“حان الوقت لإنهاء أطول حرب خاضتها أمريكا “. بهذه الكلمات أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن نهاية أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة، وأكد عزم قواته العسكرية وقوات حلف شمال الأطلسي الناتو، الانسحاب ومغادرة أفغانستان، في تاريخ أيلول/سبتمبر المقبل، وذلك تزامناً مع ذكرى أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، وكانت سبباً رئيساً في الاحتلال الأمريكي لأفغانستان. ذلك أن حكومة طالبان رفضت حينها تسليم زعيم القاعدة أسامة بن لادن المتهم الأول في الهجمات الإرهابية.
فترة طويلة، من المواجهات المستمرة والغارات الجوية، تسببت في خسائر فادحة للطرفين وبدرجات متفاوتة. وعلقت فيها واشنطن في وحل حرب طويلة أنفقت فيها الكثير من الأموال وسقط فيها الكثيرون من جنودها.
ورغم تعثر مسار المفاوضات ومباحثات السلام، إلا أنه أخيراً أعلن مسؤولون أمريكيون، يوم الجمعة 02 يوليو/تموز الجاري، أن جميع القوات الأمريكية والأطلسية غادرت قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان، وجرى تسليمها إلى قوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية.
باغرام.. صورة لتاريخ الصراعات بأفغانستان
مع اقتراب موعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، غادرت القوات العسكرية قاعدة باغرام الجوية، مترامية الأطراف والواقعة شمال كابل و تعد أحد أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في أفغانستان، ومعقلاً سابقاً للقوات السوفييتية في ثمانينيات القرن الماضي.
وشيدت موسكو في السابق قاعدة باغرام، خلال فترة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان. لكنها اليوم، بعد أن كانت القاعدة، مجرد مدرج متآكل للطائرات العسكرية، أصبحت مركزاً حيوياً، يضم العديد من المستشفيات والمحلات التجارية والمرافق، و يمثل نقطة انطلاق للعمليات العسكرية في جميع أنحاء البلاد، ويحوي مساحات لطائرات الشحن والطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية قدرت بحوالي 110 مساحة لهذه الطائرات، كما أن القاعدة محمية بجدران مضادة للانفجار. فتحولت باغرام من مجرد قاعدة عسكرية جوية إلى مدينة أمريكية مؤهلة ومزودة بالخدمات الضرورية.
ولم تقتصر مهمة قاعدة باغرام الجوية على إيواء الجنود الأمريكيين وانطلاق الهجمات العسكرية، بل إنها كانت تخفي وراءها صورة مماثلة لمعتقل غوانتانامو على حد تعبير حقوقيين ومراقبين لدى الأمم المتحدة، إذ كانت في الوقت ذاته مركزاً للاعتقال والتحقيق والتعذيب.
ومثلت باغرام ساحة للصراع والتنافس المستمر، بين القوات الأفغانية والقوات السوفييتية والقوات الأمريكية، فإن كانت تمثل اليوم رمزاً للقوة الأمريكية في أفغانستان فإنها تمثل في الوقت ذاته صورة تعكس تاريخ الصراع المحتدم في أفغانستان منذ عقود.
لذا فإن تسليم القاعدة اليوم لقوات الأمن الأفغانية يمثل مغنماً كبيراً لهم، لكن ذلك لا يخفي حقيقة أن طالبان التي أصبحت تتقدم إلى عديد المواقع، تترصد القاعدة في هذه الأثناء ولن تتنازل عنها بسهولة لقوات الأمن، للظفر بما تكتنزه من مواد وتجهيزات، بعد أن فشلت في السابق في السيطرة عليها في مواجهة القوات البريطانية. وفي هذا الإطار يقول خبراء ومحللون إن “من يستحوذ على باغرام يستحوذ على كابل”.
ماذا بعد الانسحاب؟
قاعدة باغرام الجوية هي القاعدة السابعة التي تنسحب منها القوات الأمريكية وتسلمها للقوات الأمنية الأفغانية، وكتب في ذلك المتحدث باسم وزارة الدفاع الأفغانية فؤاد أمان في تغريدة له على حسابه الرسمي على تويتر “انسحبت القوات الأمريكية وقوات التحالف بالكامل من القاعدة وبالتالي ستقوم قوات الجيش الأفغاني بحمايتها واستخدامها لمحاربة الإرهاب”.
إلا أن بعض المدنيين الأفغان شاركوا وسائل إعلامية أجنبية، مخاوفهم من عدم قدرة قوات الأمن الأفغانية إحكام السيطرة على القاعدة وعلى المدينة في ظل تقدم حركة طالبان إلى عدة مواقع، وأن الخطر لا يزال مستمراً ولا ينذر بحلول قريبة في الأفق.
وكان قد التقى الجنرال أوستن سكوت ميللر، القائد الأعلى للقوات الأمريكية في أفغانستان، مع الرئيس الأفغاني أشرف غني، عقب الإعلان عن مغادرة باغرام، للتأكيد على استمرار المساعدة وتعاون واشنطن مع كابلل.
وتشير تقارير صحفية عن مصادر مطلعة، إلي أنه من المحتمل أن يبقى حوالي 650 جندياً أمريكياً في أفغانستنان، لتوفير الحماية للدبلوماسيين والمساعدة في حراسة مطار كابول الدولي.
فيما صرح بعض المسؤولين الأمريكيين بأن قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن الانسحاب ومغادرة المواقع العسكرية، توضح أنه يدرك تماماً مدى تأزم الوضع في أفغانستان وأنه منتبه عقب لقائه بنظيره الأفغاني أشرف غني، إلى المؤشرات التي ترجح إمكانية أن تستعيد طالبان سيطرتها على أفغانستان في فترة قصيرة.
المصدر/TRT عربي