الرئيسية / شئون إسرائيلية / ما هي محفزات التصعيد الإسرائيلي ضد غزة وكوابحه؟

ما هي محفزات التصعيد الإسرائيلي ضد غزة وكوابحه؟

د.صالح النعامي
تفاوتت التقديرات الإسرائيلية بشأن الفترة الزمنية التي قد يستغرقها العدوان العسكري الذي تشنه تل أبيب حاليا ضد قطاع غزة، والذي أطلقت عليه عملية “حارس الأسوار”، فيما سمّت المقاومة الفلسطينية عمليتها “سيف القدس”. ففي حين قدر المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي، هيدي زيلبرمان، أن العملية ستستغرق عدة أيام، سربت أوساط سياسية وعسكرية إلى المعلقة السياسية في قناة “12”، دانا فايس، تقديرات تفيد بأن العملية ستستغرق “وقتا طويلا”.
وهناك جملة من العوامل التي تدفع جيش الاحتلال لمواصلة العملية العسكرية لفترة أطول، مقابل عوامل أخرى تقلص من دوافعه لإطالة أمدها. وعلى رأس العوامل التي حفزت الاحتلال الإسرائيلي على شن العملية العسكرية خشيتها من نجاح حركة “حماس” في فرض معادلة جديدة في الصراع بينهما، تتمثل في إضفاء شرعية على عمليات الحركة العسكرية ردا على السلوك الإسرائيلي في القدس المحتلة.
ويعي الاحتلال أن نجاح “حماس” في تحقيق هذا الهدف، الذي عبّر عنه بشكل واضح وصريح كل من القائد العام لـ”كتائب القسام” محمد الضيف، ورئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، سيمثل تحولاً جذرياً على اتجاه المواجهة. وهذا سيدفع إسرائيل إلى تكثيف عملياتها في غزة بحيث يدفع العدوان في النهاية إلى إقناع “حماس” بالتراجع عن محاولة فرض هذه المعادلة.

في الوقت ذاته، فإن إسرائيل ستستغل اندلاع المواجهة الحالية في ضرب بنك الأهداف الذي أعده جيشها مسبقا، بناء على معلومات استخبارية، ويتعلق بمقدرات المقاومة المادية والبشرية. وعلى هذا الأساس يمكن الافتراض أن إسرائيل ستفضل وقف العملية بعد استنفاد الطاقة الكامنة في ضرب الأهداف التي تم تحديدها مسبقا؛ وهذا السلوك العسكري يندرج في إطار استراتيجية “المواجهة بين الحروب” التي يعكف جيش الاحتلال على تنفيذها في مواجهة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة (وغيرها) وتقوم على المس بمقدرات “العدو” بهدف تقليص قدراته القتالية والمادية في أية مواجهة واسعة مستقبلية معه.
من ناحية ثانية، يحضر عامل الانتقام والرغبة في استرضاء الجمهور الإسرائيلي، لاسيما بعدما أصابت صواريخ المقاومة القدس المحتلة، ورأى المستوى السياسي والشعبي في تل أبيب في هذا التطور تجاوزا لكل الخطوط الحمراء.

ولا يمكن تجاهل اعتبارات السياسة الداخلية الإسرائيلية كعامل محفز لشن العملية واستمرارها، على اعتبار أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، معني بالتشويش على جهود منافسه زعيم المعارضة، يئير لبيد، لتشكيل حكومة، بعد أن عجز هو عن تشكيلها. وتدل المؤشرات على أن هذه العملية قد تسهم في تمكين نتنياهو من تحقيق هذا الهدف؛ فشن العمل العسكري على غزة وما يصاحبه من مواجهات في الداخل الفلسطيني سيقلصان من حماس الأحزاب العربية لدعم حكومة برئاسة لبيد، الذي سارع لدعم العدوان العسكري.
وفي المقابل، فإن هناك عوامل تكبح التوجه لمواصلة هذه العملية واستمرارها إلى أمد بعيد. فقد تفجر التصعيد الحالي عندما كانت إسرائيل في ذروة تحرك دولي يهدف لإقناع الولايات المتحدة وبقية القوى العظمى بأن تأخذ بعين الاعتبار خطوطها الحمراء في حال عادت للالتزام بالاتفاق النووي مع إيران. ومن الواضح أن إطالة أمد العملية العسكرية يسمح بتسليط أنظار المجتمع الدولي على الضفة الغربية وقطاع غزة، وما يرافقه من تراجع “المكانة الدولية” لإسرائيل بشكل يقلص من قدرتها على ممارسة الضغوط على الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي.

إلى جانب ذلك، فقد تفجرت جولة التصعيد هذه بعد شهرين تقريباً على قرار المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية فاتو بنسودا فتح تحقيق في شبهات ارتكاب إسرائيل جرائم حرب ضد الإنسانية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحديدا خلال الحرب على القطاع في 2014. وتفترض إسرائيل أن إطالة أمد الحرب سيوفر المزيد من القرائن التي تحفز المحكمة الدولية على مواصلة التحقيق في هذه الجرائم.
فضلا عن ذلك، فإن إطالة أمد العملية في غزة قد تسمح بنقل شرارة الأحداث إلى الضفة الغربية وبالتالي تفجر تصعيدا في القدس. لكن أخطر تداعيات العملية العسكرية التي تؤرق إسرائيل هو المواجهات التي شهدتها المدن والبلدات التي يقطنها فلسطينيو الداخل والمدن المختلطة، والتي وصلت إلى أوجها الليلة الماضية في مدينة اللد.
فنظرا لأن فلسطينيي الداخل يعيشون بشكل لصيق للتجمعات الاستيطانية اليهودية داخل الخط الأخضر فإن انضمامهم إلى المواجهة الدائرة سيؤثر بشكل كبير على نسق الحياة وانسيابها داخل دولة الاحتلال، ويمكن أن يقود إلى مواجهات أوسع بينهم وبين المستوطنين.
من هنا، يمكن الافتراض أن إسرائيل ستعمد إلى إنهاء عمليتها العسكرية عبر تفاهم تهدئة جديد، يتم التوصل إليه عبر الوسيط المصري، بشكل يقلص فرص تدخل المقاومة في القطاع للرد على السلوك الإسرائيلي في القدس. مع العلم أنه لن يكون من المستبعد أن تقدم إسرائيل تعهدات بالتراجع عن القرارات التي أدت إلى تفجير الأوضاع في القدس، وضمن ذلك قرارها إخلاء البيوت الفلسطينية في حي الشيخ جراح وطرد أصحابها منها.
أما حركة “حماس”، فإنها سترى في إنهاء المواجهة الحالية إنجازا كبيرا لها بعد أن قوبلت ردودها على ما يجري في القدس برضا واسع في أوساط الفلسطينيين وحسنت مكانتها مقارنة بالسلطة الفلسطينية.

المصدر/ العربي الجديد

شاهد أيضاً

ما عرفه نتنياهو قبل 7 أكتوبر: التحذيرات بشأن حماس والاغتيالات غير المصرح بها والموضوع الإيراني

ترحمة: أمين خلف الله  القناة 12 عمري مانيف بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، عندما بدأت …

%d مدونون معجبون بهذه: