أضحت قناة السويس المصرية في مواجهة لا يستهان بها مع العديد من مشروعات المسارات البديلة التي تتبناها دول كبرى في بقاع شتى من المعمورة، بعضها يحمل أجندات سياسية وأخرى تبحث عن مكاسب اقتصادية، بجانب زيادة نفوذها على ممرات التجارة العالمية، أخرها إعلان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، قبل ثلاثة أيام، عن تأييده لإنشاء ما وصفه بـ”مسار الأرز” الذي من المخطط أن يمتد عبر منطقة سيبيريا ليصبح بديلاً لقناة السويس، التي تزايد الإعلان عن مشروعات منافسة لها من دول أخرى، منها الاحتلال الإسرائيلي وإيران وإيطاليا
واستحوذ شريان الملاحة المصري على حركة التجارة الدولية لأكثر من قرن ونصف، ليقلل مسؤولون مصريون خلال الأشهر الأخيرة من إمكانية خلق مسارات بديلة. لكن خبراء شددوا على ضرورة أخذ دعوات البحث عن ممرات أخرى بعيدا عن مصر على محمل الجد، خاصة أن قناة السويس تمثل أحد المصادر الرئيسية لإيرادات النقد الأجنبي وتمنح البلد الأكبر في المنطقة بعداً استراتيجياً أعمق.
ووفق وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في حديث لقناة “RBC” الروسية، يوم الاثنين الماضي، فإن “سيبيريا منذ زمن طويل جزء من طريق الحرير الكبير، ويجب إنشاء مسار الأرز الحديث ليكون طريقاً آمناً وفعالاً بين أوروبا والصين”، مضيفاً “تبلورت ضرورة إنشاء مثل هذا الممر الآمن للنقل بشكل واضح منذ فترة طويلة، وخاصة عند استذكار الأحداث الأخيرة المتعلقة بانسداد قناة السويس وهجمات القراصنة وكذلك الأوضاع الراهنة في أفغانستان”.
وقال شويغو إن مراكز الإنتاج في سيبيريا، التي ستكون لديها إمكانية الوصول إلى “مسار الأرز”، ستمنح قدرة لنقل المواد والمكونات بين أطراف الشبكات الإنتاجية، مشيرا إلى ضرورة تحديث السكك الحديدية العابرة لسيبيريا وتحويلها إلى الجر الكهربائي أو الغاز الطبيعي المسال.
إيرادات القناة ارتفعت بنسبة 11.2% على أساس سنوي، في الفترة من 20 يناير/كانون الثاني وحتى 20 أغسطس/آب الماضي، لتصل إلى 3.88 مليارات دولار، مقابل 3.49 مليارات دولار في الفترة المماثلة من 2020
بدوره، استبعد خبير النقل المصري محمد عبد الفتاح وجود أي بعد سياسي في حديث وزير الدفاع الروسي، قائلاً إن فكرة إنشاء منطقة لوجستية ضخمة في إقليم سيبيريا هي فكرة قديمة، هدفها إنشاء مجتمعات سكانية صناعية جديدة، وخلق مشروعات تنموية ضخمة في الاتحاد الروسي.
وأوضح عبد الفتاح أن الطريق الجديد، الذي يتحدث عنه الوزير الروسي والبديل عن قناة السويس وطريق الحرير الصيني، سيخدم فقط التجارة الروسية المتمثلة في تصنيع المعادن المستخرجة من سيبيريا داخل الاتحاد الروسي، بدلاً من تصديرها كمواد خام إلى الخارج، كما سيخدم أيضاً تصدير النفط والغاز الروسيين، وهي أشياء بعيدة بالأساس عن قناة السويس.
وأضاف أن فكرة إيجاد طرق بديلة لقناة السويس “قتلت بحثاً”، وحتى الآن لم يتم اكتشاف أي طريق جديد يهدد وضع وأهمية القناة، إذ إن حركة تجارة النفط تعتمد بشكل أساسي على القناة، ولا منطق في التفكير في تغيير مسار النفط الخليجي والإيراني من القناة إلى أقصى الشمال في سيبيريا من أجل نقله إلى أوروبا وأميركا.
وتابع خبير اللوجستيات المصري أنه بالرغم من ذلك، فإن حديث وزير الدفاع الروسي يؤكد الحاجة إلى فتح ملف إنشاء منطقة لوجستية بمنطقة قناة السويس، موضحاً أن المشروعات الضخمة التي تحدث عنها شويغو وتطمح إليها روسيا، قائمة بالأساس على إنشاء مشروع النقل قبل التفكير فيها، أي أن أي منطقة لوجستية ومجتمعات سكانية شرطها الأساسي هو النقل، وهو المشروع الموجود بالفعل لدى مصر والمتمثل في قناة السويس، التي تحظى بأهمية عالمية كبيرة.
استعادة النفوذ المصري
ومن جهته، حذر المهندس المصري ممدوح حمزة من استمرار التعامل مع قناة السويس المصرية باعتبارها ممراً ملاحياً فقط. ولفت، في دراسة سابقة، إلى أنه منذ افتتاح قناة السويس عام 1869 وحتى الآن ينحصر دخلها في العائد من الملاحة فقط، ولم تحقق أي عائد من الموقع، إلا ميناءي شرق بورسعيد (شمال شرق)، والعين السخنة على البحر الأحمر، شرق البلاد (تستغله شركة موانئ دبي)، عند مدخلي القناة، اللذين قام بتخطيطهما وتصميمهما.
تعمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي والإمارات بشكل حثيث، منذ شهور، على إنجاز مشروع ضخم يتم عبره نقل النفط والمنتجات البترولية من الإمارات إلى إسرائيل ثم إلى أوروبا، عبر خط ممتد من ميناء إيلات على البحر الأحمر إلى ميناء أسدود على البحر المتوسط
وبحسب حمزة، فإن “العائد من الميناءين لمصر هو الفتات، بينما العائد الحقيقي ذهب للشركات المحتكرة التي تسلمت الميناءين من الحكومة المصرية تسليم مفتاح بعقود أقل ما يقل عنها إنها ضيعت على مصر حقها”.
وأضاف أن مصر قبل إنشاء قناة السويس “كانت تحقق عائداً كبيراً متنوعاً نتيجة موقعها المتميز من خلال دخول التجارة الدولية إلى البلاد من السويس مثلاً، حيث كانت تتم إعادة تصديرها من الإسكندرية بعد تعامل الشعب معها وتحصيل الجمارك، أي أن الشعب كان يستفيد استفادة مباشرة بالتربح من خلال التعامل مع البضاعة من النشاط الصناعي، واللوجستي، والخدمي، والذي كان موجوداً بالفعل ويمارس على البضاعة المارة على أرض مصر قبل إنشاء القناة، إضافة إلى أن الحكومة أيضا كانت تحقق عائداً من الجمارك.. ولقد توقفت كل تلك الاستفادات المباشرة للشعب مع بدء تشغيل قناة السويس وقتها، وهذا هو ما أعنيه بالعائد من الموقع”.
وأكد حمزة أن مشروع تطوير محور قناة السويس “هو محاولة لإعادة عائد مصر السابق من التجارة العالمية العابرة لأراضينا مستغلين موقعنا المتميز، وهو أحد المشروعات الأولى بالرعاية بالنسبة للاقتصاد القومي”.
وأوضح أن قيمة دخل قناة السويس من الملاحة هو حاصل ضرب الحمولة العابرة بالطن، ورسم العبور لكل طن، مضيفاً أن “الحمولة العابرة” يتحكم فيها حجم التجارة العالمي المتغير ما بين الشرق والغرب، أما “الحد الأقصى للرسوم” لكل طن فتحددها وتشكل سقفاً لها كلفة النقل بالطرق البديلة لنقل البضاعة ما بين الشرق والغرب. وأشار إلى أنه في الماضي كان هناك طريق بديل وحيد هو طريق “رأس الرجاء الصالح”، أما الآن فهناك أربعة طرق بديلة إضافية، هي طرق ليست الأمثل ولكنها بالفعل تشكل بدائل جزئية ولكنها جاذبة لبعض البضائع.
بالفيديو: سرايا القــدس تنشر لحظة استهداف جيّب للاحتلال بصاروخ موجه شرق غزة
شاهد: الاحتلال يصيب فلسطيني من ذوي الاعاقة بجروح خطيرة على حاجز قلنديا بالضفة
شاهد: الاحتلال يعدم فلسطينيا بالرصاص بالقرب من نابلس
وبحسب حمزة، فإن هذا الطريق يبدأ بـ”طريق الحرير”، وهو خط السكة الحديد الذي يربط ما بين أقصى شرق الصين وأقصى غرب إسبانيا بطول 13000 كيلومتر، إضافة إلى محور “إيلات أسدود”، وهو مشروع بتمويل صيني بقيمة 5 مليارات دولار مقابل غاز من البحر المتوسط، وفي حال الانتهاء من تنفيذه سيكون ميناءً محورياً داخلياً خلف إيلات، وخط سكة حديد يبلغ طوله حوالى 300 كيلومتر، ويبدأ من إيلات على البحر الأحمر جنوباً ويتجه حتى ميناء أسدود على البحر المتوسط.
أما البديل الثالث، بحسب حمزة، فهو المسار القطبي: ويبلغ طول المسار الملاحي من كوريا إلى روتردام 15 ألف كيلومتر، بينما تصل المسافة عن طريق قناة السويس إلى 22 ألف كيلومتر، وهو يستخدم الآن عدة شهور في السنة. وأخيراً قناة بنما، ومخطط مشروع قناة نيكاراغوا.
وأضاف حمزة أن “حجم التجارة العالمي متذبذب ونرى صعوداً وهبوطاً فيه، وهو في الوقت نفسه المؤثر الرئيسي في دخل قناة السويس، بل هو المؤثر الوحيد والمرتبط بالعرض والطلب في التجارة ما بين الشرق والغرب، وليس مرتبطاً بما تقوم به الدولة المصرية داخل قناة السويس. والنتيجة المستخلصة من ذلك أن مصر ليس لها ناقة أو جمل فى زيادة أو نقصان حجم التجارة العالمية المارة في قناة السويس، وبالتالي ليس لها تأثير في محاولة زيادة دخل قناة السويس من الملاحة، اللهم إلا إذا زاد العمق لتستوعب نوعيات أكبر من السفن”.
تكتلات اقتصادية عالمية
ولفت إلى أن “التكتلات الاقتصادية الإقليمية التي نشأت وتنشأ بهدف تحقيق تكامل اقتصادي إقليمي ورفع الجمارك البينية من شأنها أن توثر بالسلب على حجم التجارة بين الشرق والغرب، وهذه التكتلات الاقتصادية الإقليمية ستزيد التجارة البينية بين أعضائها، ما يقلل من التبادل التجاري بين الشرق والغرب، أي أن (الشرق) سيحاول أن يكتفي ذاتياً وكذلك (الغرب)، وهذا سوف يؤثر سلبا على حجم البضاعة العابرة في قناة السويس، وبالتالي يؤثر سلبا على دخل قناة السويس من الملاحة”.
وأضاف أنه “في الأساس فإن أميركا تحاول تقليص دور الصين في التجارة العالمية بجذب تجارة أوروبا عبر الأطلسي وتجارة آسيا عبر المحيط الهادئ، وكلاهما يقلل من دخل قناة السويس، بمعنى أن الحرب الاقتصادية بين أميركا والصين تضر بمصر”.
وأكد حمزة أن دخل الملاحة بيد “تجارة العالم الخارجي”، أما ما “بيد مصر” فهو عائد الموقع، أي العائد من “الأنشطة الاقتصادية على ضفتي القناة، والذي يمكن أن يصل إلى أرقام عظيمة ودون حدود في حال الحكمة في التخطيط والغيرة الوطنية”.
وبجانب التكتلات الاقتصادية الضخمة التي تبحث عن مصالح أكبر وتقليل للوقت والكلف المالية، تصاعدت في الأشهر الأخيرة دعوات للبحث عن مسارات بديلة في محاولة لتحجيم دور مصر، وفق محللين، منها سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
طموح الاحتلال الإسرائيلي
وتعمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي والإمارات بشكل حثيث، منذ شهور، على إنجاز مشروع ضخم يتم عبره نقل النفط والمنتجات البترولية من الإمارات إلى إسرائيل ثم إلى أوروبا، عبر خط ممتد من ميناء إيلات على البحر الأحمر إلى ميناء أسدود على البحر المتوسط.
وهذا الخط، في حال تنفيذه، يترتب عليه تقليل الإمارات استخدام ممر قناة السويس في نقل نفطها إلى أوروبا، بزعم أنّه أعلى كلفة واستهلاكاً للوقت من وجهة نظرها، وربما يقلل استخدام دول خليجية أخرى القناة المصرية لنقل جزء من نفطها مستقبلاً إلى أوروبا.
كما تم قبل أيام الإعلان عن شراء شركة “مبادلة الإماراتية للبترول”، حصة شركة “ديليك دريلينغ” الإسرائيلية في حقل تمار للغاز، والمقدرة بـ22%، مقابل مليار دولار، في أكبر صفقة بين إسرائيل والإمارات منذ تطبيع العلاقات في العام الماضي، ما يزيد من قلق المحللين إزاء مشاريع الالتفاف على قناة السويس لتصدير الطاقة إلى أوروبا.
وبالتزامن مع أزمة جنوح سفينة حاويات عملاقة في الممر الرئيسي لقناة السويس في نهاية مارس/ آذار الماضي، اقترح السفير الإيراني لدى موسكو كاظم جلالي تفعيل الخط الملاحي “شمال – جنوب” الذي يمر من بلاده، ليكون بديلا عن قناة السويس. ومنذ سنوات، تروج إيران لهذا الممر الذي يربط بين الهند وروسيا مرورا بأراضيها، وتقول إنه بديل جيد للقناة المصرية.
في المقابل، قال الفريق مهاب مميش، مستشار الرئيس المصري لمشروعات محور قناة السويس، إن قناة السويس لا بديل عنها، فهي تمثل شريان الحياة للعالم، مضيفا في تصريحات، في يوليو/ تموز الماضي، أن هناك مجموعات من مسؤولين في قناة السويس لمتابعة ما يشاع حول وجود مشروعات منافسة لقناة السويس ومتابعة القنوات المنافسة البديلة، وهي القناة الإسرائيلية، وقناة القطب الشمالي، وقناة نيكاراغوا.
المصدر/العربي الجديد