الرئيسية / شئون إسرائيلية / كيف بَنَت “إسرائيل” أدق آلة عسكرية في العالم؟

كيف بَنَت “إسرائيل” أدق آلة عسكرية في العالم؟

ترجمة الهدهد
جيروساليم بوست/ ياكوف كاتز

ملاحظة: المقال يُعبر عن رأي كاتبه

تم حفر الأنفاق يدوياً بآلات ثقب الصخور، حيث كانت الآلات الثقيلة غير واردة – لأنه كان من الممكن أن تجذب الكثير من الأنظار من قِبل الطائرات بدون طيار التي تحوم باستمرار في السماء أعلاه.

كان لكل كتيبة مهمتها وكانت مسؤولة عن الاختباء في منطقة عملياتها، تم تخصيص الميزانيات وفق خطة مفصلة، وتم تحديد المواعيد النهائية لكل مرحلة من مراحل المشروع.

أشرف على كل ذلك محمد ضيف، قائد حماس المراوغ الذي أصبح أسطورياً بعد أن نجا من محاولات اغتيال “إسرائيلية” عديدة امتدت لأكثر من عقدين من الزمن، وبحسب بعض التقديرات كلف المشروع بأكمله أكثر من مليار شيكل.

بدأ كل شيء قبل سبع سنوات، كجزء من الدروس التي تعلمتها حماس من حرب غزة في صيف 2014، والمعروفة في “إسرائيل” باسم عملية الجرف الصامد، كانت حماس تَستخدم بشكل فعال بعض أنفاقها تحت الأرض للتسلل عبر الحدود وقتل الجنود، ولكن في الغالب تم الكشف عن الممرات الموجودة تحت الأرض وتدميرها، حيث كانت حماس بحاجة إلى قدرة جديدة يمكن أن تغير ميزان القوى مع “إسرائيل”.

كان من المفترض أن تقوم أنفاق الضيف بهذه المهمة
كانت الفكرة رائعة ولكنها بسيطة أيضاً، تمتد حوالي 100 كيلومتر تحت قطاع غزة بأكمله، كانت شبكة الأنفاق تتكون من ثلاثة أنواع مختلفة من الخطوط: ممرات للوصول من نقطة إلى أخرى؛ أماكن للنوم والأكل وحتى الاستحمام؛ ومساحات لإطلاق الصواريخ، تم تصميم الشبكة بالكامل لتحريك المسلحين بسرعة وسرية حتى يتمكنوا من مفاجأة ومهاجمة “قوات المشاة الإسرائيلية” الغازية والقوات المدرعة.

كانت الشبكة بعيدة كل البعد عن الأنفاق المؤقتة القديمة التي استخدمها الفلسطينيون ذات يوم لتهريب الأسلحة والممنوعات تحت الحدود مع مصر.

شرح أحد كبار الضباط في “الجيش الإسرائيلي” قائلاً: “كانت مدينة تحت الأرض، وكان من المفترض أن تكون سلاحهم الأكثر حماية لهم”.

لكن عام 2014 كان نقطة تحول “للجيش الإسرائيلي” في معركته ضد هذه الأنظمة تحت الأرض، بعد أن نجح مقاتلو حماس في التسلل إلى “إسرائيل”، أدرك الجيش أنه متخلف كثيراً في القدرات التي يحتاجها، ثم أطلقت على الفور ثلاث جهود بالتزامن مع بعضها للتغلب على هذه القدرات.

الجهد الأول كان على مستوى الذكاء – البحث عن الأنفاق ورسم خرائط لها بأدق التفاصيل.

والجهد الثاني هو استثمار الموارد في تطوير نظام يمكنه اكتشاف الأنفاق أثناء حفرها، مثل القبة الحديدية للأنفاق.

والجهد الثالث كان تطوير القدرات الهجومية التي يمكن أن تدمر الأنفاق.

قال العميد ماتان أدين قائد فرقة الدعم الجوي وطائرات الهليكوبتر في سلاح الجو: “عند مهاجمة النفق لا تحتاج فقط إلى أقصى درجات الدقة، تحتاج أيضاً إلى ذخيرة تخترق الأرض، لأنه إذا انفجرت على الأرض، فلن تفعل شيئاً في الأساس”.

عرف آدين ما كان يتحدث عنه طياراً مخضرماً، صعد إلى صفوف “سلاح الجو الإسرائيلي” من خلال طائرات الهليكوبتر التابعة له، وحلّق على جميع المنصات المختلفة – أباتشي وبلاك هوكس وسي ستاليون، كانت رحلته القتالية الأولى كطيار في عام 2001 في غزة، كانت تلك بداية الانتفاضة الثانية وكان آدين جزءاً مهماً لدخول ثلاث مروحيات لغزة من البحر بحثاً عن إرهابي مطلوب، منذ ذلك الحين شارك في عمليات قتالية لا حصر لها.

استثمر “الجيش الإسرائيلي” والشين بيت (وكالة الأمن الإسرائيلية) موارد غير مسبوقة في جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول شبكة الأنفاق، وبعد عدة أشهر أطلق عليه أحد ضباط المخابرات العسكرية اسم “المترو”.

كانت المراقبة الجوية مفيدة ولكنها لم تتمكن من تقديم معلومات عن الطرق تحت الأرض، لم يكن الاستقبال الخلوي مفيداً، لأنه بمجرد وصوله إلى الأرض، فُقد الاستقبال ولا يمكن تعقب الأشخاص بالداخل.

هذا الأمر جعل الشاباك يركز على تكتيكات جمع المعلومات الاستخباراتية القديمة، وتجنيد العملاء والجواسيس داخل غزة الذين يمكنهم الكشف عن تفاصيل حول مسارات الأنفاق وما تحتويه بالضبط.

أصبحت الأنفاق هاجساً “لإسرائيل”، وأظهرت المعلومات الاستخبارية أن كتائب القسام الجناح العسكري لحماس كانت تتدرب بالفعل في الداخل، وقام الإرهابيون بتخزين أسلحتهم هناك، وعرفوا الطرق المختلفة والمخارج المختلفة وكيفية الدخول والخروج بهدوء.

في محاولة لمنع تسرب المخططات، سُمح لكتائب حماس في البداية بدخول أقسامها الإقليمية فقط، دون معرفة كيفية العبور إلى مناطق أخرى، وكان قادة حماس يعلمون أن “إسرائيل” ستراقب ما إذا كان شخص ما سيسرب شيئاً ما، فإنه يريد قدر الإمكان احتواء الضرر.

غزة هي واحدة من أكثر قطع الأراضي التي تم فحصها بعناية في العالم، ليس فقط محاطة بكاميرات على السياج الحدودي ولكن أيضاً تقوم بدوريات مستمرة في السماء أعلاه، حيث يتم تتبع كل حركة مشبوهة بعناية، ويشار إلى الطائرات بدون طيار باسم “زنانات”، وهي لغة عامية محلية “لطنين البعوض”، بسبب صوت الطنين الرتيب الذي تصدره محركات الطائرات بدون طيار عند الطيران في السماء أعلاه.

اختلفت المعلومات الدقيقة التي جمعتها “إسرائيل”، في بعض الحالات تمكنت “المخابرات الإسرائيلية” من رسم صورة دقيقة لجزء من الشبكة، والتعرف من مصادرها على الأسلحة المخزنة هناك وأين كانت ونوع شبكة الاتصال، وعلى أي شاشات تلفزيون معلقة على الحائط، أما بالنسبة للأقسام الأخرى لم يكن هناك سوى الطريق ولكن ليس أكثر من ذلك.

كانت خطة “جيش العدو الإسرائيلي” جاهزة بحلول عام 2018، وهي عملية مشتركة مخطط لها داخل القيادة الجنوبية – المسؤولة عن قطاع غزة – ومقر “سلاح الجو الإسرائيلي” في تل أبيب، نظراً لحجم الشبكة والحاجة إلى مفاجأة العدو، فقد أوضحت المتطلبات التشغيلية الأولية عن الحاجة إلى أكثر من 100 طائرة لإسقاط أكثر من 500 قنبلة في غضون أقل من 30 دقيقة، إنها عملية لم نشهدها من قبل في قطاع غزة.

في (نوفمبر) 2018، فشلت عملية سرية “للجيش الإسرائيلي” في جنوب قطاع غزة، وأثارت “الكوماندوز الإسرائيلي” في عملية لجمع المعلومات الاستخبارية الشكوك عند نقطة تفتيش تابعة لحماس، في تبادل إطلاق النار الذي أعقب ذلك، المقدم م. – ضابط أوسمة لا يزال اسمه ممنوعاً من النشر – قُتل بالرصاص، ورداً على ذلك أطلقت حماس عشرات الصواريخ على “إسرائيل”.

وعقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اجتماعاً لمجلس الوزراء المصغر لمناقشة رد “إسرائيل”، أفيغدور ليبرمان وزير الدفاع في ذلك الوقت، دفع لإطلاق عملية “الضربة الصاعقة”، الاسم الرمزي الذي أطلقه “الجيش الإسرائيلي” على الحملة لتدمير الأنفاق، والتي أشرف عليها شخصياً قبل بضعة أشهر.

قاوم قادة “الجيش الإسرائيلي”، فلقد كان في المراحل الأخيرة من التحضير لمناورة لتدمير سلسلة من الأنفاق العابرة للحدود التي حفرها حزب الله على طول “الحدود الإسرائيلية” مع لبنان، داخل المخابرات العسكرية كانت هناك مخاوف من أن إطلاق “الضربة الصاعقة” الآن يمكن أن يؤدي إلى صراع أطول وأكبر مع غزة، مما سيجبر “الجيش الإسرائيلي” على تأجيل العملية ضد أنفاق حزب الله – وكلما طال الانتظار، زادت فرصة وجود شيء ما ممكن أن يتم تسريبه.

وقفت الحكومة إلى جانب “جيش العدو الإسرائيلي”، وقامت بتجميد عملية “ضربة صاعقة”، وهذا ما أزعج الجيش من رد فعل الحكومة الضعيف على إطلاق الصواريخ في غزة، واستقال ليبرمان من الحكومة، مما أدى في النهاية إلى تفكك الحكومة مما يقودها إلى أربع انتخابات متتالية.

في السنوات التي تلت ذلك، لم تقف القيادة الجنوبية مكتوفة الأيدي، وواصلت شحذ العملية بمعلومات استخبارية جديدة قدمها باستمرار “الشاباك”، عندما اندلعت عملية حارس الأسوار في مايو، حيث أعيد طرح عملية “ضربة صاعقة” على الطاولة، كان بعض الجنرالات لا يزالون مترددين، وشعروا أن مثل هذا القصف بحاجة إلى الإنقاذ من أجل عملية هدفها إسقاط حماس، ولم يكن هذا ما خُطط له حارس الأسوار.

يعتقد قائد المنطقة الجنوبية اللواء إليعازر توليدانو أنه يجب إطلاقه الآن، وحذر من أنه إذا لم يحدث ذلك فقد لا تصلح لحدوثها بالمستقبل، ثم قام الجنرال رئيس الأركان أفيف كوخافي بالموافقة على ذلك.

نُقل عن توليدانو قوله: “حتى لو لم نقتل مئات الإرهابيين، فإن الأمر لا يزال يستحق إقصاء حماس لعشر سنوات”.

هكذا أقلعت 160 طائرة مقاتلة تابعة “لسلاح الجو الإسرائيلي” بعد منتصف ليل 14 مايو وتوجهت إلى البحر الأبيض المتوسط، تم تحميل الطائرات – F-15 و F-16 – بقنابل موجهة بواسطة GPS، العديد منها GBU-39s، والمعروفة أيضاً باسم Small Diameter Bomb، وهو سلاح صنعته شركة Boeing، سلاح صغير ودقيق وله القدرة على اختراق الخرسانة المسلحة بالفولاذ، نظراً لأنها صغيرة نسبياً، ويمكن “لطائرات F-15I الإسرائيلية” – المعروفة باسمها العبري “Ra’am” (الرعد) – حمل العديد من هذه القنابل على أجنحتها وجسم الطائرة، تسمى في العبرية SDBs “حائل قاتلة”.

كانت أكبر طلعة جوية وأكثرها تعقيداً منذ حرب الأيام الستة، عندما أقلع “الأسطول الإسرائيلي” لتدمير القوات الجوية المصرية والسورية في البداية لذلك الصراع.

لكن في هذه الليلة، لم تكن “إسرائيل” تلاحق القوة الجوية للعدو، وكانت تتطلع إلى انتزاع حيازة حماس الثمينة- السلاح السري الذي تبنته بمهارة وسرية على مدى ما يقرب من عقد من الزمان.

ما لم تعرفه حماس هو أن شخصاً ما في “إسرائيل” كان يتابع عملهم، كان الشاباك قد عمل بشكل وثيق مع “مركز إطفاء الجيش الإسرائيلي” في القيادة الجنوبية لرسم خريطة لمسار نظام الأنفاق.

كان التحدي هائلاً فلم يكن الأمر مجرد جهد شاق لاكتشاف المسار الدقيق، ولكن كان على “سلاح الجو الإسرائيلي” أيضاً معرفة كيفية تدمير الأنفاق دون الإطاحة بأحياء بأكملها: لم تكن الأنفاق تحت الحقول الفارغة ولكن تحت المباني السكنية ومنازل الناس.

احتاجت “إسرائيل” للهجوم بطريقة من شأنها أن تدمر الأنفاق من ناحية، ولكنها أيضاً دقيقة للغاية لدرجة أنها ستترك أقل قدر من الأضرار الجانبية ولا تقوض المجهود الحربي الأكبر لإضعاف حماس ونزع الشرعية عنها.

ما جعل هذه العملية الجوية المحددة معقدة للغاية لم يكن الهجوم نفسه، على عكس ساحات القتال المحتملة الأخرى، فإن “سلاح الجو الإسرائيلي” ليس مهدداً في غزة بصواريخ أرض جو، وهو أمر لا يمكن أن يقوله عن سوريا أو لبنان، من ناحية أخرى فإن مهاجمة مثل هذه المساحة الصغيرة في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن تتطلب مستوى من الدقة والتزامن، نادراً ما يُرى في ساحة المعركة الحديثة، خاصة عند النظر إلى مشاركة 160 طائرة مقاتلة.

ففي كثير من الحالات، كانت الفكرة هي ضرب أجزاء من الأنفاق غير المجاورة للمباني، وإذا لم يكن هناك خيار آخر، فحاول ضربها بزاوية.

أوضح الملازم أوري، طيار F-16 البالغ من العمر 26 عاماً والذي طار في تلك الليلة: “لقد كان تخطيطاً صارماً للغاية، وكان الجميع يعرف طريقه، جئنا في مجموعات، مجموعة تلو الأخرى.”

تجمعت الطائرات التي أقلعت من قواعد مختلفة في جميع أنحاء “إسرائيل”، فوق البحر الأبيض المتوسط ​​وانتظرت هناك للحصول على الضوء الأخضر، فبمجرد أن حصلوا عليه بدأ الهجوم، وقامت كل مجموعة من الطائرات بتثبيت إحداثيات GPS مسبقاً لأهدافها، لم يكن على الطائرات حتى أن تحلق فوق غزة، كانوا قادرين على إلقاء ذخائرهم وهم لا يزالون فوق الماء.

استغرقت المهمة 23 دقيقة فقط

كما أوضح أوري لاحقاً، لم يكن التحدي هو الهجوم ولكن في مزامنة الطلعات الجوية المختلفة.

قال: “كانت الصعوبة في التخطيط والتأكد من أن الجميع ينطلقون في الوقت المحدد ويصلون إلى حيث يريدون أن يكونوا”.

تم إلقاء خمسمائة قنبلة في تلك الليلة فوق ما يسمى بالمترو، بينما تم تنفيذ الهجمات بواسطة طائرات مقاتلة، قامت الطائرات بدون طيار التي حلقت فوق غزة بنقل الصور إلى مقر “سلاح الجو الإسرائيلي” في تل أبيب حتى يتمكن الضباط هناك على الفور من تقييم مدى الضرر الناجم.

وأفاد فلسطينيون بمقتل ما لا يقل عن 42 شخصاً، بعضهم داخل الأنفاق والبعض الآخر في مبنيين انْهارا بسبب الدمار، ولم يتضح على الفور عدد القتلى المنتمين للمنظمات إرهابية – من حماس أو الجهاد الإسلامي.

بالعودة إلى مقر “سلاح الجو الإسرائيلي”، لم يكن لدى كبار الضباط الوقت للاحتفال بالعملية، اطّلعوا على الفور على نتائج الضربة مع ضباط من القيادة الجنوبية والاستخبارات العسكرية، وكانت أكبر عملية جوية منذ أكثر من 50 عاماً، لكن لم يكن هناك وقت للراحة.

بعد أسابيع أظهر بحث أجراه مركز الإرهاب والمعلومات في “إسرائيل” – وهو مؤسسة فكرية مرتبطة بشكل وثيق بالأجهزة الأمنية – أنه من بين 236 فلسطينياً قُتلوا خلال العملية في “الهجمات الإسرائيلية”، فإن 114 منهم على الأقل ينتمون إلى منظمات إرهابية، وقدّر “جيش العدو الإسرائيلي” هذا العدد أعلى من ذلك، مدعياً أن ما يقرب من 200 من القتلى كانوا إرهابيين معروفين.

هناك بيان مهم: “كل أرواح مدنية تُفقد في الحرب هي مأساة، لكن هناك جانب المسؤولية يجب معالجته”.

يقول الفلسطينيون إن “إسرائيل” هي الطرف الذي يهاجم ويسقط السلاح، نتيجة لذلك، كما يقولون فإن “إسرائيل” هي المسؤولة.

وتقول “إسرائيل” إن حماس تتعمد تخزين أسلحتها وتبني مراكز قيادتها داخل البنية التحتية المدنية، وبينما تبذل “إسرائيل” جهوداً كبيرة لتقليل الأضرار الجانبية، فإنها لا تستطيع ضمان عدم وقوع إصابات بين المدنيين.

المترو هو مثال على ذلك، فإن إلقاء 500 قنبلة على مساحة صغيرة في مثل هذا الوقت القصير وقتل 42 شخصاً “فقط” – نصفهم على الأقل إرهابيون وفقاً “لإسرائيل” – هو أمر غير مسبوق في تاريخ الحرب.

هذا لم يتم بسهولة، على الرغم من أن المعلومات الاستخباراتية كشفت مسار شبكة الأنفاق، إلا أن “إسرائيل” لم تتمكن من إلقاء القنابل على طول الطريق، لن يؤدي ذلك إلى هدم عشرات المباني فحسب، بل كان سيقتل آلاف المدنيين.

بدلاً من ذلك كان ما فعلته “إسرائيل” مذهلاً، لقد عرفت بالضبط كيف تصطدم بزاوية نفق عند تقاطع شارع، بعد أن حللت بدقة عدد القنابل وعدد أرطال المتفجرات التي ستكون مطلوبة حتى يكون للانفجار تأثير أكبر تحت الأرض وليس فوقها، عندما سقطت المباني كان ذلك بسبب انهيار النفق الذي أدى إلى انهيار المبنى، الهياكل نفسها لم تتعرض للهجوم.

أوضح ضابط كبير في “الجيش الإسرائيلي” كان مشارك في التخطيط للعملية: “بالنظر إلى عدد القنابل التي أُلقيت، كان يمكن أن يكون الأمر أسوأ بكثير، لو فعلنا ما تريده حماس، لكان لدينا آلاف القتلى من المدنيين”.

عند النظر إلى العملية بأكملها، يكون هذا الإنجاز أكثر إثارة للإعجاب، هاجمت “إسرائيل” أكثر من 1500 هدف خلال 11 يوماً من القتال، هذا هو ما لا يقل عن 1500 قنبلة تم إسقاطها على أهداف – وفي كثير من الحالات تم استخدام أكثر من قنبلة واحدة على هدف – لضمان تدميرها.

بالنظر إلى أن غزة، بمساحة تبلغ 365 كيلومتراً مربعاً فقط، هي واحدة من أكثر الأماكن اكتظاظاً بالسكان في العالم، فقد كانت العملية إنجازاً مثيراً للإعجاب – وشهادة على الطريقة التي تعمل بها “إسرائيل” والإجراءات التي اتخذتها لتقليل الخسائر المدنية.

بينما يميل العالم إلى النظر إلى هذا الصراع من خلال الأرقام الجافة والبسيطة للأداء – كم عدد القتلى في غزة (أكثر) مقارنة بعدد القتلى في “إسرائيل” (أقل) – هذا منظور مشوه.

يجب عليها بدلاً من ذلك تقييم ما حدث بالضبط أثناء العملية – العملية العسكرية الأكثر دقة من هذا الحجم في التاريخ العسكري الحديث.

فكر في الأمر: أُسقطت أكثر من 1500 قنبلة على غزة، على 1500 هدف – وربما قتل 60 مدنياً، هذا شيء لم يتم القيام به من قبل.

هذا لا يعني أن “الجيش” لم يرتكب أخطاء، مثلما تشمل جميع الحروب أضراراً جانبية، فإن جميع الحروب بها أخطاء، ولكن عند النظر إلى الأرقام الجافة، كما يحب المجتمع الدولي، فإن ما فعله “الجيش الإسرائيلي” في مايو هو إنجاز عسكري غير مسبوق.

هذا ما يجب استكشافه، كيف فعل “الجيش الإسرائيلي” هذا؟ ما الذي جعل هذا ممكنا؟
في المحادثات مع كبار الضباط في “الجيش الإسرائيلي” وIAF والمسؤولين في الشاباك، لا توجد إجابة واحدة، بل مزيج من عدد من العوامل، بما في ذلك الاستخبارات عالية الجودة والاستخدام الحصري للذخائر الموجهة بالأقمار الصناعية والتكتيكات المبتكرة، وأخيراً مجموعة من القيم والأخلاقيات العسكرية التي يلتزم بها ضباط “جيش العدو الإسرائيلي” بجدية.

عندما يتعلق الأمر بالذخائر، فإن جميع القنابل التي أسقطها “الجيش الإسرائيلي” على غزة في حارس الأسوار كانت أسلحة ذكية، إما ذخائر JDAM أو غيرها من الذخائر الموجهة بدقة والتي تصيب أهدافها بدقة في معظم الحالات.

بالمقارنة خلال عملية الرصاص المصبوب عام 2009، ألقى “الجيش الإسرائيلي” أكثر من 5000 قنبلة على قطاع غزة، حوالي 80٪ كانت قنابل ذكية، وهو رقم كان يعتبر في ذلك الوقت غير مسبوق، خلال بداية حرب العراق عام 2003، استخدمت قوات التحالف القنابل الذكية بنسبة 68٪، وخلال حرب كوسوفو عام 1999، 35٪.

مائة بالمائة غير موجود تقريباً.

قال الملازم أوري: “أعلم أنه يمكنني الاعتماد على الأشخاص الذين ورائي والثقة بهم، أُسقط القنبلة وأضغط على زر وأعلم أن هناك أشخاصاً يفعلون ما في وسعهم للتأكد من أننا نهاجم عند الحاجة وليس عندما لا نحتاج إلى ذلك”.

ثم هناك التكتيكات المستخدمة، ولا سيما من قبل “سلاح الجو الإسرائيلي”، الذي يقوم بأغلبية الهجمات خلال هذه الأنواع من العمليات.

في 10 مايو، وهو اليوم الذي أطلقت فيه حماس صواريخ على تل أبيب، أُشعل فتيل القتال، المقدم. I. قائد مركز الإطفاء بالقيادة الجنوبية، عاد إلى سربه من طراز F-16 في رحلة تدريبية كجزء من النظام العادي الذي يقوم به الطيارون بالطيران مرة واحدة على الأقل في الأسبوع حتى عندما لا يكونون في الخدمة الفعلية.

هبط في الساعة الخامسة مساءً، وأمر بالعودة على الفور إلى مقر القيادة الجنوبية في بئر السبع، وأصدر الشاباك تحذيراً من أن الصواريخ على وشك إطلاقها على “إسرائيل”، أنا بحاجة للاستعداد.

التحذير لم يخلو من السياسة، ففي الأيام السابقة تلقى الشاباك تحذيراً من أن التصعيد قادم، حيث هدد زعيم حماس يحيى السنوار بإطلاق الصواريخ في يوم القدس إذا مضت “إسرائيل” قدماً في الاحتفالات المخطط لها بالقرب من البلدة القديمة، على عكس الشاباك لم تصدق المخابرات العسكرية أن أي شيء سيحدث، وادعى المحللون أن الحرب لن تأتي.

كانت الغرف في مركز الإطفاء- التي سُميّت بسبب المنتجات المذكورة في الكتاب المقدس – تعج بالنشاط بالفعل، عندما أطلقت حماس وابلاً من الصواريخ على تل أبيب الساعة 6:03 مساءً، صدرت أوامر الاستدعاء، في غضون ساعات قليلة كان هناك بالفعل 400 شخص يشغلون الغرف المختلفة التي سيتم توجيه الهجمات المضادة منها.

كان هناك ضباط استخبارات من وحدة 8200 في المخابرات العسكرية مسؤولون عن جمع المعلومات إلى جانب عملاء الشاباك الذين تحدثوا بانتظام مع مصادر على الأرض في غزة، كان ضباط القوات الجوية يديرون المحطات التي منحتهم صلة مباشرة بالمقر الرئيسي في تل أبيب، وحتى ضباط البحرية جاءوا للإشراف على السفن الحربية التي يتم إرسالها الآن بالقرب من ساحل غزة.

الجميع عرفوا عملهم
عملت الفرق في مناوبات، لكنها في الواقع كانت بالكاد تنام، عندما تنتهي مناوبة شخص ما، كان ذلك يعني القليل من الهواء النقي أو السكون، غالباً على كيس نوم مطوي تحت مكتب، لبضع ساعات ثم العودة إلى العمل.

كرئيس لمركز الإطفاء طار مرتين خلال العملية، كان قادراً على الحصول على نفسه في بعض العمليات العليا.

في إحدى المهام، مع ضيق الوقت بالكاد وصل إلى المطار في الوقت المناسب للإقلاع، مساعده كان ينتظره بالفعل في قمرة القيادة، قفز من السيارة وصعد مباشرة إلى قمرة القيادة.

عندما هبط وعاد في سيارته، كان المحرك لا يزال يعمل.

ما يجعل هذه المهمات معقدة هو صعوبة الحصول على معلومات استخبارية في غزة، تركت “إسرائيل” التجمعات السكانية الرئيسية في عام 1994 بموجب اتفاقيات أوسلو، وبينما بقيت داخل المستوطنات اليهودية حتى عام 2005، لم تعد موجودة في المدن، عملياً بدون اتصال يومي داخل القطاع، كان تجنيد العملاء صعباً.

لماذا اوقفت كوكاكولا اعلاناتها على منصات التواصل الاجتماعي على مستوى العالم؟

قَتَل أخته وأطلق النار على مسجد.. الحكم على متطرف نرويجي بالسجن 21 عاماً بعد رفض “مزاعم جنونه”

مسلمو الروهينجا: “بقينا في البحر لشهرين وكانت الجثث تُلقى من السفينة ليلا” 

على عكس طهران ودمشق وبيروت، لا تستقبل غزة أي سائح، الشخص الذي يبدو في غير محله قليلاً أو لديه لكنة عربية تبدو غريبة، يتم استجوابه على الفور من قبل حماس، والتي على أي حال تبحث باستمرار عن جواسيس وعملاء مزدوجين.

بسبب صعوبة جمع المعلومات الاستخبارية، طور “الجيش الإسرائيلي” والشين بيت على مر السنين نظاماً لـ “تجريم هدف”، الفكرة هي أن تكون أكثر صرامة من المعتاد، بسبب صعوبة جمع المعلومات الاستخبارية، ولكن أيضاً بسبب الاستخدام الشائع للدروع البشرية من قبل الجماعات الإرهابية المتمركزة في غزة.

على سبيل المثال إذا قدم مخبر فلسطيني تفاصيل “لإسرائيل” حول فتح نفق، فهذا لا يكفي لاعتبار الهدف متهماً وإضافته إلى البنك المستهدف “للجيش الإسرائيلي”، ويحتاج إلى مصدر ثان، كنوع من الذكاء لتأكيد الإشارة حتى يمكنه التحقق من صحة ما قاله المخبر.

تم وضع هذه القيود بعد حرب غزة عام 2014، والمعروفة أيضاً باسم عملية الجرف الصامد، والتي استمرت لمدة 50 يوماً وانتهت دون نصر حاسم، في أعقاب الحرب – التي تجادل خلالها “الجيش الإسرائيلي” والشاباك وأعضاء مجلس الوزراء الأمني ​​حول ما إذا كانت حماس فعّلت أنفاقها الإرهابية العابرة للحدود- قررت الحكومة أن الشاباك سيكون جهاز الأمن الأساسي المكلف بتقديم التقييم الاستخباري الرسمي حول غزة.

50% من الأهداف تم توفيرها من قبل الشاباك، النصف الآخر من “جيش العدو الإسرائيلي”، قبل عملية مايو، كان لدى “إسرائيل” بالفعل عدة آلاف من الأهداف في البنوك المستهدفة المعتمدة مسبقاً، وشملت المترو وأيضاً منازل الإرهابيين الآمنة ومخابئ الأسلحة وقاذفات الصواريخ وفتحات الأنفاق والمزيد.

ما فعلته “إسرائيل” هو استخدام تكتيكها الفريد “طرق الأسطح” قبل مهاجمة المباني التي تخزن فيها الجماعات الإرهابية الأسلحة أو التي تبني مراكز عمليات جنباً إلى جنب مع المدنيين في 208 حالة، استدعى الشاباك أصحاب المنازل وحذرهم من المغادرة، وهذا يعني 208 من المرات أن “إسرائيل” تخلت عن قصد عن عنصر المفاجأة حتى تتمكن من ضرب هدف مشروع دون الإضرار بالمدنيين.

وأوضح آدين الجنرال في “سلاح الجو الإسرائيلي” والمسؤول عن قسم طائرات الهليكوبتر: “أن كل عملية كهذه تتضمن مئات الساعات من التخطيط حتى يتم إصدار أمر بالتصرف، نخطط للعملية ونتفحص الذخائر التي سنحتاجها ونقوم بتدريب الطيارين ونتحقق من كل شيء – من المعلومات الاستخباراتية إلى الصيانة”.

إنه جهد شاق يستمر طوال الوقت، مع توقع حدوث حرب أخرى في يوم من الأيام، تحتاج “إسرائيل” دائماً إلى الاستعداد.

المصدر/ الهدهد

شاهد أيضاً

بينما نتنياهو مشغول بمذكرة الاعتقال: يستمر بينيت بالتقدم

ترجمة : امين خلف  الله  معاريف موشيه كوهين استطلاع “معاريف”: تزامنا مع أنباء عن تسوية …

%d مدونون معجبون بهذه: