“إسرائيل اليوم”/ كسينيا سفيتلوفا
عضو سابق في الكنيست، وزميل باحث في معهد السياسة والاستراتيجية ومدير برنامج لإسرائيل والشرق الأوسط في معهد ميتفيم
ظهرت لافتة ضخمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اليوم الثالث من القتال في أوكرانيا على مبنى إداري في وسط موسكو، وقال التعليق “القوة الحقيقية تكمن في العدل والحقيقة من جانبنا، أنا أؤمن بالدعم وهذه القوة التي لا تقهر والتي تمنحنا حبنا للوطن”، على حد تعبير جورج أورويل “السلام هو الحرب”.
في عام 1999 عندما كان رئيساً للوزراء وكان يستعد بالفعل لاتخاذ الخطوة الكبيرة والانتخاب رئيساً، رد بوتين في مقابلة مع لاري كينج: “طريقنا هو طريق التطور الديمقراطي، روسيا بلد متنوع للغاية، وفي الوقت نفسه – نحن جزء من ثقافة أوروبا الغربية، ومن هنا قيمتنا، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه شعبنا – في الشرق الأقصى أو الجنوب – فنحن أوروبيون”.
فماذا حدث في روسيا بين عامي 1999 و 2022؟
العام الذي سيدخل في التاريخ باعتباره عام أكبر صدمة في القارة الأوروبية، وهو العام الذي هاجمت فيه روسيا المدن الأوكرانية بالصواريخ ودفعت دباباتها إلى أراضيها؟ كيف بدأ الرجل الذي حمل معه وعداً بالاستقرار والنمو الاقتصادي حرباً ضد الغرب وفرض أقسى العقوبات على روسيا على الإطلاق؟
سيقول منتقدوه وأعداؤه في روسيا والغرب إن بوتين لم يكن أبداً أي شخص آخر: ضابط KGB خدم في ألمانيا الشرقية، وكان مروعاً من تفكك الإمبراطورية السوفيتية التي تخلت عنه وعن رفاقه، وهو جزء من المؤسسة الأمنية القوية التي قررت تولي زمام الأمور في أيدي روسيا عندما تم حل الحزب الشيوعي وأصبح الأوليغارشيون (الأوليغاركية Oligarchy حكم الأقلية هي شكل من أشكال الحكم بحيث تكون السلطة السياسية محصورة بيد فئة صغيرة من المجتمع تتميز بالمال أو النسب أو السلطة العسكرية) الذين استولوا على البنوك والموارد الطبيعية أسياد البلاد.
بعد حوالي عامين من وصوله إلى السلطة، بوتين وأصدقاؤه المراهقون في سانت بطرسبرغ (لينينغراد في الحقبة السوفيتية) بدأ في مهاجمة الأوليغارشية والشركات القوية التي شكلوها، في الوقت نفسه بدأ الصحفيون والمحررون يشعرون بالراحة بذراع الرئيس الجديدة.
كانت اللقطة الافتتاحية في مؤتمر ميونيخ للأمن في عام 2007 عندما تحدى بوتين الغرب لأول مرة وحذر من توسع الناتو نحو الحدود الروسية، وضع الناتو قواته الأمامية داخل حدودنا، وحذر الرئيس الروسي من أن “الحرب الباردة لم تنته بعد”.
بعد ثماني سنوات، اندلعت مظاهرات ضخمة في أوكرانيا المجاورة، أُطيح خلالها بفيكتور يانوكوفيتش، الرئيس الموالي لروسيا الذي فر إلى روسيا، فيما أصيب بوتين -الذي كان يحاول منع الإطاحة به- بالصدمة والدهشة.
لقد رأى في الثورة الأوكرانية مؤامرة معادية لروسيا من الغرب، امتلأت وسائل الإعلام الروسية بالتحريض المناهض لأوكرانيا، وبثت القنوات الدعائية من الصباح إلى الليل تهديدات ضد أوكرانيا، شريحة واحدة أصبحت “معقل النازية الجديدة ومعاداة السامية” وضد الغرب الغادر، واشتد الخطاب المعادي للغرب على مدى السنوات الثماني منذ ضم شبه جزيرة القرم، أصبحت المسيرات العسكرية أكثر تفاخراً واضطهاد المعارضين أكثر حدة،
أصدقائي في موسكو الذين تحدثت إليهم في الأسابيع التي سبقت الحرب لم يصدقوا أن هذا ما سيحدث، لقد اعتادوا على الدعاية العنيفة التي تسربت من قنوات الدولة لدرجة أنهم لم يعودوا يرونها ولم يكونوا حساسين لها، هم، وكذلك العديد في أوكرانيا، الذين اعتادوا أيضاً على التسمم اليومي، لم يصدقوا أن بوتين سيعبر النهر.
شاهد: الاحتلال يعدم فلسطينيا بالرصاص بالقرب من نابلس
شاهد…مأساة “الشيخ جراح” بالقدس…القصة الكاملة
شاهد: شهيدان ومصاب بالقرب من جنين برصاص الاحتلال
فهل كان مكوثه المطول في الرئاسة أم الدائرة المقربة التي قدمت معلومات أحادية الجانب أم تغيير الشخصية هي التي دفعت بوتين إلى الأمر بغزو أوكرانيا وحتى التهديد باستخدام الأسلحة النووية؟ قد لا نعرف أبداً.
لكن ما يمكن قوله على وجه اليقين هو إنه لسنوات عديدة تجاهل الغرب روسيا بوتين والعمليات الداخلية التي حدثت هناك، والمستقبل لن يبدو مثل الماضي، فالصدمة الحالية هي كسر النظريات والمفاهيم القديمة، وقد تم إنشاء نظام عالمي جديد في هذه اللحظات بالذات.
المصدر/ الهدهد