وجهت المحكمة الاتحادية بالمنطقة الشرقية في مدينة نيويورك الأميركية -أمس الثلاثاء- تهما ضد أميركيَّين اثنين وإماراتي بالعمالة والتآمر وممارسة نشاطات غير قانونية لتعزيز مصالح دولة الإمارات داخل الولايات المتحدة بتوجيه من كبار المسؤولين الإماراتيين.
وذكرت لائحة الاتهام التي أصدرتها المحكمة أن المتهمين هم توماس جوزيف باراك (74 عاما) أميركي الجنسية، وماثيو غرايمس (27 عاما) أميركي الجنسية، وراشد سلطان راشد المالك الشحي (43 عاما) إماراتي الجنسية. وأشار بيان لوزارة العدل الأميركية اليوم أنه قد تم اعتقال باراك وغرايمس للمثول أمام المحكمة ظهر اليوم الأربعاء، أما الشحي فلا يزال طليقا.
وتحتوي لائحة الاتهام على 7 تهم ضد كل المتهمين الثلاثة تتعلق بنشاطات غير قانونية لتعزيز مصالح دولة الإمارات العربية المتحدة في الولايات المتحدة بتوجيه من كبار المسؤولين الإماراتيين من خلال التأثير على مواقف السياسة الخارجية الأميركية خلال حملة “المرشح في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016″، وكذلك مواقف السياسة الخارجية للحكومة الأميركية في إدارته، فضلا عن السعي للتأثير على الرأي العام الأميركي لصالح الإمارات.
تهم بالعمالة وإعاقة سير العدالة
واتهمت المحكمة الأشخاص الثلاثة بالتصرف والتآمر للعمل كعملاء لدولة الإمارات بين أبريل/نيسان 2016 وأبريل/نيسان 2018. كما تضمنت لائحة الاتهام اتهام باراك بإعاقة سير العدالة والإدلاء ببيانات كاذبة متعددة خلال مقابلة أجريت معه في 20 يونيو/حزيران 2019 مع وكلاء إنفاذ القانون الفدرالي.
وورد في لائحة الاتهام أن المتهمين استفادوا مرارا وتكرارا من صداقات باراك وإمكانية الوصول إلى مرشح اُنتخب في النهاية رئيسا، ومسؤولين رفيعي المستوى في الحملة الانتخابية والحكومة، ووسائل الإعلام الأميركية لتعزيز الأهداف السياسية لحكومة أجنبية دون الكشف عن ولاءاتهم الحقيقية.
ووفقا لوثائق المحكمة، بين أبريل/نيسان ونوفمبر/تشرين الثاني 2016، عمل باراك مستشارا غير رسمي لحملة المرشح في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016. وبين نوفمبر/تشرين الثاني 2016 ويناير/كانون الثاني 2017، شغل باراك منصب رئيس لجنة التدشين الرئاسية. وابتداء من يناير/كانون الثاني 2017، قدم باراك استشارات غير رسمية لكبار المسؤولين في الحكومة الأميركية بشأن القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. كما سعى إلى تعيينه في منصب كبير في الحكومة الأميركية، بما في ذلك منصب المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط.
اتصالات متكررة بالقيادة العليا بالإمارات
وعمل باراك رئيسا تنفيذيا لشركة إدارة استثمار عالمية مقرها في لوس أنجلوس، وكان غرايمس موظفا في الشركة وكان مسؤولا مباشرة أمام باراك. وخلال الفترة الزمنية ذات الصلة، عمل الشحي وكيلا لدولة الإمارات، وكان على اتصال متكرر مع باراك وغرايمس، بما في ذلك العديد من الاجتماعات الشخصية في الولايات المتحدة والإمارات.
كذلك ورد في لائحة الاتهام أن المتهمين استخدموا مكانة باراك كمستشار خارجي كبير للحملة الانتخابية، وبعد ذلك، لكبار المسؤولين في الحكومة الأميركية، لتعزيز مصالح الإمارات العربية المتحدة وتقديم معلومات استخبارية إليها، بينما فشلوا بنفس الوقت في إخطار المدعي العام بأنهم كانوا يتصرفون بتوجيهات من كبار المسؤولين الإماراتيين.
وأشارت وثائق المحكمة إلى أن عدد المسؤولين الإماراتيين -الذين كان المتهمون على اتصال مستمر بهم- 4 من كبار المسؤولين، ولم تذكر الوثائق أسماءهم، واكتفت بالإشارة إليهم كالآتي؛ المسؤول الإماراتي رقم 1، والمسؤول الإماراتي رقم 2، والمسؤول الإماراتي رقم 3، والمسؤول الإماراتي رقم 4.
السلاح السري
وذكت الوثائق أن باراك -بشكل مباشر ومن خلال الشحي وغرايمس- كان على اتصال منتظم ومتكرر مع القيادة العليا لحكومة الإمارات. وفي مناسبات عديدة، أشار باراك إلى الشحي على أنه “السلاح السري” لدولة الإمارات لتعزيز أجندة سياستها الخارجية في الولايات المتحدة.
تحقيق لميديابارت يكشف وجود تنظيم لعشرات النازيين الجدد داخل الجيش الفرنسي
إندبندنت: اتفاق سري كاد أن ينقذ القذافي ورفضته فرنسا وبريطانيا
وتضمنت الوثائق العديد من الأمثلة التي تشير إلى أن باراك والشحي وغرايمس اتخذوا خطوات عديدة في أميركا لتعزيز مصالح الإمارات. وعلى سبيل المثال، في مايو/أيار 2016، أدخل باراك لغة تشيد بالإمارات في خطاب الحملة الانتخابية الذي كان سيلقيه المرشح للرئاسة حول سياسة الطاقة الأميركية، وفي مايو/أيار 2016 أرسل عبر البريد الإلكتروني مسودة مسبقة للخطاب إلى الشحي لتسليمها إلى كبار المسؤولين الإماراتيين الذين أشادوا بما فعل.
وبالمثل، خلال عامي 2016 و2017، سعى المتهمون وتلقوا التوجيهات والتعليقات -بما في ذلك نقاط الحوار- من كبار المسؤولين الإماراتيين فيما يتعلق بالنشاط الإعلامي المحلي الذي استخدمه باراك لتعزيز مصالح الإمارات. وبعد ظهوره في أحد المقابلات الإعلامية التي أشاد فيها باراك مرارا وتكرارا بالإمارات، أرسل الأخير بريدا إلكترونيا إلى الشحي يقول فيه “لقد نجحت…”. وطلب باراك وغرايمس أيضا توجيهات من كبار المسؤولين الإماراتيين قبل نشر مقال رأي من تأليف باراك ونُشر بمجلة أميركية في أكتوبر/تشرين الأول 2016، وتمت إزالة لغة معينة بتوجيه من كبار المسؤولين الإماراتيين، كما نقلها الشحي.
وبعد الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، تصرف المتهمون مرارا بتوجيه من المسؤولين الإماراتيين للتأثير على مواقف السياسة الخارجية للإدارة القادمة لصالح الإمارات.
قائمة أمنيات إماراتية
على سبيل المثال، في ديسمبر/كانون الأول 2016، حضر باراك اجتماعا مع غرايمس والشحي وكبار المسؤولين الحكوميين في الإمارات. ونصح باراك الإماراتيين خلال ذلك الاجتماع بإنشاء “قائمة أمنيات” لبنود السياسة الخارجية الأميركية التي ترغب الإمارات في تحقيقها خلال الأيام المئة الأولى، والأشهر الستة الأولى والسنة الأولى وكذلك الأربع سنوات لفترة الإدارة القادمة للرئيس الأميركي المنتخب.
وفي مارس/آذار 2017، وافق باراك والمتهمان معه على الترويج لترشيح شخص يفضله كبار المسؤولين الإماراتيين لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى الإمارات. وفي مايو/أيار 2017، وافق باراك على تزويد الشحي بمعلومات غير عامة حول آراء وردود أفعال كبار مسؤولي الحكومة الأميركية بعد اجتماع في البيت الأبيض بين كبار المسؤولين الأميركيين وكبار المسؤولين الإماراتيين.
وفي سبتمبر/أيلول 2017، تواصل الشحي مع باراك بشأن معارضة الإمارات لقمة مقترحة في كامب ديفيد لمعالجة “الخلاف المستمر بين دولة قطر من جهة، والإمارات وحكومات أخرى في الشرق الأوسط من جهة أخرى” وبعد ذلك سعى باراك لتقديم المشورة للرئيس الأميركي ضد عقد تلك القمة. ولم تنعقد تلك القمة قط.
هاتف خاص
ولتعزيز “المؤامرة الإجرامية المزعومة والسلوك الإجرامي المزعوم”، استخدم باراك وغرايمس، بمساعدة الشحي، هاتفا خليويا مخصصا وقاما بتثبيت تطبيق مراسلة آمن لتسهيل اتصالات باراك مع كبار المسؤولين في دولة الإمارات.
وتبادل المتهمون الرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني للترويج لمصالح السياسة الخارجية لدولة الإمارات من خلال التأثير على السياسة الخارجية للولايات المتحدة فيما يتعلق بدولة قطر.
وكتب الشحي ملاحظة في هاتفه الخليوي تحتوي على مسودة رسالة لمسؤولي الإمارات، يقول فيها إنه التقى بباراك في اليوم السابق وإن باراك نصحه بأن العديد من كبار المسؤولين في حكومة الولايات المتحدة كانوا يسعون لإقناع الرئيس بأن “قطر ضحية”.
وتقول لائحة الاتهام أيضا إن الشحي وباراك وغرايمس لم يقدموا الإخطار المطلوب إلى المدعي العام للولايات المتحدة بأنهم كانوا يتصرفون في الولايات المتحدة كوكلاء لحكومة أجنبية بموجب قانون “فارا” (FARA)، الذي ينظم عمل جماعات الضغط في الولايات المتحدة.
الإنكار الكاذب
وفي 20 يونيو/حزيران 2019، التقى باراك طواعية مع عملاء خاصين لمكتب التحقيقات الفدرالي. وخلال المقابلة، زُعم أن باراك أدلى بالعديد من التصريحات الكاذبة، بما في ذلك الإنكار الكاذب بأن الشحي لم يطلب منه في أي وقت اتخاذ أية إجراءات نيابة عن دولة الإمارات.
وذكر بيان من وزارة العدل الأميركية اليوم أنه تم القبض على باراك وغرايمس صباح أمس الثلاثاء ومن المقرر أن يتم تقديمهما للمحاكمة بعد ظهر اليوم الأربعاء في المنطقة الوسطى بولاية كاليفورنيا.
وأضاف البيان أن مساعدي المدعي العام الأميركي -ناثان رايلي وريان هاريس وصامويل نيتز وهيرال ميهتا من المنطقة الشرقية في نيويورك ومحامي الادعاء ماثيو ماكنزي من قسم مكافحة التجسس ومراقبة الصادرات التابع لقسم الأمن القومي- سيقومون بمباشرة القضية.
ووصف المدعي مارك ليسكو من قسم الأمن القومي بوزارة العدل السلوك المزعوم في لائحة الاتهام بأنه ليس أقل من خيانة ارتكبها هؤلاء المسؤولين، بمن فيهم الرئيس السابق، قائلا إن وزارة العدل، ومن خلال لائحة الاتهام هذه، ستفرض حظرا على الجميع بغض النظر عن ثرواتهم أو قوتهم السياسية المتصورة، كما ستفرض حظرا على هذا النوع من النفوذ الأجنبي غير المعلن.
سيواجهون العواقب
وقالت جاكلين إم كاسوليس -القائمة بأعمال المدعي العام للولايات المتحدة عن المنطقة الشرقية من نيويورك- إن المتهمين انتقصوا حق الشعب الأميركي في معرفة متى تسعى حكومة أجنبية للتأثير على سياسات “حكومتنا ورأينا العام”، مشيرة إلى أن هذه الاعتقالات بمثابة تحذير لأولئك الذين يتصرفون بتوجيه من الحكومات الأجنبية دون الكشف عن أفعالهم، وكذلك أولئك الذين يسعون لتضليل المحققين بشأن أفعالهم، بأنهم سيقدمون إلى العدالة وسيواجهون العواقب.
وقال مساعد المدير كالفن شيفرز من قسم التحقيقات الجنائية في مكتب التحقيقات الفدرالي -أمس الثلاثاء- “إن لائحة الاتهام الصادرة اليوم تؤكد التزام مكتب التحقيقات الفدرالي الثابت باستئصال هؤلاء الأفراد الذين يعتقدون أنه بإمكانهم التلاعب بالنظام على حساب الولايات المتحدة والشعب الأميركي”، مضيفا أنه يُزعم أن باراك أساء استغلال وصوله إلى المسؤولين الحكوميين لتعزيز مصالح الحكومات الأجنبية بشكل غير قانوني. وأوضح أن مكتب التحقيقات الفدرالي سيقوم بالتنسيق مع شركاء أميركا الخارجيين لضمان توجيه اتهامات إلى كل من يسعى إلى ممارسة نفوذ غير قانوني على جرائمهم.
المصدر : مواقع إلكترونية+ الجزيرة