الرئيسية / العالم / الطائرات الإيرانية بدون طيار تعمل على تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط

الطائرات الإيرانية بدون طيار تعمل على تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط

ترجمة الهدهد

دكتور عوزي روبين/متخصص في التهديد الصاروخي والدفاع الصاروخي
مركز القدس للاستراتيجية والأمن

إن أداء الطائرات بدون طيار الإيرانية ومهارة عناصرها اللافتة للنظر تجعلها تشكل تهديدًا استراتيجيًا من الدرجة الأولى لـ “إسرائيل”، تهديدًا لا يقل في شدته عن تهديد القذائف والصواريخ من إيران وحلفائها.

لسنوات عديدة، تعمل إيران على تطوير وتشغيل المركبات الجوية غير المأهولة (الطائرات المسيرة) ذات القدرات المتنوعة: من الطائرات بدون طيار الكبيرة والطويلة المدى للمراقبة والهجوم الأرضي إلى الطائرات بدون طيار “الانتحارية”، وهي بسيطة وصغيرة نسبيًا.

حتى وقت قريب، كان يُنظر إلى تهديد الطائرات بدون طيار الإيرانية كعنصر مهم ولكنه ليس عنصرًا حاسمًا في بناء سلطة طهران، حيث كان التهديد العسكري الرئيسي وما يزال تهديد القذائف والتهديد الصاروخي من إيران نفسها ومن حلفائها في العراق واليمن وسوريا ولبنان وغزة.

يبدو أن هذا التصور قد تغير مؤخرًا، وهو تغيير وجد تعبيراً له في كل من وسائل الإعلام “الإسرائيلية”، وفي تصريحات كبار المسؤولين الحكوميين في “إسرائيل” وفي وسائل الإعلام العالمية، حيث صرح المراسل العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هرئيل في مقال نُشر في يوليو من هذا العام، أن “إيران وجدت في الطائرات بدون طيار[1] ردًا جزئيًا على الميزة الجوية الإسرائيلية”، مضيفًا أن “الجيش الإسرائيلي” منزعج من أن هذه القدرة التي وصلت إلى المزيد والمزيد من التنظيمات التابعة لايران ”.[2]

بعد عدة أشهر، تم التعبير عن هذا القلق على لسان قيادات سياسية رفيعة المستوى في “إسرائيل”، في خطاب ألقاه في 12 سبتمبر 2121 في مؤتمر معهد سياسات مكافحة الإرهاب في جامعة رايشمان، صرح وزير الجيش بني جانتس أن “إحدى الأدوات المهمة التي طورتها إيران هي نظام الطائرات بدون طيار”، وبحسب الوزير، فإن هذه “مجموعة أسلحة مميتة ودقيقة، مثل الصواريخ الباليستية أو الطائرات، يمكن أن تعبر آلاف الكيلومترات، والإيرانيون يصنعون ويصدرون هذه الطائرات لمبعوثيهم ( تنظيمات تتلقى الدعم من ايران)ويعملون بالتنسيق معهم وبقيادة سلاح الجو وفيلق القدس التابع للحرس الثوري “.[3]

وهذا ما قام به رئيس الوزراء نفتالي بينت، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27.9.2021. “هذا العام فقط، بدأت إيران في إطلاق وحدة فتاكة جديدة – أسراب من الطائرات بدون طيار مسلحة بأسلحة فتاكة يمكنها مهاجمة أي مكان وفي أي وقت.”

وأضاف “رئيس الوزراء”: “إيران استخدمت بالفعل الطائرات بدون طيار القاتلة المعروفة باسم ‘شهد 136’ لمهاجمة السعودية وأهداف أمريكية في العراق وسفن مدنية في البحر”.

وحذر رئيس الوزراء من أن “إيران تعتزم تسليح حُلفائها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان بالمئات ثم بالآلاف من هذه الطائرات بدون طيار”.[4]

يشار إلى أن “رئيس الوزراء” لم يذكر في خطابه التهديد بالصواريخ الإيرانية.

ومن خلال تصريحاته وتعليقات وزير الجيش المذكورة أعلاه، يمكن للمرء أن يتعرف على القلق المتزايد بشأن تهديد الطائرات بدون طيار الإيرانية، تهديد ليس بجديد ولكن يبدو أنه وصل مؤخرًا إلى “كتلة حرجة” تعادل التهديد النووي والتهديد الصاروخي المتزايد من إيران ومبعوثيها في المنطقة.

يبدو أن نظام الطائرات بدون طيار الإيراني قد حظي مؤخرًا باهتمام متزايد في دوائر الحكومة الأمريكية، ويُستشهد على ذلك بمقال نُشر مؤخرًا بعنوان “طهران تستخدم مكونات جاهزة لإنتاج طائرات بدون طيار مسلحة تتحدى الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة” مصادر في الولايات المتحدة وأوروبا و”إسرائيل” تؤكد أن قدرات إيران سريعة النمو في البناء وتطوير طائرات بدون طيار، “يغيرون التوازن العسكري في المنطقة” [5]

بعد يوم 21 أكتوبر 2121، هاجمت طائرات بدون طيار إيرانية الصنع القوات الأمريكية في قاعدة التنف السورية، وفرضت الإدارة عقوبات على الأفراد والمؤسسات المرتبطة بصناعة الطائرات بدون طيار الإيرانية،[6] لذلك يبدو أن هناك إجماعًا بين “إسرائيل” والولايات المتحدة بشأن خطورة التهديد.

تطوير التهديد

حقيقة أن الإيرانيين يطورون ويعملون بمفردهم ويزودون مبعوثيهم في المنطقة بطائرات بدون طيار ليست بالأمر الجديد حيث اخترقت الطائرات بدون طيار الإيرانية الصنع التي يديرها حزب الله سماء “إسرائيل” منذ حوالي 16 عامًا، حتى قبل حرب لبنان الثانية.

في يوليو / تموز 2006، في خضم تلك الحرب، أطلق حزب الله ثلاث أو أربع طائرات بدون طيار مسلحة برؤوس حربية باتجاه وسط البلاد أحدها فشلت تقنيًا وسقط بالقرب من الحدود، واثنان آخران تم اعتراضهما وإسقاطهما بواسطة طائرة تابعة لسلاح الجو من طراز F16.

في السنوات التالية، كانت هناك عدة محاولات أخرى من قبل طائرات بدون طيار تابعة لحزب الله للتسلل إلى الأراضي “الإسرائيلية”، وانتهت بالإطاحة بها.

الإيرانيون أنفسهم حاولوا التسلل إلى “إسرائيل” بطائرات بدون طيار أقلعت من قواعدهم في سوريا، في مناسبتين على الأقل، إحداها، في فبراير 2018، أسقطتها مروحية قتالية تابعة للقوات الجوية؛ والأخرى، التي أقلعت من العراق خلال عملية ” حارس الاسوار” معركة سيف القدس” في مايو من هذا العام، والتي تم إسقاطها أيضًا (على الرغم من عدم الكشف عن سبب إسقاطها).

لطالما عمل “المبعوثون الإيرانيون” في غزة على طائرات بدون طيار ذاتية الصنع وفقًا للخطط الإيرانية، أيضًا في عملية “عامود السحاب”” العدوان على غزة في عام 2012″، دمر “الجيش الإسرائيلي” طائرة بدون طيار تابعة لحماس كانت على وشك الإقلاع من مدرج في قطاع غزة.

خلال عملية ” الرصاص المصبوب”” العدوان على غزة في عام 2014″، تم إطلاق العديد من الطائرات بدون طيار التابعة لحماس باتجاه وسط الكيان، وأسقطت طائرتان أو ثلاث منها بصواريخ باتريوت.

في عملية ” حارس الاسوار” معركة سيف القدس” في مايو 2021، تم إطلاق خمسة أو ستة أنواع جديدة من الطائرات بدون طيار الفلسطينية التي لم يتم رؤيتها حتى الآن في غزة (ولكن شوهدت سابقًا في اليمن ولبنان) على أهداف في “الأراضي الإسرائيلية “، ربما في المستوطنات القريبة من قطاع غزة، وقد تم إسقاط معظمها بواسطة نظام “القبة الحديدية”، الذي أصبح يملك القدرة مؤخرًا على اعتراض الطائرات بدون طيار بالإضافة إلى اعتراض الصواريخ.

وزعمت حماس، أن إحدى طائراتها بدون طيار اخترقت أنظمة “الدفاع الإسرائيلية” وأصابت “مصنع كيماويات” في “إسرائيل” ويظهر مقطع فيديو نشرته حماس لطائرة بدون طيار تهاجم محيط مصنع نيرلات في كيبوتس نير عوز، على بعد حوالي ثلاث كيلومترات من حدود غزة.

ولسنوات عديدة، أثبتت قدرة الطائرات بدون طيار الإيرانية ومهارة عملائها بشكل جيد في سماء المملكة العربية السعودية والخليج العربي والعراق وسوريا، وفي السنوات الأخيرة، تم استخدام الطائرات بدون طيار الإيرانية على نطاق واسع في العديد من العمليات، بما في ذلك الهجمات الانتقامية على تجمعات داعش في سوريا، ومساعدة قوات الأسد الحاكم في حربه ضد المتمردين، ومهاجمة المدن – بما في ذلك العاصمة الرياض – والمنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية، واستهداف واغتيال قادة  في الجيش اليمني الرسمي  الذي يقاتل المتمردين الحوثيين وفي كثير من المعارك في اليمن استخدم الحوثيين الطائرات بدون طيار التي هربتها السرايا التابعة لفيلق القدس إليها، كل هذا لم يجذب الكثير من الاهتمام في “إسرائيل” أو حول العالم، لكن تغير الوضع تمامًا بعد الهجوم على منشآت أرامكو النفطية في سبتمبر 2019.

في عملية جيدة التخطيط تم إخفاؤها بنجاح عن جميع أذرع المخابرات في العالم (بما في ذلك المخابرات الإسرائيلية)، تسببت أقل من 30 طائرة إيرانية بدون طيار في أضرار جسيمة لمنشآت النفط الرئيسية في المملكة العربية السعودية، مما أدى إلى خفض قدرة إنتاج النفط في المملكة إلى النصف لعدة أشهر.

هذه العملية الرائعة، التي كانت نوعًا من “بيرل هاربور”، لعبت دور البطولة فيها طائرات بدون طيار من نوع “شهد 136″، وهو نفس النوع الذي ذكره رئيس الوزراء بينيت في خطابه في الأمم المتحدة، حيث وصلت أسراب الطائرات بدون طيار الإيرانية إلى أهدافها في أعماق السعودية في مفاجأة تامة، دون أن ترصدها في الوقت المناسب أنظمة الدفاع الجوي السعودية التي تحمي هذه المنشآت النفطية، ودون أي محاولة لاعتراضها، وكان هجماتهم تجاه منشآت معينة داخل مواقع النفط مذهلاً في دقتها.[7]

هجوم إيراني بطائرات بدون طيار على سفينة ميرسر ستريت

بعد ما يقرب من عامين، في يوليو 2021، عادت الطائرات بدون طيار الإيرانية إلى قمة عناوين الصحف العالمية في عملية هي الأولى من نوعها: إصابة هدف بحري أثناء تحركها بواسطة طائرة بدون طيار “انتحارية”، حيث تعرضت ناقلة النفط في ميرسر سترتي (Mercer Street)، التي كانت تبحر في طريقها من ميناء دار السلام في تنزانيا إلى ميناء الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة، لهجوم في 29 يوليو / تموز 211 بواسطة طائرات بدون طيار لا تحمل علامات تعريف وطنية.

وبحسب التقارير الواردة من “مصادر إسرائيلية”، تعرضت السفينة للهجوم مرتين على الأقل وربما ثلاث مرات، وقد  فشلت الهجمات الأولى وأخطأت الطائرات بدون طيار المهاجمة السفينة، ولكن بعد بضع ساعات، في الهجوم الثاني (أو الثالث)، ضربت الطائرة بدون طيار المهاجمة سطح جسر قيادة السفينة بدقة، وقد قُتل في هذا الهجوم قبطان السفينة البريطاني ومواطن روماني كان ضمن طاقمها الأمني، وقد واصلت السفينة المتضررة في طريقها إلى الفجيرة  برفقة سفن حربية أمريكية وعند  عند وصولها إلى وجهتها، أجرت القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) تحقيقًا شاملاً وعرضت بعض نتائجه على وسائل الإعلام، حيث  تم العثور على شظايا الطائرات بدون طيار التي تم جمعها من السفينة المتضررة لتكون مماثلة تمامًا لشظايا الطائرة بدون طيار 136 التي ظهرت في الهجوم على منشآت النفط السعودية في سبتمبر 2019، وهذا يثبت الارتباط الإيراني بهذا الهجوم، والقت الولايات المتحدة وبريطانيا ورومانيا و”إسرائيل” رسمياً المسئولية عن الهجوم على إيران.

وتحمل السفينة “ميرسر ستريت” المملوكة لليابان علم ليبري وتديرها شركة “ماريتيم زودياك” ومقرها لندن لكنها مملوكة لرجل “الأعمال الإسرائيلي” إيال عوفر، وقد  أثار الارتباط “الإسرائيلي” بالسفينة التي تعرضت للهجوم الافتراض بأنها عملية إيرانية ضد “إسرائيل”، كجزء من الحرب السرية المستمرة منذ بعض الوقت بين البلدين، وقالت مصادر إعلامية في إيران، إن الهجوم على السفينة جاء ردا على الهجمات “الإسرائيلية “على أهداف إيرانية في سوريا، لكن الحكومة الإيرانية نفت أي صلة لهذا الهجوم الذي وصفته بعض وسائل الإعلام الدولية بأنه عمل إرهابي. .

كما في حالة الهجوم على المنشآت النفطية قبل عامين، لم يتم العثور هذه المرة على أي دليل يمكن أن يشير إلى أن الهجوم كان عملية عسكرية إيرانية، حيث لا يمكن إثبات مكان انطلاق الطائرات بدون طيار المهاجمة.

وقت الهجوم كانت السفينة تبحر موازية لساحل عمان وعلى مسافة نحو 480 كيلومترا من أقرب ساحل إيراني كانت المسافة من قاعدة القوات الجوية الإيرانية إلى عوميديا ​​، التي خرجت منها الطائرات بدون طيار التي هاجمت منشآت النفط السعودية، قريبة من 1500 كيلومتر – ضعف المسافة التي قطعتها الطائرات بدون طيار في طريقها لمهاجمة السعودية قبل نحو عامين.

وأشار مصدر إعلامي غربي إلى أن الهجوم جاء من منطقة يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، لكن المسافة من اليمن الحوثي إلى نقطة الهجوم قبالة سواحل عمان أكثر من 1700 كيلومتر.

من المحتمل أنه إذا كان الهجوم قد غادر اليمن، لكانت السفينة قد تعرضت للهجوم في أقرب نقطة من طريق السفينة، في طريقها من دار السلام إلى الخليج العربي، وهي نقطة كانت إلى الشرق قليلاً من جزيرة سكوتورا وحوالي 1300 كم “فقط” من صنعاء.

لذلك من المنطقي أن نفترض أن الهجوم جاء من الأراضي الإيرانية، ربما من قاعدة سلاح الجو الإيراني في بندر عباس، على مسافة حوالي 770 كيلومترًا من نقطة الهجوم، هذه المسافة تشبه إلى حد بعيد المسافة التي قطعتها الطائرات بدون طيار الإيرانية في طريقها لمهاجمة المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية.

لذلك يمكن اقتراح فرضيتين: الأولى، أن مدى طائرة شهد 136 لم يتغير منذ الهجوم على المنشآت النفطية وظل ضمن مدى 700 إلى 1000 كيلومتر والهجوم جاء من قاعدة إيرانية على مسافة مناسبة، والفرضية الثانية هي أن مدى الشهد 136 قد تضاعف منذ الهجوم في المملكة العربية السعودية ويبلغ الآن حوالي 1500 كيلومتر، وأن مضاعفة النطاق جعلت من الممكن شن الهجوم من قاعدة عوميديا ​​في خوزستان حتى الخليج العربي..

الخيار الثاني مهم للغاية بالنسبة “لإسرائيل”، لأنه إذا تم إعطاء مثل هذا المدى لشهد 136، فيمكن مهاجمة أهداف بما فيها “إسرائيل” من إيران نفسها (أقرب نقطة من الحدود الإيرانية إلى إسرائيل هي 1200 كم)، ولعل هذا ما قصده وزير الجيش جانتس عندما أشار إلى الطائرات الإيرانية بدون طيار على أنها “سلاح فتاك يمكنه عبور آلاف الكيلومترات”.

وعلى الرغم من أن عدد الطائرات بدون طيار التي شاركت في الهجوم على سفينة ميرسر ستريت   اثنتان أو ثلاث فقط  كان أقل بكثير من عددها في الهجوم على منشآت النفط السعودية، إلا أن العملية الإيرانية هذه المرة لم تكن أقل إثارة للإعجاب من الناحية التشغيلية والفنية، ولم يجد الإيرانيون صعوبة في التعرف على السفينة من السفن الأخرى على ممر الشحن القادم من الخليج العربي لأن السفن التجارية تبث مواقعها في جميع الأوقات، ومع ذلك، فإن القدرة على اعتراضها والتسبب في اصطدام الطائرة بدون طيار بها بدقة أثناء الحركة يعد إنجازًا رائعًا، ومن ناحية أخرى، يتطلب هذا القدرة على تحديد موقعه أثناء الحركة، ربما باستخدام مستشعرات بصرية ذاتية بدون طيار أو توجيه من طائرة بدون طيار أخرى تبحر فوق منطقة الحدث، وخلافا للهجوم على المنشآت النفطية، تم الهجوم على سفينة ميرسر ستريت في وضح النهار، حيث يمكن الافتراض أن السبب في ذلك هو الحاجة إلى تحديد موثوق للسفينة من أجل منع الهجوم على  سفينة غير ذات علاقة، وإذا كانت هذه الفرضية صحيحة، فإنها تشير إلى الاتصال في الوقت الحقيقي والتحكم من قبل المشغلين الإيرانيين، ومثل هذه القدرة على بعد مئات الأميال على الأقل من نقطة انطلاق الهجوم مثيرة للإعجاب في حد ذاتها.

ربما كان الهجوم على سفينة ميرسر ستريت جزءًا من خطة هجومية أوسع نطاقًا لم تخرج للتنفيذ في نهاية المطاف.

بعد خمسة أيام من الهجوم على سفينة ميرسر ستريت، استولت مجموعة من المسلحين على سفينة أخرى لا علاقة لها “بإسرائيل”، وهي Asphalt Princess، والتي كانت أيضًا في طريقها إلى ميناء الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة وعلى بعد حوالي 90 كيلومترًا شرقًا منه، وأمر المسلحون، الذين تحدثوا بالفارسية مع بعضهم البعض، السفينة بالإبحار باتجاه إيران، وبعد حوالي ساعة غادر المسلحون السفينة دون أي تفسير.

السفينتان – ميرسر ستريت وAsphalt Princess – لديهما تشابه خارجي عام، ونفت الحكومة الإيرانية أي تورط لها في الحادث لكنها قالت إنها مستعدة لإرسال قوات “لمساعدة” السفينة.

في الوقت نفسه، أبلغت عدة سفن في المنطقة عن حدوث اضطرابات في الاتصالات، هل كانت هناك نية إيرانية لخطف سفينة ميرسر ستريت؟ لا يوجد دليل يشير إلى ذلك، ولكن يمكن التكهن بإلغاء عملية أوسع نطاقا خطط لها الإيرانيون، ربما بسبب مقتل مدنيين غير متورطين على متن سفينة ميرسر ستريت.

كانت حادثة يوليو من هذا العام غير مسبوقة:  فقد هاجم الإيرانيون ست ناقلات نفط بالقرب من ميناء الفجيرة في حالتين سابقتين على الأقل، في مايو ويونيو 2019، وفي جميع هذه الحالات، يبدو أن الهجوم الذي نفذته القيادة البحرية للحرس الثوري، مع الحرص على إحداث إصابات طفيفة نسبيًا ومنع الخسائر في الأرواح بين أطقم السفن التي تم مهاجمتها، فربما أدى قتل مواطني الدول التي لها علاقات دبلوماسية مع إيران على متن سفينة ميرسر ستريت  إلى قيام الحكومة الإيرانية بوقف عملية أوسع كان من الممكن أن تؤدي إلى تعقيدات دبلوماسية مع دول لا مصلحة لهذه الحكومة في الخلاف معها.

ولم يكن هجوم ميرسر ستيرت أول هجوم إيراني على سفن مرتبطة بـ”إسرائيل”، وفي 26 فبراير من هذا العام، تعرضت سفينة الشحن الإسرائيلية “هيليوس راي” (Helios Ray),وهي في طريقها من دبي إلى ميناء الفجيرة لهجوم أجبرتها الأضرار التي لحقت بالسفينة على العودة إلى دبي لإصلاحها، و بعد أقل من شهر، في 25 مارس، تعرضت سفينة “لوري”(Lory)، وهي سفينة حاويات مملوكة لشركة إسرائيلية، للهجوم أثناء إبحارها في بحر العرب في طريقها إلى ميناء جوجارات في الهند، ولم تقع اصابات  فقط اضرار طفيفة والسفينة واصلت طريقها.

بعد حوالي ثلاثة أسابيع، في 13 أبريل / نيسان، تعرضت سفينة “هايبيريون راي”(Hyperion Ray)، وهي أيضًا سفينة مملوكة لمركبات مملوكة لإسرائيليين، للهجوم أثناء إبحارها في خليج عمان في طريقها إلى ميناء الفجيرة، وبحسب أصحاب السفن، لم تقع إصابات أو أضرار جراء هذا الهجوم.

نفذ الهجوم الأول في هذه السلسلة على “هيليوس راي” بربط ألغام صغيرة فوق خط الماء، وهي تقنية تخصص فيها الإيرانيون خلال هجومهم على خزانات النفط عام 2019، ومن جهة أخرى، نفذت الهجمات الأخيرة بطريقة أخرى حيث افادت التقارير  الأولي أن السفن تعرضت للقصف بالصواريخ، ولكن أفادت وسائل الإعلام مؤخرًا أن الهجوم على “هايبريون راي” – الثالث في سلسلة الهجمات على السفن المتعلقة ب”إسرائيل” – كان بطائرة مسيرة إيرانية، و يبدو أنه كان هناك “منحنى تعليمي” سريع إلى حد ما هنا، حيث تم تحقيق النجاح الأول في المحاولة الثالثة لضرب طائرة بدون طيار “انتحارية” على هدف بحري متحرك.

خصائص تهديد الطائرات بدون طيار وصعوبة التصدي لها

بالإضافة إلى هذه العمليات البرية والبحرية المثيرة للإعجاب، كانت الطائرات بدون طيار الإيرانية وما زالت تعمل بشكل شبه يومي على أهداف سعودية في جنوب ووسط المملكة، حيث هاجمت القوات الأمريكية في العراق وسوريا (7 مرات على الأقل هذا العام) وتسللت إلى “إسرائيل” من وقت لآخر، إن أداء الطائرات بدون طيار الإيرانية والمهارة الرائعة لعملائها يحولونها بشكل متزايد إلى تهديد استراتيجي من الدرجة الأولى “لإسرائيل”، وهو تهديد لا يقل في شدته من تهديد القذائف والصواريخ من إيران ومبعوثيها. (تنظيمات تتلقى الدعم من إيران)

في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من هذا العام، أشار رئيس الوزراء بينيت صراحة إلى الهجوم على سفينة ميرسر ستريت كدليل على مركزية التهديد الذي تشكله الطائرات بدون طيار الإيرانية، وتفصيل خصائص التهديد: في اليمن والعراق وسوريا، ولبنان بهدف مهاجمة إسرائيل، ومن أجل إثبات أهمية هذا التهديد، يجب فحص الأهمية المركزية المتزايدة لأسلحة الطائرات بدون طيار في عقيدة إيران للحرب، ولكن من أجل القيام بذلك، يجب علينا تحديد “ما هي ” الطائرة بدون طيار” في حالتنا.

ومثلما تأتي الطائرات المأهولة في مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأبعاد والأداء والدفع – من “سيسنا” ذات المقعد الواحد والمجهزة بمكبس ومحرك مروحة إلى “بوينج” التي تحمل مئات الركاب عبر المحيطات، للقاذفات النفاثة العابرة للقارات مثل الأمريكية B52 – هكذا في عالم الطائرات بدون طيار “: التنوع لا نهاية له تقريبًا، ومن الناحية النظرية، فإن أي طائرة قادرة على الطيران المستقر إلى أي مسافة بدون طيار هي طائرة بدون طيار، من الطيارين الهواة الذين يعملون بمحركات مكبس صغيرة، إلى المروحيات الصغيرة – “الحوامات ” – التي يمكن شراؤها من متاجر الألعاب، إلى الطائرات العملاقة التي تعمل عن بعد مثل جلوبال هوك (جلوبال هوك) الأمريكي الذي أسقطت  بصاروخ إيراني في يونيو 2019 فوق مضيق هرمز.

مصطلح “الطائرات بدون طيار” غير واضح بشكل أكبر بسبب التداخل مع مصطلح “صاروخ كروز” ” صواريخ موجهة “، وهو أيضًا طائرة بدون طيار ولكنها مزودة بمحرك نفاث.

تمتلك إيران على الأقل نموذجين من الطائرات بدون طيار التي تعمل بمحركات نفاثة صغيرة، وتميل وسائل الإعلام إلى تسميتها ” صواريخ موجهة ” وليس “طائرات بدون طيار”. في هذا المقال، لن نتعامل مع الطيارين والطائرات الشراعية، وسنتعامل مع جميع الطائرات بدون طيار الإيرانية على أنها طائرات بدون طيار، سواء كانت تعمل بالمراوح أو المحركات النفاثة.

على غرار “إسرائيل” والولايات المتحدة، كانت الأجيال الأولى من الطائرات بدون طيار الإيرانية مخصصة للدوريات والمراقبة، وهي تحمل نظام كاميرات فيديو تنقل صورًا متحركة للمنطقة التي تجولت فوقها، فقد تم تثبيت ناقلات تحمل أسلحة بصرية دقيقة التركيب في وقت لاحق على أجنحة هذه الطائرات بدون طيار لمهاجمة الأهداف المكتشفة بمساعدة كاميرات الفيديو هذه.

وفي مرحلة لاحقة، عندما أصبحت تقنيات الملاحة عبر الأقمار الصناعية (نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) ونظرائه في روسيا والصين وأوروبا) أكثر سهولة وأرخص، قام الإيرانيون بتحويل بعض طائراتهم بدون طيار من طراز أبسط إلى طائرات بدون طيار “انتحارية”، أي، الطائرات بدون طيار التي لا تطلق تسليحا دقيقا تجاه أهدافها بل تغوص هي نفسها وتنفجر عليها.

 تحظى الطائرات بدون طيار “الانتحارية” بشعبية خاصة بين الإيرانيين، حيث يمكن إنتاج النماذج الأبسط في ورش العمل المحلية لمبعوثيها (تنظيمات تتلقى الدعم من إيران) في الشرق الأوسط ومن بينهم حماس والجهاد الإسلامي في غزة

ويكشف المقال المذكور أعلاه أن الإيرانيين يشترون مكونات جاهزة ومواد تجارية لا تخضع للإشراف الدولي لإنتاج الطائرات بدون طيار، على سبيل المثال، تباع في سلسلة “علي بابا” بسعر 500 دولار لكل وحدة ويتم شراؤها بانتظام من قبل الهواة الذين يصنعون ويطيروا نماذج مصغرة من الطائرات التاريخية في الولايات المتحدة والغرب، كما يتم انتاج محركات المستخدمة لتوجيه هذه الطائرات بدون طيار في صناعة الألعاب في كوريا الجنوبية كما ان أحد المكونات الهامة الموجودة في بقايا الطائرات بدون طيار شهد 136 التي هاجمت منشآت النفط السعودية صنعت في السويد، وتستخدم في صناعة المواد الغذائية، ويمكن تنزيل برنامج الملاحة والتحكم التجريبي للمركبات غير المأهولة التي تم إنشاؤها وصيانتها بواسطة هواة مجانًا من موقع ArduPilot.[8]

قد يكون تصنيع مثل هذه الطائرات بدون طيار أرخص وأبسط من إنتاج صواريخ دقيقة، لذا فإن استخدامها في مناطق القتال آخذ في الازدياد، وقد استخدم الحوثيون في اليمن الصواريخ في البداية لضرب المدن الجنوبية في المملكة العربية السعودية، لكن في السنوات الأخيرة استخدموا بشكل متزايد الطائرات بدون طيار، ليس فقط لأن أنظمة الدفاع السعودية تواجه صعوبة أكبر في اعتراضها، ولكن أيضًا لأنها أسهل وأبسط في الانتاج و بكميات.

بعد الحرب في ناغورنو كاراباخ في أكتوبر 2020، والتي هزمت فيها الطائرات بدون طيار التركية والإسرائيلية الأذربيجانية الجيش الأرميني، قدم الإيرانيون عرضًا ضخمًا للطائرات بدون طيار من العائلات الثلاث – المراقبة والهجوم و “الانتحار” – لإظهار التركيز المتزايد على الأسلحة.. إنه في بناء القوة للجمهورية الإسلامية.

وكما قال مسؤول إيراني كبير في صحيفة وول ستريت جورنال، فإن تطوير الأسلحة النووية استغرق سنوات بينما استمر تطوير الطائرات بدون طيار بضعة أشهر فقط.

الطائرات بدون طيار تغير التوازن العسكري في الشرق الأوسط.

العيب الرئيسي للطائرة بدون طيار الهجومية أو الانتحارية مقارنة بالصواريخ والقذائف هو صغر سعة حمل المواد المتفجرة، فالصواريخ الثقيلة مثل “زلزال ” الإيراني، أو نسختها بالضبط، “فتح  110” بأجيالها المختلفة، تحمل رأسًا حربيًا نصف طن أو أكثر ؛ من جهة أخرى، حملت طائرات “شهد 136” بدون طيار التي أصابت منشآت النفط في إيران والسفينة “ميرسر ستريت” رؤوسًا حربية زنتها 20 كيلوغرامًا فقط.

من ناحية أخرى، فإن جميع الطائرات بدون طيار الانتحارية الإيرانية هي أسلحة دقيقة قادرة على إصابة أهداف بعيدة بدقة متر أو مترين، ويمكن أن يصل الضرر التراكمي من رؤوسهم الحربية الصغيرة إلى أبعاد حرجة، كما ثبت في المملكة العربية السعودية.

تتمتع الطائرات بدون طيار بميزة أخرى تتمثل في عدم إمكانية التنبؤ مسبقًا بالاتجاه الذي ستأتي منه، فيما يتعلق بصواريخ حماس وحزب الله، فمن الواضح أن اتجاه تحليقهم سيكون من منصات الإطلاق إلى داخل “الأراضي الإسرائيلية” هذا يسهل الحماية ضدهم، لأنه من الممكن الاكتفاء بالحماية “القطاعية”” المناطقية” التي تركز على التهديد من الجنوب أو الشمال.

هذا ليس هو الحال في عالم الطائرات بدون طيار، حيث يمكن للطائرات بدون طيار، مثل الطائرات، أن تتحرك في أي مسار يختاره مشغلوها لهم كما يمكن لطائرة بدون طيار من غزة تهاجم تل أبيب، على سبيل المثال، أن تصل من الشمال إذا كان لديها مدى كافٍ “لتجاوز” المدينة والوصول إليها من الاتجاه المعاكس للاتجاه الذي أقلعت منه.

عندما يتعلق الأمر بالطائرات بدون طيار، يلزم حماية المحيط وليس الحماية “القطاعية”” المناطقية”، مما يجعل من الصعب تحديد موقعها والقضاء عليها.

علاوة على ذلك، تتميز الطائرات بدون طيار مثل شهد 136 بخصائص مراوغة تجعل الاكتشاف والاعتراض أكثر صعوبة: فهي طائرات صغيرة جدًا ذات توقيع رادار منخفض.

يتم دفع هذه الطائرات بواسطة محركات مكبسية صغيرة مزودة بمراوح ولا تنبعث منها حرارة كبيرة يمكن الشعور بها من مسافة بوسائل بصرية.

إنها تطير ببطء شديد وعلى ارتفاعات منخفضة جدًا، تواجه أنظمة الدفاع الجوي التي تهدف إلى اكتشاف طائرات هجومية كبيرة نسبيًا تطير بسرعة وعالية صعوبة في اكتشافها، كما حدث على الأرجح في المملكة العربية السعودية وناغورنو كاراباخ.

لا يتم إطلاق الطائرات بدون طيار في “حزم” مثل الصواريخ، وبالتالي تطير باتجاه الهدف بشكل مستقل، مما يجعل من الممكن اعتراضها واحدة تلو الأخرى بسهولة أكبر.

للتغلب على هذا العيب، تم تطوير طرق لتحليق الطائرات بدون طيار في “أسراب” أي في مجموعات حيث تتم مزامنة كل طائرة بدون طيار مع زملائها من الطائرات بدون طيار في “سرب”.

يصل “السرب” بأكمله إلى الهدف دفعة واحدة، وبالتالي يشبع قدرة الدفاع على الاعتراض. هذا التكتيك المتمثل في إطلاق الطائرات بدون طيار على “أسراب” سبق أن أظهره الإيرانيون في هجوم على منشآت نفطية في المملكة العربية السعودية، حيث انفجرت  جميع الطائرات بدون طيار وضربت أهدافها في غضون دقائق، و أظهر الإيرانيون هذه القدرة علنًا في مناورة عسكرية مكثفة (تمرين “الرسول العظيم 15”) التي أجريت في يناير من هذا العام، حيث قامت بمناورة ل “سرب” من أربع طائرات بدون طيار من نوع شهد 136 حلقت في مبنى  مزدحم و “انتحرت”” انفجرت”  في الحال، مع كل طائرة بدون طيار اصطدمت  وتحطمت على هدف درع أو مركبة بينما أظهرت دقة مذهلة.

لذلك فإن السمتين الرئيسيتين لتهديد الطائرات بدون طيار الإيرانية “لإسرائيل” هما: إطلاق مئات وآلاف الطائرات بدون طيار التي تعمل في “أسراب” متزامنة – كما جاء في خطاب رئيس الوزراء في الأمم المتحدة.

تغيير في ميزان القوى في الشرق الأوسط؟

إذا استنتجنا من نجاحات الطائرات بدون طيار الإيرانية في المملكة العربية السعودية وتلك التي حققتها أذربيجان في حرب ناغورنو كاراباخ، فسيكون لدى المبعوثين (تنظيمات تتلقى الدعم من ايران) الإيرانيين خلال الحرب طائرات بدون طيار من الأنواع الهجومية والانتحارية التي يمكن أن تضرب أهدافًا حرجة في “إسرائيل”، مثل مخازن الطوارئ وتجمعات العربات المدرعة، كما سيكون لديهم أيضًا القدرة على ضرب قوات “الجيش الإسرائيلي” أثناء الحركة، وبالتالي تعطيل المناورات الأرضية.

كما سيكون لديهم القدرة على محاولة إلحاق الضرر بأنظمة الدفاع الجوي “للجيش الإسرائيلي”، من المحتمل أن الضرر المحتمل للقدرة القتالية “الإسرائيلية” من أسراب المئات والآلاف من الطائرات بدون طيار الدقيقة يمكن أن يكون معادلاً للضرر الصاروخي والقذائف.

يبدو أن هناك خلافًا بين كبار القادة السياسيين والأمنيين حول الأهمية الاستراتيجية لتطور التهديد الإيراني للطائرات بدون طيار، وبحسب مصدر عسكري في “إسرائيل”، نُقل في مقال بقلم عاموس هارئيل في صحيفة “هآرتس” في يوليو الماضي، “لا يوجد هنا “كاسر التعادل”، لأن الطائرات بدون طيار مخصصة للمضايقة والجمع والردع وليس للنصر”.

ليس من المؤكد أن الأرمن، الذين هُزموا بعد ان دمرت بطاريات الدفاع الجوي ودباباتهم بالكامل تقريبًا بواسطة الطائرات بدون طيار في حرب ناغورنو كاراباخ، سيوافقون على هذا البيان.

في ذلك الوقت، أدلى “الجيش الإسرائيلي” بتصريحات مماثلة حول التهديد بالصواريخ وعارض تطوير أنظمة دفاع نشطة ضدها. لا يبدو أن المستويات السياسية تشارك التقدير المخفف الذي عبر عنه نفس المصدر العسكري، ولذلك وجدوا أنه من المناسب التعبير عن قلقهم في المنتديات بالخطب الرنانة.

حقيقة أن رئيس الوزراء بينيت كرس في خطابه في الأمم المتحدة نفس الاهتمام والوقت تقريبًا للتهديد الإيراني للطائرات بدون طيار كما كرسه للتهديد النووي، قد يعني ضمنيًا أنه يراها أكثر من كونها “مضايقات وللجمع وللردع” ولكنها حقيقية تهديد استراتيجي، ومن الممكن أن يكون “الجيش الإسرائيلي” قد أعاد النظر بالفعل في هذه القضية، ذكر تقرير على موقع YNET على الإنترنت عن التدريبات الجوية الدولية التي جرت في أكتوبر 2021 في “إسرائيل” أن “القوات الجوية تتابع اتجاهين مقلقين أدخلهما الإيرانيون في الشرق الأوسط: البطاريات الإيرانية المضادة للطائرات وزيادة استخدام الطائرات بدون طيار.[9]

في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، ورد أن “إسرائيل” كانت تعمل في الأشهر الأخيرة لتعبئة المجتمع الدولي لمحاربة نظام الطائرات بدون طيار الإيراني، ووضعه إلى جانب التهديد النووي الإيراني في صدارة المعركة ضد المؤسسة الإيرانية في الشرق الأوسط.[10]

انطلاقاً من هذا التقرير، يبدو أن القيادة السياسية ترى بالفعل نظام الطائرات بدون طيار الإيراني كسلاح “كاسر التعادل”.

وفي تعميم فظ إلى حد ما، ينقسم تهديد الطائرات بدون طيار إلى فئتين: الفئة الأولى هي الطائرات بدون طيار التي تطير على ارتفاعات متوسطة وعالية وتستخدم لمراقبة الأهداف الأرضية ومهاجمتها بمساعدة أسلحة دقيقة، وعادة ما تعمل هذه الطائرات بدون طيار بشكل منفصل وليس في “أسراب” وهي مصممة للعودة إلى قاعدتها، والهبوط بعد المهمة ثم الإقلاع لمهمة جديدة – أي الطائرات بدون طيار القابلة لإعادة الاستخدام.

فيما يتعلق بالدفاع الجوي، فإن تهديد الطائرات بدون طيار من الفئة الأولى يشبه إلى حد بعيد تهديد الطائرات المأهولة، باستثناء السرعات المنخفضة، في الفئة الثانية توجد الطائرات بدون طيار الانتحارية، التي تطير على ارتفاعات منخفضة إلى منخفضة للغاية، ويمكن أن تعمل في “أسراب” وليس المقصود منها العودة إلى قاعدتها – كطائرات بدون طيار لمرة واحدة، فيما يتعلق بالدفاع الجوي، فإن تهديد الطائرات بدون طيار من الفئة الثانية يشبه في خصائصه تهديد الصواريخ الدقيقة.

كانت الطائرات بدون طيار المعادية التي تم إطلاقها حتى الآن على “إسرائيل” من قبل حزب الله وحماس والإيرانيين في الغالب من الفئة الأولى وتم اعتراضها في الغالب من قبل القوات الجوية، في البداية باستخدام طائرات مقاتلة وطائرات هليكوبتر ومؤخراً – في عمليات” الجرف الصامد “العدوان على غزة 2014″ وحارس الاسوار” معركة سيف القدس” من خلال الأنظمة الأرضية لقيادة الدفاع الجوي “باتريوت” و “القبة الحديدية”.

ظهرت الطائرات بدون طيار من الفئة الثانية لأول مرة في عملية “حارس الاسوار” ” معركة سيف القدس” في مايو 2021. الطائرات بدون طيار من كلا الفئتين ليست محصنة ضد الضرر، والعكس صحيح: من السهل نسبيًا ضربها، شريطة أن يتم اكتشافها في الوقت المناسب وشريطة أن يكون للمدافعين أنظمة اعتراض جوية وأرضية فعالة ضد مثل هذه الأهداف الصغيرة والمراوغة، من ناحية أخرى، يمكن للطائرات بدون طيار من الفئة الثانية، والتي تشمل أيضًا الطائرات بدون طيار، شهد 136، مثل تلك التي دمرت المنشآت النفطية في السعودية وسفينة ميرسر ستريت، ارباك  الانظمة الدفاعية من خلال العمل في “أسراب”.

علاوة على ذلك، فإن مثل هذه الطائرات بدون طيار هي الآن أسلحة دقيقة، وبالتالي لا يكفي اعتراضها ؛ والحاجة التشغيلية هي اعتراض معظمهم، أو على سبيل الإعارة من عالم الدفاع الصاروخي – لتحقيق نسب تسرب منخفضة إلى صفرية من الطائرات بدون طيار من خلال نظام الدفاع،  تشكل الحماية ضد الأسراب المتزامنة لعشرات وأكثر من الطائرات بدون طيار من الفئة الثانية التي تصل في الحال وفي رحلة رائدة على ارتفاع قمم الأشجار تحديًا كبيرًا لأنظمة الدفاع الجوي، وهو تحد ربما يتطلب تطوير وسائل مخصصة ومفهوم تشغيلي مخصص.

الطائرات بدون طيار في حروب أخرى بالمنطقة

وقعت “حروب الطائرات بدون طيار” التي تعاملت فيها أنظمة الدفاع الجوي مع هجمات الطائرات بدون طيار في السنوات الأخيرة في شمال سوريا وليبيا والقوقاز والمملكة العربية السعوديون خلال حرب ناغورنو كاراباخ، التي انتهت في نوفمبر 2020، قامت طائرات آزار بتشغيل طائرات بدون طيار من كلا الفئتين ضد أنظمة الدفاع الجوي الأرمينية ودمرتها بالكامل تقريبًا، وقد مهد فقدان القدرة على الدفاع عن السماء الطريق لانتصار عسكري ساحق لأذربيجان، وخلال الحرب الأهلية في ليبيا، تم استخدام الطائرات بدون طيار التركية في الفئة الأولى إلى جانب قوات حكومة طرابلس، مما أدى إلى تدمير معظم نظام الدفاع لحكومة بنغازي ومهد الطريق لرفع الحصار عن طرابلس واستعادة مناطق واسعة من ليبيا كانت تحت سيطرة حكومة بنغازي، وكما دمرت الطائرات بدون طيار التركية أنظمة دفاع سورية متطورة وألحقت أضرارًا بالغة بالمقر الرئيسي والمدرعات والمشاة السوريين أثناء عملية “درع الربيع” التي نفذها الجيش التركي ضد قوات حافظ الأسد في شمال سوريا.[11]

الوضع في السعودية أكثر تعقيدًا، فمنذ عام 2017، يشن المتمردون الحوثيون حرب استنزاف ضد المملكة العربية السعودية يهاجمون فيها بالقذائف والصواريخ البالستية والطائرات بدون طيار من الفئة  الثانية،  مجموعة متنوعة من الأهداف في جنوب وداخل المملكة: في المناطق النائية العميقة للبلاد، يهاجم الحوثيون رموز الحكومة (مثل القصور الملكية في العاصمة الرياض) والمنشآت النفطية، ويشارك رعاة إيران الحوثيون من حين لآخر في المعركة ويشنون طائرات بدون طيار هجومية من أراضيهم، ويستخدم السعوديون ضدهم أنظمة دفاع برية (باتريوت) وأنظمة دفاع جوي (طائرات تنبيه وطائرات حربية مأهولة)، وقد نفذت الهجمات بطائرات مسيرة من الفئة الثانية (كاميكازي)( الانتحارية). التقارير في وسائل الإعلام تجعل من الممكن الحصول على ما لا يزيد عن صورة غامضة لتطور الغارات، بسبب الاستخدام القوي لها من الجانبين للدعاية والخداع. ومع ذلك، يمكن استخلاص بعض الاستنتاجات العامة مما هو معروف حتى الآن.

الأول: هو أنه في الجبهة الداخلية للمملكة، يواجه الدفاع الجوي السعودي صعوبة كبيرة في التعامل مع أسراب الطائرات بدون طيار من الفئة الثانية، خاصة عندما تأتي من اتجاهات غير متوقعة، ومن الأمثلة البارزة على ذلك هجمات أسراب الطائرات بدون طيار من الفئة الثانية التي وصلت من إيران على منشآت النفط السعودية في سبتمبر 2019، لكن هناك أمثلة أخرى مثل الهجوم من الطائرات بدون طيار الإيرانية “الانتحارية” التي انطلقت من العراق وضربت القصر الملكي في الرياض. في فبراير من هذا العام، وفي كلتا الحالتين، لم يتمكن الدفاع الجوي من اعتراض الطائرات بدون طيار المهاجمة، وبالتالي لم يحاول اعتراضها.

والثاني: هو أنه في جنوب المملكة، حقق الدفاع الجوي السعودي إنجازات معينة (وفقًا للسعوديين – إنجازات ممتازة) مقارنة بالطائرات بدون طيار من الفئة الثانية التي تم إطلاقها من اليمن.

يبدو أن السعوديين يستخدمون أنظمة باتريوت والطائرات المقاتلة. تم الاكتشاف بواسطة طائرة الإنذار المبكر السويدية Saab 2000، وتم الاعتراض بواسطة صواريخ جو – جو أطلقت من طائرة F15. يبلغ السعوديون بشكل دوري عن إسقاط عشرات الطائرات بدون طيار في يوم واحد، وينشرون مقاطع فيديو مقنعة للغاية لعمليات اعتراض جوية ناجحة.

من ناحية أخرى، لا شك أن بعض الطائرات بدون طيار التابعة للحوثيين تتسلل عبر أنظمة دفاعية، كما يتضح من سلسلة هجمات خلال أشهر الصيف والخريف هذا العام على مطار مدينة أبها بالقرب من اليمن، على الحدود، أصابت الركاب والطائرات المدنية، وزعم السعوديون أنه تم اعتراض الطائرات بدون طيار وأن شظاياها هي التي دمرت الممتلكات والأرواح).

وهذا يؤكد الحاجة إلى تحقيق معدل تسرب منخفض للطائرات بدون طيار من الفئة الثانية، حيث إن الأضرار التي تسببها تلك التي اخترقت من خلال الدفاع تلقي بظلالها على الضرر الذي ينقذه من يتم اعتراضهم.[12]

المملكة العربية السعودية، وهي دولة ضخمة قريبة من أوروبا الغربية بأكملها، ليس لديها نظام كشف وإنذار على الصعيد الوطني ويتم اختراق حدودها تقريبًا بسبب تسلل الطائرات بدون طيار، وأنظمة الاعتراض الأرضية هي من الجيل السابق باتريوت 2 والجيل الجديد باتريوت 3 – أكثر ملاءمة لاعتراض الصواريخ الباليستية من اعتراض الطائرات بدون طيار.

 إن احتمالات رغبة المملكة أو السماح لها بشراء أنظمة “القبة الحديدية” (التي لم تكن مصممة أصلاً لاعتراض الطائرات بدون طيار، ولكن لديها الآن إمكانيات لذلك) منخفضة للغاية، و لا توجد أنظمة اعتراض مخصصة لمكافحة الطائرات بدون طيار في سوق الأسلحة العالمي حتى الآن.

في عام 2020، أعلنت الصناعة العسكرية في المملكة العربية السعودية عن تطوير نظام دفاعي مخصص ضد الطائرات بدون طيار، ولكن يبدو أن صياغة الإعلان هي أنظمة محلية مصممة في المقام الأول للتعامل مع تهديد الطائرات الشراعية، وليس بالضرورة مع الطائرات بدون طيار من كلا الفئتين،[13] ويبدو أن المملكة العربية السعودية ليس لديها خيار عسكري لإغلاق سماءها امام الطائرات بدون طيار من اليمن وإيران والعراق، وقد يكون هذا قد دفع المملكة للبحث عن حل دبلوماسي وفتح محادثات مع الإيرانيين.

ليس من غير المعقول أن نستنتج أن أسلحة الطائرات بدون طيار الإيرانية البسيطة والرخيصة قد نجحت في هزيمة القوات الجوية السعودية القوية وإعطاء الجمهورية الإسلامية إنجازًا استراتيجيًا حقيقيًا، ويبدو أن المسؤول الإيراني الكبير الذي قال إن “الطائرات بدون طيار تغير التوازن العسكري في الشرق الأوسط” لم يكن مخطئًا.

أخيرًا، انتشرت “الطائرات بدون طيار” بين الثوار في سوريا والقوات الروسية في البلاد للدفاع عن نظام حافظ الأسد، بعد الاستجابة لطلب نظام الأسد المساعدة ضد الثوار، قدم النظام قاعدة حميميم الجوية وميناء طرطوس العسكري شمال غرب سوريا، فمنذ بداية التدخل الروسي في الحرب الأهلية، كانت هاتان القاعدتان – القاعدة الجوية بشكل أساسي – أهدافًا لهجمات المتمردين، وفي 31 كانون الأول / ديسمبر 2017، استهدفت قاعدة حميميم هجوم عنيف للمتمردين، ويدور الجدل في وسائل الإعلام حول طبيعة هذا الهجوم: تزعم بعض المصادر أنه هجوم بقذائف الهاون، لكن مصادر أخرى تقول إنه هجوم بطائرات مسيرة، و على أي حال، قتل هذا الهجوم جنديين روسيين وألحق أضرارًا بعدة طائرات، وإن لم يتضح عددهم: أصيبت طائرتان رسميًا، لكن مصدرًا روسيًا غير رسمي ادعى إصابة ثماني طائرات، وتم إصلاح طائرتين فقط وعادتا إلى الخدمة، وبعد حوالي أسبوع، في ليلة 5 إلى 6 كانون الثاني / يناير 2018، هاجمت 13 طائرة مسيرة مسلحة قاعدتين روسيتين (10 أطلقت على قاعدة حميميم و 3 إلى طرطوس).

هذه المرة بدا الروس أكثر استعدادًا، وبحسبهم، تم إسقاط سبع طائرات بدون طيار من قبل الدفاع الجوي للقواعد وتم الاستيلاء على الست المتبقية إلكترونياً مما أدى إلى هبوطها على الأرض. تُظهر الصور التي نشرها الروس لوسائل الإعلام نوعين من الطائرات: طائرات بدون طيار صينية الصنع من طراز Skywalker، معروضة للبيع مجانًا في موقع علي بابا، وطائرات خشبية بدائية للغاية ربما صنعها المتمردون أنفسهم، ومنذ ذلك الحين وحتى وقت قريب، لم تتوقف هجمات الطائرات بدون طيار على قاعدة حميميم، ولكن لم يتم الإبلاغ عن وقوع إصابات أو أضرار.

الروس يزعمون نجاحهم بنسبة 100٪ في اعتراض طائرات المتمردين بدون طيار. على سبيل المثال، في يوليو من هذا العام، أعلن الروس أنهم أسقطوا 13 طائرة بدون طيار معادية، وفي أغسطس، قالوا، تم إسقاط 45 طائرة.

نادراً ما يقدم الروس تفاصيل حول المفهوم والأنظمة التي تحمي قواعدهم من الطائرات بدون طيار، ولكن من القليل المنشور في وسائل الإعلام، يبدو أنهم اتخذوا ثلاث خطوات رئيسية: أولاً – ضبط الرادارات الخاصة بهم لتمييز الطائرات الصغيرة بطيئة الطيران ؛ الثاني – إنشاء حزام من رقائق الأقمار الصناعية المضادة للملاحة، بما في ذلك نظام GPS الأمريكي و GLONASS للروس أنفسهم ؛ الثالث – تعطيل اتصال الطائرات بدون طيار المعادية بمساعدة أنظمة متقدمة غير الطائرات بدون طيار.

قد تكون هناك أيضًا خطوة أخرى هنا – باستخدام اجهزة حاسوب” قتالية” (CYBER) الذي جعل من الممكن السيطرة على الطائرات بدون طيار المعادية، وتجدر الإشارة إلى أن الحماية النشطة للقواعد ضد الطائرات بدون طيار تعتمد على نظام SA22 (“فانتشر “)، المزود بزوج من المدافع المضادة للطائرات مقاس 35 ملم – تقنية من الحرب العالمية الثانية – وثمانية مدافع قصيرة المدى صواريخ أرض جو.

تم إسقاط أنظمة “فانتشر” في شمال سوريا وليبيا مؤخرًا بواسطة الطائرات بدون طيار الهجومية التركية الحديثة، ولكن يبدو أنها كانت ولا تزال فعالة جدًا ضد الطائرات بدون طيار غير المتطورة للمتمردين الذين لا يزالون يقاتلون نظام الأسد، وقد أضاف الروس أيضًا طبقة من الدفاع السلبي وبنوا ملاجئ خرسانية لطائراتهم توفر الحماية من الرؤوس الحربية الصغيرة للطائرات بدون طيار المتمردة.

بمقارنة الصعوبات التي يواجهها سلاح الجو السعودي في حماية سماء المملكة من الطائرات بدون طيار المعادية للنجاح الكامل – وفقًا لروسيا – في حماية القاعدة الجوية حميميم، يمكن تحديد أربعة عوامل أدت إلى ذلك:

حجم المنطقة المحمية، وتوافق أنظمة الدفاع مع المهمة، والحرب الإلكترونية (وربما أيضًا الحرب سايبر) ومستوى التعقيد الذي يستخدمه  المهاجم.

العامل المهيمن هو حجم المنطقة المحمية. تجعل الأراضي الشاسعة للمملكة العربية السعودية من الصعب جدًا بناء سياج تحذير على مستوى البلاد وتسمح بالاختراق الحر للطائرات بدون طيار عبر معظم حدودها.

قاعدة حميميم، من ناحية أخرى، هي منطقة صغيرة خلية   يمكن حمايتها بسهولة عن طريق أسيجة التنبيه بالرادار حولها. فيما يتعلق بأنظمة الاعتراض، تستخدم السعودية الطائرات الحربية المأهولة على حساب مهمات أخرى  وفي أنظمة “باتريوت” التي كانت تهدف في الأصل لاعتراض الطائرات السريعة والطائرات عالية التحليق وتم تحويلها إلى أنظمة لاعتراض ساحة الصواريخ الباليستية.

يمكن استخدامها لاعتراض الطائرات بدون طيار، لكن استخدام صواريخ باتريوت الاعتراضية الكبيرة والمكلفة ضد الطائرات بدون طيار الخشبية والبلاستيكية المصنعة في مرائب صنعاء يشبه صيد الذباب بمطرقة ثقيلة – ممكن ولكنه غير فعال. من ناحية أخرى، يستخدم الروس أنظمة دفاع أرضي مصممة لهذا الغرض: لاعتراض الطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض باستخدام أسلحة بسيطة وغير مكلفة – مدافع مضادة للطائرات. وصواريخ أرض – جو قصيرة المدى، ومقارنة بالاستخدام الذي يستخدمه الروس لأنظمة تعطيل الملاحة عبر الأقمار الصناعية وأنظمة الحرب الإلكترونية (وربما أيضًا الحرب السيبرانية)، لم يُعرف أي استخدام مماثل للسعوديين في مثل هذه الأنظمة في الدفاع عن المملكة و أخيرًا، يلعب مستوى تعقيد المهاجم دورًا أيضًا هنا. أظهر الإيرانيون موهبة كبيرة في إدخال أسراب من الطائرات بدون طيار على مستوى الأرض في مؤخرة المملكة مع تجاوز العقبات الطبيعية وأنظمة الدفاع؛ من المحتمل أن الثوار في إدلب الذين أطلقوا طائراتهم بدون طيار البسيطة على القاعدة الروسية ليس لديهم مثل هذه القدرات، ومن المرجح أن يطيروا في مسارات مستقيمة يمكن توقعها واكتشافها.

خصائص الحلول الدفاعية ضد الطائرات بدون طيار الإيرانية

يشكل تهديد الطائرات بدون طيار اليوم مصدر قلق ليس فقط في “إسرائيل” ولكن أيضًا في الولايات المتحدة، وتقوم الصناعات الدفاعية العالمية بتبادل الأفكار حول أنظمة أسلحة مخصصة جديدة، بعضها واقعي تمامًا وبعضها يحد من الخيال العلمي.

إن أقرب سلاح مستقبلي للنضج هو سلاح الليزر ذو الحالة الصلبة، والذي حقق إنجازات كبيرة في كل من “إسرائيل” وخارجها، وقد تم إطلاق مشروع ليزر أرضي محمول بقدرة 300 كيلووات مؤخرًا في الولايات المتحدة تحدد شدة شعاع الليزر معدل إطلاقه، وعند الشدة المعنية، من المحتمل أن يكون من الممكن التعامل مع أسراب من الطائرات بدون طيار أيضًا.

سلاح آخر على الطاولة هو شعاع كهرومغناطيسي يعطل عمل الأنظمة الإلكترونية للطائرات بدون طيار، وتعرض إحدى الشركات الأمريكية المعترضات لإعادة استخدامها: يتم الاعتراض دون استخدام رأس حربي وبمساعدة ضربة مادية للطائرة بدون طيار، وبعد ذلك يتم فتح مظلة تسمح للمُعترض للاستفادة منه مجددا وإعادة الاستخدام.

هناك مقترحات أخرى تتعلق بالطائرات بدون طيار، والتي ستعترض الطائرات بدون طيار المهاجمة سواء باستخدام صواريخ جو-جو صغيرة أو عن طريق الاصطدام المادي.

يتطلب حجم الطائرات بدون طيار من الفئة 1، والتي تستخدم للمراقبة وإطلاق الأسلحة ضد الأهداف الأرضية، مدارج قياسية أو مرتجلة للإقلاع والهبوط، ومن المحتمل أن يتم تحديد موقع هذه المسارات وإلغاء تنشيطها من خلال الضربات الوقائية، و من ناحية أخرى، عادة ما يتم إطلاق الطائرات بدون طيار الانتحارية من الفئة الثانية من مقلاع وتسريع الإقلاع بواسطة صواريخ صغيرة أو هواء مضغوط  هذه القلة، كما قدمتها حماس في عملية ” حارس الاسوار” معركة سيف القدس، بسيطة للغاية، ويمكن تجميعها في الميدان قبل إطلاق الطائرة بدون طيار وتفكيكها على الفور بعد ذلك. وتختفي هذه القاذفات وأهدافها قصيرة العمر في الاختبارات، وفرص تحديد موقعها وضربها قبل الإطلاق منخفضة للغاية، ومن المحتمل أن تكون الاستجابة لتهديد الطائرات بدون طيار دفاعية في الغالب، ومن المرجح أن يقع العبء الرئيسي على عاتق قيادة الدفاع الجوي للقوات الجوية، وعلى عكس حالة المملكة العربية السعودية، فإن أبعاد “إسرائيل” الصغيرة تجعل من الممكن بناء سياج تحذير حول حدود البلاد.

 إن القدرة على الكشف عن الطائرات بدون طيار الصغيرة والمنخفضة التحليق هي حجر الزاوية في الرد على تهديدها، وبدون ذلك لا يمكن اعتراضها وتحييدها كما نرى في السعودية.

لقد قطعت مؤسسة الجيش وقيادة الدفاع الجوي شوطًا طويلاً في بناء القدرة الدفاعية من خلال منح القدرة على اكتشاف واعتراض الطائرات بدون طيار صغيرة الحجم إلى “القبة الحديدية”، وهي القدرة التي سجلت نجاحًا في عملية ” حارس الاسوار” معركة سيف القدس،

تهديد الطائرات بدون طيار لا يأتي في مكان ولكن بالإضافة إلى تهديد الصواريخ والقذائف . نظرًا لأن الحمل على النظام يمكن أن يصل إلى مستويات التشبع، فسيكون من الضروري تحديد كمية الإمداد بالبطاريات والصواريخ المعترضة – وحتى ذلك الحين ليس من المؤكد أن النظام سيكون قادرًا على التعامل بنجاح مع أسراب كبيرة من الطائرات بدون طيار التي تعمل بشكل متزامن وتهاجم في نفس الوقت، لذلك، يجدر النظر في إضافة أجهزة اعتراض، بما في ذلك أنظمة ليزر الحالة الصلبة (قيد التطوير بالفعل في إسرائيل) وأنظمة التعطيل الكهرومغناطيسي.

يجب التركيز على أنظمة التشويش الإلكترونية   التي تحجب القدرة على الملاحة والاتصالات، حيث إنها قادرة على التعامل مع العديد من الطائرات بدون طيار في وقت واحد.

لقد قام الجيش الإسرائيلي بالفعل بتنشيط نظمة التشويش الإلكترونية في عملية ” حارس الاسوار” معركة سيف القدس،، ولكن يبدو أن هذه كانت أنظمة محلية من نوع Rafael “Drone dome” المصممة للعمل ضد ” الحوامات”. قد يتطلب تعطيل الطائرات بدون طيار على مسافة أكبر من الهدف أنظمة أكبر من المستخدمة ضد الحوامات، مثل الأنظمة التي يستخدمها الروس للدفاع عن قواعدهم في سوريا.[14]

أخيرًا، من المفيد استخدام خيال مثمر في إيجاد حلول “خارج الصندوق”، كما يفعل رواد الأعمال والشركات في الخارج.

ملخّص: الطائرات بدون طيار الإيرانية قد تكون “كاسر التعادل”

لم يعد من الممكن النظر إلى الطائرات بدون طيار الإيرانية على أنها وسيلة ثانوية لـ “المضايقة والجمع والردع” ولكن كوسيلة يمكن، عند تفعيلها بشكل صحيح، أن تكون “كاسر التعادل”، لصواريخ الجمهورية الإسلامية وصواريخها – إن لم يكن أكثر وبالتالي. القلق الذي عبر عنه وزير الجيش ورئيس الوزراء له ما يبرره، ومن المؤمل أن تكون المؤسسة الأمنية  و”الجيش الإسرائيلي” قادرين على التعلم من تجارب الآخرين ووضع الردود الهجومية والدفاعية على هذا التهديد في وقت مناسب.

المراجع:

[1] UAV: ( מל”ט) ​​اختصارات طائرة بدون طيار. هذا المصطلح غير دقيق، حيث يتم إطلاق العديد من الطائرات بدون طيار بواسطة الطيارين عن بعد. المصطلح الأكثر دقة هو UAV، وهو اختصار لمركبة جوية بدون طيار، وتستخدم هذه المقالة هذا المصطلح.

[2] هرئيل : ايران وجدت في الطائرات بدون طيار ردًا جزئيًا على ميزة إسرائيل الجوية، هآرتس 16.7.2021، https://www.haaretz.co.il/news/politics/.premium.HIGHLIGHT-1.10004417

[3] زيتون، وفوكس نيوز، “كشف غانتس أن هذه هي القاعدة التي تدرب عليها إيران نشطاء إرهابيين ليطيروا بطائرات بدون طيار،” YENT 12.9.2021،

https://www.ynet.co.il/news/article/hyqqqfjgf

[4] إيران وكورونا واتفاقيات ابراهام ” التطبيع” : الخطاب الكامل لرئيس الوزراء https://www.youtube.com/watch?v=FuTvx6QFWUo

[5] ريتي في الشرق الأوسط “وول ستريت جورنال 7 أكتوبر 2021،

https://www.wsj.com/articles/irans-armed-drone-prowess-reshapes-security-in-middle-east-11633530266

[6] لم تقع إصابات في هذا الهجوم، لكن حدثت أضرار. كانت الميليشيات الموالية لإيران في العراق التي نفذت هذا الهجوم تهدف إلى إلحاق الأذى بالجنود الأمريكيين، كما يتضح من المباني التي استُخدمت كأهداف للهجوم – وهي مباني يقيم فيها الجنود الأمريكيون عادة. كان لدى الأمريكيين معلومات استخباراتية مبكرة عن الهجوم، وقاموا بإجلاء قواتهم في وقت مبكر.

https://www.al-monitor.com/originals/2021/10/us-base-syria-hit-suspected-drone-attack

[7] للحصول على وصف وتحليل أكثر تفصيلاً للهجوم على منشآت النفط السعودية في سبتمبر 2019، انظر “سبتمبر الأسود للمملكة العربية السعودية” للمؤلف الحالي على موقع معهد القدس للاستراتيجية والأمن.

https://jiss.org.il/he/rubin-saudi-arabias-black-september

[8] راجع https://ardupilot.org

[9] زيتون، “إف 35 ويوروفايتر أمام البطاريات الروسية المضادة للطائرات: وثائق من التدريبات الدولية في إسرائيل”، YNET 25.10.2021،  https://www.ynet.co.il/news/article/ryugnr7iy

[10] ليس، ي.، قبل العقوبات: إسرائيل تنقل إلى الولايات المتحدة معلومات عن الطائرات بدون طيار الإيرانية، هآرتس 30.10.2021.

[11] للحصول على وصف أكثر تفصيلاً لحروب الطائرات بدون طيار في ليبيا وشمال سوريا، انظر Robin، A.، as UAVs in the sky of the Mediterranean Basin، Jerusalem Institute for Strategy and Security، October 2020،

https://jiss.org.il/he/rubin-unmanned-aerial-vehicle-in-the-mideastt

[12] يمكن تعلم درس مشابه من هجوم “القنابل الطائرة” الألماني V1 على لندن والذي بدأ في صيف عام 1944. أعد البريطانيون، الذين كانوا يعرفون مسبقًا بالهجوم الوشيك، نظام دفاع متعدد الطبقات يتكون من مدافع الطائرات والطائرات المقاتلة (بما في ذلك الطائرات النفاثة الأولى). من المملكة المتحدة). لقد أثبت نظام الدفاع فعاليته بشكل متزايد خلال الحملة، حيث وصل إلى نسبة نجاح تصل إلى 90٪ وسطها. رغم ذلك، تسببت الطائرات بدون طيار القليلة التي اخترقت أنظمة الدفاع في دمار واسع النطاق في لندن وأجبرت الحلفاء على تحويل الموارد والقوات من المعركة البرية في أوروبا لصالح محاولات ضرب منصات الإطلاق واحتلال منصات الإطلاق.

[13] الحلو، أ.، المملكة العربية السعودية لتطوير نظام مضاد جديد للطائرات بدون طيار، أخبار الدفاع 8.1.2020،Helu, A., Saudi Arabia to Develop a New Counter Drone System, Defense News 8.1.2020,

https://www.defensenews.com/unmanned/2020/01/08/saudi-arabia-is-developing-a-new-counter-drone-system/

[14] كشفت مؤسسة الدفاع مؤخرًا عن نظام لوس أنجلوس قوي مصمم لتعطيل الطائرات بدون طيار، من بين أمور أخرى. النظام المسمى “Scorpius” تم بيعه بالفعل لثلاث دول، ولكن يبدو أن الجيش الإسرائيلي لم يقرر بعد ما إذا كان سيجهزه أم لا.

انظر : زيتون،ي،.، التوثيق: النظام الإسرائيلي الذي يعترض التهديدات الجوية – دون إطلاق صاروخ واحد، YNET 11.11.2021،

https://www.ynet.co.il/news/article/sj55j8cvf

المصدر/ الهدهد

شاهد أيضاً

الحرب في غزة تسبب بتعقيد الجهود الأمريكية لمواصلة اتفاقات التطبيع

أمين خلف الله- غزة برس: إن الحرب في غزة تشكل اختباراً للعلاقات المعززة حديثاً بين …

%d مدونون معجبون بهذه: