أثارت قضية مقتل هيلين باستور سليلة إحدى أثرى عائلات موناكو، اهتماماً كبيراً لدى وسائل الإعلام الأوروبية، لكن المأساة أوقعت أيضاً ضحية منسية هو المهاجر المصري محمد درويش كبير معاوني العائلة الذي شكّل مقتله أكثر من مجرد تفصيل بسيط في القضية.
فخلال محاكمة عُقدت في أكتوبر/تشرين الأول 2018 اعترف الدبلوماسي البولندي فويتشيتش يانوفسكي بقتل حماته المليارديرة هيلين باستور، بعد أربع سنوات من الإنكار، وحُكم عليه بالسجن المؤبد.
كما زعم فويتشيتش يانوفسكي أنه لم يأمر قط بقتل سائق هيلين، محمد درويش، لكن المحكمة الفرنسية أدانته بالتسبب في وفاته أيضاً.
وأمام محكمة الاستئناف الجنائية في منطقة بوش دو رون الفرنسية حيث تُعاد محاكمة فويتشيتش يانوفسكي صهر المليارديرة السابق المشتبه بكونه الرأس المدبر للجريمة التي وقعت عام 2014، قال وسيم نجل محمد درويش: “بالنسبة إليّ، هو لم يكن يوماً تفصيلاً، كان والدي”.
فيما قال محامي عائلة درويش ردّاً على سؤال لوكالة الصحافة الفرنسية على هامش هذه المحاكمة الجديدة التي تستمرّ حتى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني في مدينة إيكس أن بروفانس، إن القضية “تُشبه قصص الخيال عند النظر إليها من مصر”.
شاهد: الاحتلال يعدم فلسطينيا بالرصاص بالقرب من نابلس
شاهد…مأساة “الشيخ جراح” بالقدس…القصة الكاملة
شاهد: شهيدان ومصاب بالقرب من جنين برصاص الاحتلال
ويقول متحدثا عن محمد درويش: “لم يكن يجيد القراءة أو الكتابة، وعاش في بؤس مدقع، وكان يتيم الأب منذ سنّ صغيرة، وله ست شقيقات وشقيق واحد… ثم أصبح رجلاً موثوقاً به لدى إحدى أغنى نساء العالم”.
ويوضح المحامي أرتور سوسمان: “كل وسائل الإعلام تتحدث عنه كأنه سائق، لكنه كان حقاً شخصاً أهلاً للثقة لدى إيلين باستور” وريثة إمبراطورية عقارية تُقدَّر قيمتها بـ12 مليار يورو.
وقد هاجر محمد درويش المتحدر من الإسكندرية في شمال مصر، إلى إيطاليا في بادئ الأمر، قبل الانتقال إلى منطقة كوت دازور الساحلية الفرنسية حيث أصبح طباخاً قبل أن يبدأ العمل في خدمة عائلة باستور.
ويروي ابنه وسيم أنه “أمضى حياته كلها في العمل، وليس لديّ معه سوى قليل من الذكريات”. أما ريهام شقيقة وسيم فتقول: “لقد أخذ إجازة لمدة أسبوع لمناسبة بلوغي عامي العشرين”.
وخلال المحاكمة، يتحدث ولدا الضحية بتحفُّظ عن يوميات هذا الموظف المخلص لدى الأسرة الثرية، فهو كان يفتح منزل “السيدة إيلين”، ثم كان يغلقه بالمفتاح عندما يغادر في المساء.
كذلك قال غيلدو نجل إيلين باستور أمام المحكمة الجمعة، إن درويش كان “حرفياً للغاية”، وكان “التوافق بينه وبين الأسرة كبيرا، كما كان وجوده مطمئناً إلى جانب هذه المرأة التي كانت تشعر بالتهديد من صهرها”.
ويقول وسيم: “كنت أساعده على تعلُّم الوصفات غيباً عبر يوتيوب”. ويعمل نجل محمد درويش أيضاً لحساب أسرة باستور حارساً في أحد مباني العائلة بموناكو، ومنذ المأساة بقيت العلاقة بينهما “علاقة موظف بربّ عمله”.
وكان محمد درويش في سن 63 سنة حين قُتل عام 2014 مع إيلين باستور التي كانت خارجة من زيارة إلى ابنها غيلدو إثر تعرُّضه لجلطة دماغية. وفي ذلك اليوم كان هو السائق، إذ كان يقبل بمختلف المهامّ في ظلّ نسبة التسرب الكبيرة للموظفين.
وعلم وسيم عبر فيسبوك بإطلاق النار، في حين علمت سيلفيا ابنة إيلين باستور بالخبر من وزارة الداخلية في موناكو.
ووفق مخطط الجريمة الذي قدمه أحد المتهمين، فإن فويتشيتش يانوفسكي زوج سيلفيا حينها أراد تغطية قتل حماته عبر إعطائه طابع الجريمة المنظمة، فدبّر أيضاً عملية سرقة لحقيبتها وقتل سائقها. وقد دفع لتنفيذ خطته 20 ألف يورو مقابل سرقة الحقيبة و20 ألفاً أخرى مقابل قتل محمد درويش.
ويقول المحامي سوسمان: “مكانة محمد درويش تسمح بفهم حجم المخطط الإجرامي. كان وجوده بلا قيمة، بل بقيمة حقيبة اليد، حُوّل إلى مجرد شيء. هذا ما يفسر الحكم بالسجن مدى الحياة في الدرجة الأولى”.
وفي المحاكمة الأولى سنة 2018، قال محامو يانوفسكي حينها، بينهم إريك دوبون موريتي الذي يشغل حالياً منصب وزير العدل، إن موكلهم الذي غيّر إفادته مرات عدة، مسؤول عن تدبير جريمة قتل إيلين باستور لا محمد درويش.
ورغم هذه الاستراتيجية الدفاعية، حُكم عليه بالسجن مدى الحياة، شأنه في ذلك شأن شريكَيه اللذين تولَّيَا التربص بالضحيتين وقتلهما، واللذين تعاد محاكمتهما إلى جانبه.
TRT عربي – وكالات