معهد القدس للإستراتيجية والأمن
المقدم (احتياط) دانيال راكوف “خبير في الشؤون الروسية”
المقال يعبر عن رأي كاتبه
منذ أواخر أكتوبر 2021، تحشد روسيا العديد من القوات العسكرية، في غرب البلاد، بالقرب من الحدود الأوكرانية، إذ يمكن للقوة العسكرية غير المسبوقة التي تركزها في المنطقة أن تسمح لها باحتلال شرق أوكرانيا (التي تعد أراضيها ثاني أكبر منطقة في أوروبا بعد روسيا).
وقد وجهت موسكو سلسلة من المطالب العلنية إلى الغرب، مع التركيز على التوصل إلى اتفاقيات ملزمة قانونًا لوقف توسع الناتو، وعدم نشر أنظمة الأسلحة التي تهدد أمن روسيا في البلدان الحدودية لها سواء أكانوا أعضاء في الناتو أم لا، ووضع تدابير بناء للثقة منها: إزالة التدريبات من الحدود الروسية، وتحديد مسافات الأمان بين السفن والطائرات في بحري البلطيق والأسود، وتجديد الحوار الأمني بين روسيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
في الوقت نفسه، تطالب روسيا بالموافقة على تشغيل خط أنابيب الغاز Nordstream-2 المثير للجدل، والذي من المتوقع أن يزيد اعتماد ألمانيا وأوروبا على الغاز الروسي، كما تطالب موسكو الولايات المتحدة بإعادة قنوات الخطاب الدبلوماسي بعد إغلاق جميع القنصليات الأمريكية والروسية في كلا البلدين في السنوات الأخيرة، وتقليص عدد الموظفين الدبلوماسيين في كلتا العاصمتين، ما يجعل الأمر صعبًا في مجال إصدار التأشيرات.
إضافة إلى ذلك فإن المفاوضات جارية بين موسكو وواشنطن بشأن الحد من الأسلحة النووية والأسلحة الإلكترونية.
وتهدد الولايات المتحدة والدول الغربية بفرض عقوبات سياسية واقتصادية غير مسبوقة إذا ما غزت روسيا أوكرانيا، لكن من الواضح أنه لا توجد نية غربية للدخول في مواجهة عسكرية مع روسيا.
المعضلات التي تواجه “إسرائيل”
“إسرائيل” بعيدة عن الساحة الأوكرانية، ولا تعرف كيف تقيّم بشكل صحيح ما هو احتمال أن تغزو روسيا؟ أو كيف سيتم ذلك ومتى؟
ففي هذه المرحلة نادرا ما تدخل في أزمة، على الرغم من أنها تزيد من حدة معضلاتها فيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا، وعلى نطاق أوسع نهجها في المنافسة بين القوى الكبرى.
في السنوات الأخيرة نجحت “إسرائيل” في صياغة مسار فريد في السياسة الدولية: فهي لا تواجه موسكو علنًا بشأن القضية الأوكرانية، وتمتنع عن الانضمام إلى الإجراءات العقابية الجماعية الغربية ضد روسيا (العقوبات، والعزلة السياسية، وترحيل الجواسيس).
كما يُظهر الغرب أيضًا فهمًا نسبيًا لحاجة “إسرائيل” للتحدث مع الكرملين، خاصة على خلفية علاقات الجوار التي نشأت بين “إسرائيل” وروسيا بعد التدخل العسكري لموسكو في الحرب الأهلية في سوريا عام 2015، فقد وصلت العلاقات بين “إسرائيل” وروسيا إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، وقد تطورت بشكل كبير في السنوات الثلاثين الماضية مقارنة بالفترة السوفيتية.
وتسمح روسيا “لإسرائيل” بحرية العمل العسكري ضد إيران في سوريا، وتقوم بمبادرات، مثل: إعادة رفات الجندي المفقود من “معركة السلطان” يعقوب زكريا باومل، في المقابل تتوقع روسيا أن تساعدها “إسرائيل” في التوصل إلى اتفاقيات سياسية بشأن الشرق الأوسط بالتعاون مع الولايات المتحدة.
كما يشكل حوالي مليون ناطق بالروسية في “إسرائيل” جسراً ثقافياً بين الدول، وهناك علاقات تجارية مزدهرة تبلغ قيمتها 3-2 مليارات دولار في السنة، كما تقدر روسيا “إسرائيل” كمدافع صادق عن دور الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية، وفي هذا الصدد الذي له أهمية حاسمة بالنسبة للكرملين، يُنظر إلى “إسرائيل” في روسيا على أنها شريك لها على نطاق عالمي، من ناحية أخرى، هناك العديد من تضارب المصالح التي يحاول الطرفان حلها.
ولكن إذا تصاعدت الأزمة الروسية – الغربية – الأوكرانية، فسوف تُجبر “إسرائيل” على إعادة النظر في سياستها الحالية، قد تطلب إدارة بايدن منها، بشكل أكثر صرامة مما كانت عليه في الماضي اختيار جانب، والانضمام علنًا إلى المعسكر الغربي في إدانة روسيا وقطع العلاقات معها، وسيضاف رفض “إسرائيل” القيام بذلك إلى سلسلة من الخلافات مع واشنطن حول القضية النووية الإيرانية، والقضية الفلسطينية، والصادرات السيبرانية الهجومية وغير ذلك.
في الوقت نفسه، سيُطلب من “إسرائيل” أن تفحص باستمرار مدى ملاءمة سياساتها، بينما تشتد المنافسة بين القوى، إذ تركز الولايات المتحدة على المواجهة على نطاق تاريخي مع الصين، فقد انسحبت من الشرق الأوسط، وتعاني من صورة ضعف نسبي بين لاعبي المنطقة – تعمل روسيا والصين على وجه الخصوص على تعزيز دورهما هناك، حيث إنهما لا يسعيان إلى استبدال الولايات المتحدة، لكنهما يكتسبان قوة وتأثيرًا بطريقة تؤثر على القضايا المهمة “لإسرائيل”، وهكذا ازداد دور موسكو في الآونة الأخيرة في الحوار بين القوى والغرب بشأن الاتفاق النووي مع إيران، إضافة إلى ذلك لروسيا تأثير على حرية “إسرائيل” في العمل في “المعركة بين الحروب” في الساحة الشمالية، أو في الحرب، إذا تطورت بين “إسرائيل” وحزب الله.
أكثر من 1800 مستوطن اقتحموا الأقصى طيلة أيام عيدهم الحانوكا
قائد شُرطة العدو السابق: في المواجهة القادمة: “فلسطيني 1948 سيقتلون اليهود”
سناء سلامة زوجة الأسير وليد دقة: ابتسامة “بنتي” ميلاد تُعادل كل القائمين على فيلم “أميرة”
توصيات
يقول مثل روسي: “الجيران لا يُختارون “، ليس من المتوقع أن تختفي روسيا من الحدود الشمالية “لإسرائيل” في المستقبل المنظور، ويجب على القادة في “إسرائيل” الانتباه من كثب لمسألة كيفية تكييف سياساتهم مع سيناريوهات التصعيد في المنافسة بين القوى، فمن الممكن أن يتم إنشاء وضع قائم جديد وغير مريح لنا قريبًا في العلاقات بين القوى، ومن المحتمل أن تسعى “إسرائيل” مرة أخرى إلى اتخاذ موقف غامض بين روسيا والغرب، لكن الأفضل التخطيط لمكونات سياستها والتوازن بينهما مسبقًا؛ خشية أن يتضح أن إغفال هذين البندين،
سيقوض الثقة بين “إسرائيل” وحلفائها، فعلى “إسرائيل” ألا تنتظر اندلاع الأزمة، بل أن تستغل المستقبل القريب لتقييم وضعها مع روسيا، كخطوة نحو صياغة إستراتيجية وطنية لقيادة حقبة من المنافسة الشرسة بين القوى، وهو أمر مطلوب حتى لو كانت روسيا، لن تغزو أوكرانيا في المستقبل القريب، كما يجب أن توازن مثل هذه الإستراتيجية بين الالتزام بالتحالف التاريخي مع الولايات المتحدة وضرورة احتفاظ “إسرائيل” بحرية المناورة تجاه القوى الأخرى أيضًا، لهذا مطلوب من “إسرائيل” أن تسعى جاهدة من أجل آليات تشاور وثيق مع الحلفاء الغربيين؛ لوضع نفسها كجسر محتمل بينهم وبين روسيا، ولتقرر كيفية التصرف علنًا (على عكس المستوى السري والدبلوماسي)، واختيار المجالات التي يجب تطوير التعاون فيها، مع روسيا، وأين تكبح جماح نفسها؟ في حين أن الفشل في صياغة مثل هذه الإستراتيجية يمكن أن يضع “إسرائيل” في مرمى النيران بين القوتين، ما سيجبرها على الدخول في سلسلة من الشراكات التي تهدف إلى التخفيف من التوتر بين القوى، بطريقة تقلل من شأن حريتها الإستراتيجية في المناورة وتؤثر سلبًا على القضايا الأساسية لأمنها القومي، لا سيما فيما يتعلق بسياستها تجاه إيران.
المصدر/ الهدهد