في “إسرائيل” )
إليكم مثالا على ذلك، أعلن الشاباك في تشرين الأول عام 2017، من خلال صفحة “بدنا نعيش” أنّ كابتن حسام سينظّم أيامًا محددة لإزالة الحظر الأمني عن سكان رام الله، وجاء على لسانه التالي: ” أتوجّه إليكم بشكل مباشر وذلك للأهمية القصوى التي أوليها لموضوع تحسين أوضاعكم المعيشية في المنطقة…سأفعل كل ما بوسعي للوقوف إلى جانبكم من أجل تحسين ظروفكم المعيشية، سأنظر مليًا في جميع الطلبات، استعدادا لقبول أكبر عدد ممكن منها”.
أسفرت حاجة الفلسطينيين الملحة لتصاريح دخول إلى “إسرائيل” ، عن تجاوب واسع شمل مئات التعليقات الكلامية وغير الكلامية، كانت بعض التعليقات موضوعية، غير مسيّسة، قبلت صلاحيات الشاباك مضطرة، كتبها على ما يبدو أشخاص معنيين بالحصول على تصاريح عمل، بينما تمحورت تعليقات عديدة أخرى حول الخوف من أن تستهدف هذه اللقاءات فلسطينيين من أجل تجنيدهم كعملاء في صفوف الشاباك “، حيث كتب أحد المعلقين : ” سيجد كل من يذهب نفسه في موقف يلزمه بالمساومة على كرامته، علينا الامتناع عن الذهاب”، وكتب آخر بنبرة غاضبة: “لمَ سنرغب في العمل عندهم؟ فليعملوا هم عندنا في تنظيف المراحيض”،
يستخدم الشاباك الفيسبوك أيضًا كمنصة لتجنيد العملاء” متعاونين”، بل ويتوجه بشكل واضح طالبا الحصول على معلومات، سواء من خلال دعوة عامة، أو من خلال طلب معلومات عينية عقب عملية معينة، كان هذا أحد المواضيع الرئيسية التي طُرحت من خلال صفحة “بدنا نعيش” في بداية طريقها، حيث حملت إحدى صور الصفحة عنوان: “شاركنا بالمعلومات، وستكون المستفيد”، وظهر في ناحية الصورة اليسرى عميلا مخابرات بهيئة هوليوودية قديمة أما في اليمنى فظهرت حفنة دولارات ترمز إلى مردود التعاون المادي المتوقع، بالإضافة إلى يد مصافحة– دلالة على الحصانة والوقاية التي سيتم منحها للعملاء من قِبل دولة “إسرائيل” وضباط الشاباك، وظهر منشور آخر، يدعو بكل وضوح وباللغة الإنجليزية للانضمام للشاباك: “انضموا إلينا لمحاربة الإرهاب”.
يقوم الشاباك بنشر صور وأسماء منفّذي العمليات (من كاميرات المراقبة أو من مصادر أخرى) طبعا في حال كان يعرف هوية المنفذين، على أمل أن يقوم أحد بتزويدهم بمعلومات عن الحادثة، فعلى سبيل المثال نشر الشاباك على صفحة “بدنا نعيش” في 11 من كانون الثاني عام 2018 وفي أعقاب عملية إطلاق النار عند حاجز الأنفاق، الذي يمر عبره الإسرائيليون المتجهون من كريات أربع وغوش عتصيون إلى القدس (ممر لا يسُمح للفلسطينيين سكان الأراضي المحتلة بالمرور عبره) المنشور التالي: ” كان هدف إطلاق النار باتجاه حاجز الأنفاق، زعزعة أمن المنطقة وجميع السكان، يهودا وفلسطينيين على حد سواء، نقوم ببذل قصارى جهدنا للحفاظ على الهدوء اليومي في المنطقة برمتها، تؤثّر حادثة من هذا النوع سلبًا على الجميع”، شمل المنشور صورة لمنفذ العملية والتي أخذت من توثيق كامرة المراقبة، بالإضافة إلى وعود بمكافئة مالية لمقدمي معلومات ذات صلة.
تدمج صيغة التوجّه هذه بين صورة الشاباك كجسم يحافظ على أمن جميع سكان الأراضي المحتلة بشكل متساوٍ (تصوّر يعترض عليه معظم المعلقين) وبين تصور المعلقين المُشكك بترويج فكرة عيش الإسرائيليين والفلسطينيين بسلام في الضفة الغربية بالذات على ضوء اتهام الفلسطينيين الدائم بتشويش هذا التناغم، هذا هو أيضًا التصوّر الذي يستند إليه الشاباك عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على الهدوء، نُشر هذا التوجه في أيلول عام 2016 وجاء فيه: “لا بد أنّكم لحظتم تصعيدا في العمليات العدائية في الآونة الأخيرة، لا تعود هذه العمليات بالفائدة على أحد، بل تضر بمنفّذيها، بعائلاتهم وبجميع سكان المنطقة، لذلك، أتوجّه إليكم طالبا مساعدتكم بهذا الشأن، ليتمكن الجميع من العيش بهدوء وسلام”، يختتم المنشور توجهه للفلسطينيين، طالبا التبليغ عن عمليات مماثلة أو تقديم معلومات عن عمليات مستقبلية، ويعد بمقابل مادي لكل من يمد يد العون، أرفق ضباط الشاباك المنشور بطلب تعاون مُلح لإيجاد عاصم برغوثي، ناشط في صفوف حماس ومتهم بالتورط في عمليات قرب عوفرا وجفعات آساف في كانون الأول 2018، شمل المنشور صورته الشخصية، وشدد الشاباك على أنّ البرغوثي: “سعى لهدم نسيج العلاقات اليومي والحساس بين الفلسطينيين واليهود في الضفة الغربية”.
كما هو معلوم لن يكتب الراغبون بمد يد العون للجهات الأمنية الإسرائيلية في حربها ضد المنظّمات الفلسطينية، تعليقا علنيا على فيسبوك، كتب طاقم الشاباك بعد اعتقال عاصم برغوثي: “شكرًا لجميع الأشخاص الكِرام الذين ساعدونا” وذلك لبث رسالة (حقيقية؟ كاذبة؟) مفادها بأنّ المعلومات التي قادت للبرغوثي جاءت على أثر التوجه من على صفحة الفيسبوك، لم تكن التعليقات مفاجئة: “اللعنة على الكلب الذي ساعدكم”، “سيأتي قريبًا أكثر من آلف عاصم وصالح لينتهكوا كرامتكم أيها الأنذال، انتظروا المفاجئات” و “كل من ساعدكم هو خائن وعميل”،
اللغة العربية، الإسلام والتقاليد
أنوه، إلى أن صفحات الفيسبوك هذه مزيّنة بصور إسلامية، آيات قرآنية، أمثال وجمل شعرية بالعربية، فهدفها خلق انطباع بأنّ ضباط الشاباك مطّلعون على الثقافة العربية والإسلامية، يحترمون التقاليد، ويشكلون إلى حد ماء جزءًا من النسيج الاجتماعي المحلي، يعقب القرّاء الفلسطينيون الذين يدخلون إلى صفحات الشاباك على ذلك بطرق مختلفة، بعضهم لا يعي بالضبط إلى أي صفحة فيسبوك وصل، خاصة في صفحة “بدنا نعيش” التي لا تُعرّف نفسها كصفحة تابعة للشاباك، ويتساءلون: ” أأنتم عرب”؟ أو ” أأنتم مسلمون”؟ وما إلى ذلك، بالمقابل يعرف معلقون آخرون أنّ جهاز المخابرات “الإسرائيلي “يقف وراء هذه الصفحات، وعليه فهم يستغلون الأخطاء النحوية واللغوية للاستهزاء بطاقم الشاباك الذي يكتب منشورات الصفحة، فمثلا كتب معلق فلسطيني من منطقة بيت لحم لكابتن بشير، الذي أخطأ في كتابة أسماء قرى تقع في منطقته: “أرسل لي منشوراتك قبل نشرها لأراجعها لك”.
تتكرر الآيات القرآنية التي يقتبسها ضباط الشاباك كثيرًا، وتحمل رسائل ملائمة لتوجّه ونهج الشاباك، إحدى الآيات الأكثر شيوعًا “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة” (سورة البقرة، 195) المقتبسة كتوصية للامتناع عن عمليات مناهضة الاحتلال أو “إسرائيل” ، وتحث على عدم إيذاء النفس (ويشدد الضباط على أنّ نهاية الأذى هي الموت، الاعتقال أو هدم منزل العائلة)، أضيف إلى هذه الآية في فترة الكورونا بعدٌ آخر، ألا وهو اتباع وسائل الحذر والوقاية من الوباء، تم اقتباس هذه الإضافة فيما بعد، من قبل عناصر الشاباك بهدف إظهار اهتمامهم بمصلحة جميع السكان.
نشر التهاني لمناسبة الأعياد وحلول شهر رمضان هو أمر شائع أيضا، لدى الشركات التجارية ولدى ضباط الشاباك، فقد نشر كابتن أديب مثلًا وعلى غرار العديدين من زملائه، من ضباط شاباك منطقة الخليل، تهاني وتبريكات بحلول شهر رمضان مرفقا إياها بصورة هلال يكتنف المسجد في مكة، وكتب فوقه “شهر التوبة والمغفرة”، تلقى ردًا واحدًا وجافًا: “رمضان لنا وليس لكم”، وردًا على التهنئة التقليدية التي كتبها “كل عام وأنتم بخير”، رد عليه أهالي الخليل: “إن شاء الله سنكون بخير، ابتعدوا عنا فقط”
أيّ بطل هذا الذي يقتل طفلًا؟
إحدى الأدوات المتبعة في الحرب النفسية هي التشهير بنشطاء حماس أو منظّمات أخرى- سواء كانت هذه حقيقة أم ادعاء، فقد أصدر الشاباك في صيف 2019 عبر صفحته منشورًا عن ناشط حماس خليلي يسكن في غزة متهما إياه بالتحرش الجنسي بالأطفال، لا نملك طبعا طريقة لمعرفة صحة هذه المعلومات، ولكنها تتماشى جيدًا مع ادعاءات الشاباك بأنّ نشطاء حماس منحطون أخلاقيًا، أضاف الشاباك للصورة هاشتاغ: “هذا ليس خليليًا”، أيّ أنّه يجلب العار لسكان الخليل، من خلال هذا المنشور قدم الكاتب نفسه على أنّه مندوب عن أهالي الخليل وهو أمر شائع جدا، حيث يتحدث عناصر الشاباك عن الواقع الفلسطيني بضمير المتكلم الجمع (ويتلقون ردودًا تؤكد ذلك)، كانت معظم التعليقات على هذا المنشور، ساخرة “تجنّب الوقوف أمامه إذا كنت قلقًا””، قال أحدهم، وتابع الآخرون التعليق بنفس النمط،
محاولة أخرى لزعزعة شرعية القيادة الفلسطينية هي الادعاء أنّ رجال حماس- خاصة في غزة- يستعلون الشبان في الضفة الغربية لأغراضهم السياسية، يستند هذا الادعاء إلى إنكار فرضية انضمام الشبان إلى صفوف حماس بسبب دوافع دينية أو وطنية، وإنما بسبب وجود جهة خارجية تتلاعب بعقولهم، إنه نفس توجه عناصر الشاباك للقيادة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، رغم تعاونها معه لمحاربة حماس، فمثلا عقب مبادرة السلطة الفلسطينية في 28 كانون الثاني 2020 للاحتجاج على مخطط ترامب، سعت عناصر الشاباك هذه المرة للتشهير بالقيادة الفلسطينية لتحييد الاحتجاج الفلسطيني، حيث كتب كابتن مفيد ضابط الشاباك في منطقة الخليل قائلا: “يهمني أنّ تمر الأيام القريبة بسلام، قد يتأثر البعض منكم بتحريض السلطة الفلسطينية العاجزة، والتي عملت على مدار سنوات طوال من أجل مصالحها الشخصية، أنصحكم بعدم الانجرار وراء تحريضها، لأنّ قيادتها وبكل بساطة لا ترسل أبناءها للشوارع للإلقاء الحجارة أو للمشاركة في أعمال الشغب، لأنهم يعتبرون أنفسهم أعلى مكانة من سائر الشعب”.
طريقة أخرى لتشويه صورة النضال الفلسطيني هي تسليط الضوء على جوانب العمليات غير الأخلاقية التي ينفذها الفلسطينيون، نفذت خلية عاصم برغوثي الحمساوية المذكور أعلاه، في كانون الأول 2018 عملية إطلاق نار عند مفرق عوفرا، كان بين المصابين سيدة حامل في الشهر السابع، تدعى شيرا إيش- ران، أصيب الجنين، واضطر الأطباء لتوليدها بشكل طارئ، ولكن المولود توفي بعد مرور ثلاثة أيام على ولادته، نشر الشاباك صورة جثة الجنين مغطاة بشال صلاة قبل الدفن، ظهر إلى جانب الصورة النص التالي: “كيف يشعر شعبٌ أطلق أبطاله النار على سيدة حامل؟ أيّ بطل هذا الذي يقتل طفلًا وهو بعد في رحم أمه؟ أيّ بطل هذا الذي يهرب بعد أن يطلق النار باتجاه الجنود؟ هؤلاء ليسوا أبطالًا، أفراد حماس ليسوا أبطالًا، إنّهم جبناء”.
أرجح أن طاقم الشاباك الذي يدير صفحة “بدنا نعيش” والذي كتب هذا المنشور تألّم فعلًا جراء موت الجنين، كالعديدين من أبناء المجتمع “الإسرائيلي “الذين تابعوا الحادثة عبر وسائل الإعلام، ولكن نشر الصورة والنص سلّطًا الضوء بالأساس على الفجوة الشاسعة بين خطاب الشاباك المتعالي (وربما للإسرائيليين بشكل عام) والخطاب الفلسطيني، حظي المنشور بمئات التعليقات التي هدفت إلى نصب مرآة أمام الشاباك، وضحت التعليقات أنّ الخطاب الإسرائيلي- الاستخباري الذي يدّعي الاكتراث لحياة أبناء الشعبين ويتظاهر بأخلاقه السامية، ليس إلا خطابا تضليلًا، وأن الفلسطينيين الذين تتكرر أمام أعينهم صور أطفال غزة القتلى (وفي الضفة الغربية) وصور نساء فلسطينيات أجهضن عند الحواجز، يرفضون التماهي مع دموع ضباط الشاباك، وكالمعتاد، كان هناك من استعرض حججًا وذرائعا مفصلة، من اكتفى بالسخرية والتعقيب بـ : “ما هذا الهراء؟” وكان هناك من شتم وتمنى الموت لكل يهودي.
كانت عبارات التماهي والأسف قليلة، وحتى تلك التعليقات التي حثت ضباط الشاباك على توسيع آفاقهم ومداركهم كانت كالتالي كتبت إحدى المعلقات: “هذا حقًا حرام، ولكن أليس القتل في غزة ليس حرامًا أيضا؟” ، ادعى آخر ( على ما يبدو ينتمي للإخوان المسلمين):” من الواضح أنّ قتل السيدة والطفل لم يكن مقصودًا، فالأمر مناف للدين الإسلامي،”
بالإضافة إلى المعلقين الذين ذكروا أنّ “إسرائيل” تنفذ عمليات قتل على نطاق واسع وجمعي، كان هناك من برّر قتل الأطفال، من منطلقات مألوفة وشبيهة بتعليقات الإسرائيليين على مقتل أطفال فلسطينيين، فمثلا كتب أحد المعلقين: “يُستحسن أن يموت في رحم أمه، على أن يكبر ويقتل أطفالنا”، وكتب آخر: “ليحترق كل يهودي ومستوطن إسرائيلي، لينصر الله رجال حماس ويطيل أعمارهم”، وكتبت طالبة من الخليل لرجال الشاباك بنبرة مليئة بالمرارة والكراهية: ” ماذا كان سيصبح هذا الجنين في حال وُلد؟ إمام مسجد مثلًا؟ بل كان سيصبح كلبًا مثلكم، يستحسن أن تدوس حماس رؤوسكم،”
نهاية مناهضي الاحتلال المرة
لا يشتمل معجم الشاباك السياسي على كلمة “احتلال”، خاصةً في حملات تغيير الوعي التي يقوم بها، وذلك لأن الوضع الحالي -الذي تُحكم فيه “إسرائيل” سيطرتها على الضفة، وتُوسّع المستوطنات من نطاق تمدّدها- بنظر الشاباك حقيقة لا نقاش فيها بل وعلى جهاز الشاباك الدفاع عنها، ينشط الشباب الفلسطينيون الذين يخرجون للتظاهر، لإلقاء الحجارة أو للمشاركة في المقاومة المسلحة، في عالم الشاباك الافتراضي، وهم متهمون بتخريب مساعي السلام، العلاقات مع “إسرائيل” ومع المستوطنين اليهود، بل هم متهمون بأنهم يقاومون بتحريض من جهات خارجية، حسب ادعاءات الشاباك.
الادعاء الذي يعممه الشاباك بسيط وسهل الاستيعاب، وذلك لأن مفاده أن هؤلاء الشبان يؤذون بأفعالهم أنفسهم وعائلاتهم أولًا، لذلك وعليه، يتوجه الشاباك إلى أمهاتهم لحثهن على إبقاء أبنائهن في المنازل، من أجل الحفاظ على حياتهم وحريتهم”، ويتابعون :”من أجله ومن أجلك أيتها الأم العزيزة، إذا كنت تشكين بأن ابنك متورط في هذه العمليات “التخريبية”، قومي بتبليغ لسلطات المسؤولة “، هذا ما نشره الشاباك
وفي حزيران 2020 وبالتزامن مع اعتقال شابين أحدهما طالب في كلية الطب والثاني مدقق حسابات من الخليل نشر الشاباك فيديو رسوم متحركة عن عملية اعتقالهما عقب الاشتباه بتورطهما بنشاط يخص حماس، ظهرت في هذا الفيديو شخصيات تقف وراء القضبان تُتمتم قائلة: ” ستعطل علاقتكم بحماس سير حياتكم”، حظى هذا الفيديو بأكثر من 20 ألف مشاهدة.
ينطوي هذا الادعاء على منطق معين ألا هو أن قوات الأمن ستصل إلى هؤلاء النشطاء آجلا أم عاجلا بل وأن مصيرهم سيكون الموت أو السجن، ولكن الخطاب الاستخباراتي يتغاضى عن المشاعر القومية والدينية، الشعور بوجوب إحقاق العدالة الرغبة والاستعداد للتضحية وما إلى ذلك، هذه هي حقًا آلية عمل حملات بلورة الوعي: تشخيص نقاط الضعف، رسم صورة واقع جزئية، زائفة جزئيا، تعزيز خطاب طلاب السلام والتواقين للحرية، وإخفاء دوافع المناضلين الإيجابية في المطالبة بالحرية، هذا هو أيضًا الهدف من وراء نشر صور هدم بيوت الفلسطينيين أو اعتقال الأطفال، تظهر هذه الصور أحيانًا على صفحات وسائل الإعلام، وتهدف إلى الكشف عن وجه “إسرائيل” المظلم، الهدف هنا هو زيادة خوف الفلسطينيين من عواقب الضلوع في المقاومة.
لكن ومن ناحية أخرى، يساهم الفيسبوك بافساح المجال أمام ردود الأفعال المخالفة، حيث لا يقتصر الأمر فقط على انتقاد جهاز الشاباك واعتبار عملياته إرهابية، إنما أيضًا يتطرق إلى دوافع النشطاء الفلسطينيين الذين يعبرون بأنفسهم عن وجهة نظرهم، فمثلا كتبت معلقة : “يسعى هؤلاء الشبان للحصول على حقوقهم الأساسية: العدالة والحرية”، وأجاب آخر: “أسرى حماس هم مصدر فخر لنا جميعًا”، “صفحة حقيرة” أضافت ثالثة وكتبت رابعة: “فلتحيا حماس، نشطاء حماس أسود، أما أنتم فنهايتهم في حاويات القمامة”.
يعرف النشطاء الفلسطينيون المتواجدون في ثنايا العالم الافتراضي، أنّ صفحات الشاباك هي جزء من منظومة حرب نفسية أوسع بكثير- والتي تشمل ظهور متحدثين إسرائيليين على شبكات التلفزة العربية، صفحات التويتر والفيسبوك الخاصة بمنسق عمليات الحكومة في الأراضي المحتلة، المواقع العربية التابعة للناطق بلسان الجيش “الإسرائيلي “وغيرها، يعرفون أيضا أنها، حرب تهدف إلى زعزعة تشبث الفلسطينيين بانتمائهم الوطني الفلسطيني، نشر هؤلاء النشطاء منشورًا يدعو إلى مقاطعة صفحة منسق عمليات الحكومة في الأراضي المحتلة، الكشف عن وظيفته المراوغة والحذر من التعاون حتى مع “الوجه المضيء” للاحتلال، نشرت حركة فتح وجهات نظر أخرى من خلال منشورات عديدة على صفحات الفيسبوك مع هاشتاغ “يا عندي، يا عند المنسق” وحظيت بآلاف التعقيبات الإيجابية.
ولكن للعالم الافتراضي حياة تخصه، وبالرغم من التحفظات، فإنّ الفلسطينيين المسيّسين وغير المسيّسين، يتصفحون صفحات الشاباك، يعلقون أحيانًا ويمتنعون عن التعليق في أحيان أخرى، هل تحقق هذه الصفحات هدفها؟ هل تنجح في تغيير الوعي الفلسطيني؟ اقتبس الصحافي يوني بن مينحايم مصادر أمنية تدعي، أنّ العديد من العمليات أحبطت بفضل هذه الصفحات، ولكن باستطاعتنا التشكيك بهذا الادعاء أيضًا، لأن جزءًا من هذه الحرب قد يكون نفسيا، مع ذلك، قد تساهم هذه الصفحات في فترات الهدوء، بمنع بعض الشبان من الانضمام لصفوف المقاومة المسلحة.
هل يمكن لهذه المنشورات أن تحدث تغييرًا فعليًا في وعي الفلسطينيين؟ الإجابة، هي لا، وذلك لأن، نبرة كتّاب هذه المنشورات متعجرفة ولا تتماهى مع الواقع الفلسطيني، أحد الأمثلة الواضحة على ذلك هو التوقع الشاباكي- “الإسرائيلي “المغلوط بأنّ يُصدم الفلسطينيين من منظر طفل يهودي قتيل، بينما لا يعبّر ضباط الشاباك أنفسهم أو الإسرائيليون بشكل عام- عن صدمتهم عند رؤيتهم عشرات الأطفال الفلسطينيين يقتلون على يد الجيش الإسرائيلي، ينعكس ذلك في المنشورات التي ينشرها بعض عناصر الشاباك عن أهمية ومكانة يوم الاستقلال لدى لإسرائيليين، وذلك دون الأخذ بعين الاعتبار الثمن الذي دفعه الفلسطينيون جراء استقلال دولة اليهود، وحرمانهم كفلسطينيين من الاستقلال، بالتالي، فإنّ هذه الصفحات تشكّل منبرًا افتراضيًا للاستعلاء، الانقطاع عن الواقع الاستمرار بالتجاهل الذي يميز سلطات “إسرائيل” الرسمية ومندوبيها الميدانيين.