وجّه محللون اليوم، الخميس، انتقادات شديدة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في أعقاب مصادقة الحكومة والكنيست، من خلال سن قانون خاص، على تقييد المظاهرات اليومية والحاشدة، بمشاركة الآلاف، في شارع بلفور في القدس بالقرب من المنزل الرسمي لرئيس الحكومة، ضد نتنياهو وسياسته وكمتهم بارتكاب مخالفات فساد خطيرة، ومطالبته بالاستقالة. وتأتي هذه المظاهرات، المتواصلة منذ أسابيع، إثر قيود الإغلاق الشامل والمشدد، التي فرضتها الحكومة.
وسعى نتنياهو إلى مصادقة حكومته على قيود الإغلاق المشدد والشامل خلافا لمواقف جميع المسؤولين في جهاز الصحة ووزارة المالية، الذين دعوا إلى فرض قيود على المناطق الموبوءة بفيروس كورونا، وخاصة مناطق يسكنها الحريديون ويؤدون فيها صلوات جماعية. لكن نتنياهو ليس فقط أنه امتنع عن ذلك، وإنما منح تسهيلات وسمح، بدعم من مدير عام وزارة الصحة حيزي ليفي أيضا، بإبقاء الييشيفوت (المعاهد الدينية اليهودية) مفتوحة أمام طلابها، من دون تطبيق تعليمات مكافحة كورونا فيها، وانتشار الفيروس بشكل واسع فيها.
واستغل نتنياهو خطابه، عبر الفيديو، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أول من أمس، لمحاولة كسب شعبية في الرأي العام الإسرائيلي، عندما تحدث عن مخازن صواريخ لحزب الله في بيروت. ولم يقنع هذا الخطاب وسائل الإعلام الإسرائيلية، وخاصة القنوات التلفزيونية، التي بثت مقاطع منه فقط، وامتنعت عن نقل الخطاب بالكامل.
وكتب المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أليكس فيشمان، أنه “فجأة، في ذروة أزمة لم نشهد مثيلا لها، نزلت علينا من السماء، أو الأصح من (تطبيق) زوم في الأمم المتحدة، القصة عن مخزن مقذوفات حزب الله. ولا يدور الحديث عن مصنع لتحسين دقة المقذوفات، وإنما عن مخزن آخر، مهما كان مهما، ومسموح لنا أن نفترض أنه يتواجد في بيروت منذ سنين. وقد بيعت هذه القصة فيما هي مغلفة بأناقة، ومرفقة بخرائط ورسومات، وتم تسليمها فور انتهاء الخطاب إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية”.
وأضاف فيشمان “كأن أحدا ما في الحكومة جلس وقرر أنه حان الوقت لإلهاء العقل قليلا عن أضرار كورونا، التي لا نعرف حقا كيف نتعامل معها، والهروب إلى منطقة ’العرب الأشرار’ المريحة. ونحن جيدون في ذلك. ويكفي التحدث عن المزيج القاتل للكلمات المشفرة ’إيران’، ’حزب الله’ و’صواريخ دقيقة’ من أجل ابتزاز قطرات التضامن الأخيرة المتبقية لدى الجمهور”.
وأشار فيشمان إلى أن المسألة ليست متعلقة بما قاله نتنياهو، وإنما “المشكلة هي أن مقدم المعلومات فقد مصداقيته. فعندما يروي رئيس الحكومة للعالم أن بيروت جاثمة على برميل بارود وضعه حزب الله تحتها، يتساءل الأفراد على الفور حول ماذا يكسب من ذلك. وكيف لهذه الحملة أن تساعده في الخروج من الورطة الجنائية، أو على الأقل من الاتهامات بشأن أدائه الفاشل في إدارة أزمة كورونا”.
منع الاحتجاجات في ظل غليان شعبي
بعد المصادقة على القيود المفروضة على المظاهرات، ومنع المشاركة في مظاهرة تبعد أكثر من كيلومتر واحد عن مكان سكن المتظاهرين، أعلنت منظمات الاحتجاجات أنها ستبادر إلى تنظيم مئات المظاهرات في الأحياء. ووفقا للمحلل السياسي في صحيفة “معاريف”، بن كسبيت، فإن نتنياهو اقترح إثر ذلك بتقييد المظاهرات أكثر، بحيث المسافة بين موقع المظاهر وبيوت المتظاهرين 200 متر. وتوقع كسبيت ساخرا، أنه إذا استجابت منظمات الاحتجاجات لقيود كهذه، فإن “نتنياهو سيسارع إلى عقد اجتماع ويطالب بأن المواطنين سيضطرون إلى تصريح للانتقال من غرفة النوم إلى المراحيض”.
مقتل مستوطن في بتاح تكفا طعنا بالسكين
اندلاع 43 حريقاً في المستوطنات المحاذية لغزة
شاهد: الاحتلال يجبر مقدسين على هدم منزلهما
وأضاف كسبيت أنه فيما يمنح نتنياهو ومدير عام وزارة الصحة تسهيلات للييشيفوت، أعلن أن الإغلاق على باقي المواطنين سيستمر لسنة كاملة تقريبا. “واجتماع كابينيت كورونا، أمس، لم يبحث في نهاية الأمر في ’إستراتيجية الخروج من الإغلاق’، وإنما في إستراتيجية خروج إسرائيل عن طورها”.
وتابع كسبيت أن “بنيامين نتنياهو مخطئ. وهذا ليس لائقا به. ففي معظم حياته العملية عرف الحجم الدقيق لجرعة ممارسة الضغط على المواطن. وكان يميز بين الخطوط الحمراء وتشخيص الشارات الضوئية الحمراء. ويبدو أنه فقد هذه القدرة بالمطلق. وهو يؤمن بأنه في الوضع الحالي، فيما المرافق الاقتصادية تتفكك، والاقتصاد يحتضر، وعدد العاطلين عن العمل يقترب من المليون مرة أخرى، ومئات الآلاف لا يعرفون كيف سيعبرون الأسبوع، والكآبة مسيطرة والغضب يغلي، فإنه سينجح في فرض أنظمة تمنع احتجاجات”.
ورأى كسبيت أنه “عندما يدرك نتنياهو أنه أخطأ، سيكون ذلك متأخرا. وكمن دعا إلى وقف الظاهرات في بلفور أثناء الإغلاق، فإنني أخشى أن طنجرة الضغط العملاقة التي وضعها نتنياهو على هذه النار الكبيرة ستنفجر في وجهه في مشهد لم نره في بلادنا. ولا ينبغي أن يأمل أحد بهذا. ويمكن للانفجار أن ينهي حياة نتنياهو السياسية، لكن جلّ الأضرار سنمتصها نحن وما سيتبقى هنا من بعده”.
وفي تلميح لملفات الفساد المتهم فيها نتنياهو، وبينها حصوله على منافع شخصية من أثرياء، كتب كسبيت أنه “لا ينبغي القلق على عائلة نتنياهو. وسيجد الملياردير الذي يهتم بذلك. والدولة يجب أن تكون الآن على رأس اهتمامنا، لأنه على عكس العائلة المالكة التي بالإمكان تغييرها، فإنه ليس لدينا دولة أخرى. وهذه المعجزة (يقصد إسرائيل) لن تتكرر. وهذه فترة صعبة ومقلقة أكثر من فترة الترقب التي سبقت الأيام الستة (حرب حزيران 1967)، وحتى أنها مقلقة أكثر من فترة ’خراب الهيكل الثالث’ في يوم الغفران (حرب تشرين 1973)”.
وختم كسبيت أنه “كان بإمكاننا حينذاك أن نعتمد على أنفسنا، على الجيش الإسرائيلي، على التكتل الداخلي وعلى أنه لا خيار أمامنا. واليوم، جزء من كل هذا قد تآكل في مطحنة الكراهية في بلفور. لا يوجد نظام توازنات وكوابح، يهدئ الحلبة ويخفف الصدمات. وتبقى أن نصلي، أو أن نتظاهر”.
“الديكتاتور نتنياهو”
من جانبه، استعرض الكاتب الصحافي في صحيفة “هآرتس”، أوري مِسغاف، تنكيل قوات الشرطة بالمتظاهرين، ورأى أن “الدكتاتورية باتت موجودة هنا. ومعظم الإسرائيليين لا يدركون ما يحدث من حولهم. وعندما يدركون سيكون ذلك متأخرا. بل بات متأخرا الآن. فالديكتاتورية ليست فقط دبابات في الشوارع، إخفاء معارضي النظام، رقابة وحكم فرد مستبد. رغم أننا نتقدم بشكل ليس سيئا (بهذا الاتجاه). وحتى اليوم لا توجد دبابات في الشوارع، لكن يوجد مظليون في الحواجز (لتقييد المظاهرات). وتتزايد مهاجمة المتظاهرين من جانب مواطنين مُحرَضين، وبالأساس عنف بوليسي شديد: يدفعون المتظاهرين، يضربونهم، يلكمونهم، يخنقونهم”.
وأشار مسغاف إلى أن “حكم فردي فعلي قائم منذ فترة. ونتنياهو لا يولي أهمية للحكومة والكابينيت، ويحرض ضد المسؤولين المهنيين و’حكم الموظفين’. لا توجد ميزانية، لا توجد خطط عمل، ولا توجد تعيينات ثابتة. وقد وقع لوحده في واشنطن على اتفاقيات سياسية ضبابية، برفقة حاشية من الموالين، الخدم وأبناء العائلة”.
وأضاف أن “المس بحقوق الإنسان الأساسية يشتد، ويتم الدوس على حرية العمل، وسلب حرية الحركة. وعمليا يحظر الخروج من هنا كما في كوريا الشمالية. ويحظر العبور إلى سيناء والأردن برا منذ نصف سنة، وحواجز الجيش والشرطة منتشرة في الشوارع، والخروج من قُطر مقلص تستوجب سببا ’حيويا’، أو إظهار تصريح ملائم. وغاية هذا الإغلاق السياسي قمع الاحتجاجات، ليس كورونا، التي تنتشر دون عائق لدى الحريديين، ولا يوجد أفراد شرطة أو مظليون في الكُنس والييشيفوت ومدارس الحريديين الابتدائية، ولا يوجد إنفاذ للقانون ولا صلاحيات”.
وتابع أن “الديكتاتور الصغير (نتنياهو) استخدم كورونا مرتين: بداية من أجل تشكيل حكومة لنفسه، بعدما فشل بذلك في ثلاث جولات انتخابية، والآن من أجل إسكات الاحتجاجات بواسطة ’حالة طوارئ’. والهدف: تحويل المعارضة له إلى مخالفة جنائية لفترة غير معروفة، ومواصلة إرجاء محاكمته لفترة غير معروفة، وإذا اقتضت الحاجة، إرجاء الانتخابات أيضا لفترة غير معروفة”.
وخلص مسغاف إلى أن “الحزب الحاكم تحول إلى طائفة مجنونة من البيبيين. وشركاؤه الحريديون ينهبون الدولة ويستخفون بها. والمتعاونون معه من بقايا (حزبي) كاحول لافان والعمل دخلوا تحت نقالة الديكتاتورية. وقد قرروا هذا الأسبوع أنه داخل سيارة مغلقة يحظر التظاهر أيضا”.
المصدر/عرب ٤٨
تعليق واحد
تعقيبات: اعتقال العشرات في تظاهرات حاشدة ضد نتنياهو - غزة برس