لأكثر من نصف قرن، اعتقد المجتمع العلمي أن اللب الداخلي للأرض عبارة عن كرة صلبة مضغوطة من الحديد محاطة بنواة خارجية سائلة، لكن بحثًا جديدًا يشير إلى أنها تتكون في أجزاء منها من المعدن الصلب وشبه الصلب والسائل.
تقول جيسيكا إيرفينغ -عالمة الزلازل في جامعة “بريستول” (University of Bristol) في إنجلترا التي لم تشارك في الدراسة- لموقع “لايف ساينس” (Live Science) في تقرير نشر يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي “كلما نظرنا إليها، أدركنا أنها ليست كرة مصمتة من الحديد.. نحن نكتشف عالما مخفيا جديدا بالكامل”.
في الحقيقة، لا يزال اللب الداخلي للأرض غامضا كما كان عندما نشر جول فيرن كتابه “رحلة إلى مركز الأرض” عام 1864، ورغم أن العلماء عرفوا منذ خمسينيات القرن الماضي أن كوكبنا ليس أجوف كما توقع فيرن، فإن باطن الكوكب لا يزال غير مستكشَف؛ فالحرارة والضغط الهائلان هما ببساطة أكبر من أن يغوص أي مسبار إلى هناك.
تقول إيرفينغ “ما لم يحدث شيء كارثي لكوكبنا، فلن يكون لدينا أبدا رؤية مباشرة لنواة الأرض”.
بدلا من ذلك، يعتمد الجيوفيزيائيون على الموجات الزلزالية الناتجة عن الزلازل، فعبر قياس هذه الاهتزازات الهائلة يمكن للعلماء إعادة بناء تصور لبنية الكوكب الداخلية بطريقة “تشبه التصوير المقطعي”، على حد قول إيرفينغ، وتأتي هذه الموجات في صورتين رئيسيتين: موجات الضغط المستقيمة وموجات القص المتموجة، حيث يمكن لكل موجة أن تتسارع أو تتباطأ أو ترتد عن الوسائط المختلفة في أثناء انتقالها عبر الأرض.
اكتشاف بالصدفة
بالنسبة لريت باتلر الجيوفيزيائي في “معهد هاواي للجيوفيزياء والكواكب” (Hawai’i Institute of Geophysics and Planetology) وأحد مؤلفي الدراسة -التي نُشرت في دورية “فيزيكس أوف ذا إيرث آند بلانيتاري إنتيريورز” (Physics of the Earth and Planetary Interiors)- بدأت الدراسة الجديدة في شكل تساؤل حول أرقام غير متطابقة، إذ كان باتلر يبحث في كيفية انتقال الموجات الزلزالية الناتجة عن الزلازل الكبيرة في 5 مواقع مختلفة عبر لب الأرض إلى الجانب المقابل من الكرة الأرضية.
لكن شيئا ما لم يكن صحيحا؛ فموجات القص الزلزالية التي كان من المفترض أن تمر عبر كرة صلبة من المعدن، كانت تنحرف -بدلا من ذلك- في مناطق معينة، وقد فاجأت هذه الأرقام باتلر، الذي كان يعلم أن حسابات الموجات الزلزالية صحيحة، وهو ما يمكن أن يعني شيئا واحدا فقط، أن العلماء مخطؤون بشأن بنية لب الأرض.
يقول باتلر “عندما تعمل في هذا المجال، فعليك مطابقة البيانات”، ولذلك أعاد باتلر وزميله تقييم افتراضهم الأساسي بأن اللب الداخلي للأرض كان صلبا بأكمله، واكتشفوا أن الموجات التي لاحظوها ستكون صحيحة إذا كان اللب يحتوي على جيوب من الحديد السائل و”الطري” شبه الصلب بالقرب من سطحه.
ثورة في الفهم
كان مدى لزوجة الحديد لافتا بشكل خاص، وفقًا لما ذكره باتلر “لقد رأينا أدلة على أنها ليست لينة كليا فحسب، بل إنها صلبة في بعض الأماكن. لها أسطح صلبة مقابلة لحديد مذاب أو طري. لذلك، نرى كثيرا من التفاصيل في اللب الداخلي التي لم نرها من قبل”.
كيف تجعل بطارية سماعة AirPods تدوم لفترة أطول
لابتوب Framework المنتظر يمكنك ترقية جميع أجزائه بسهولة!
WifiNanScan .. تطبيق من جوجل لقياس المسافة بين الهواتف
ويمكن أن يحدث هذا البحث ثورة في فهمنا للمجال المغناطيسي للأرض؛ فبينما يقود اللب الخارجي (الذي يتكون من سائل حائم) المجال المغناطيسي لكوكبنا، يساعد اللب الداخلي على تعديل المجال، وفقًا لبحث نُشر عام 2019 في دورية “ساينس أدفانسز” (Science Advances).
وتمتلك الكواكب الأخرى -مثل المريخ- مركزا سائلا، ولكنها تفتقر إلى كل من النواة الداخلية والمجال المغناطيسي، وفقًا لبحث أجرته وكالة ناسا؛ ولذلك يعتقد باتلر وإيرفينغ أن الفهم الأعمق للنواة الداخلية سيساعد العلماء على فهم العلاقة بين باطن الكوكب ونشاطه المغناطيسي.
المصدر : لايف ساينس+ الجزيرة