أعلنت الرئاسة الفرنسية أن الرئيس إيمانويل ماكرون كلف أمس الجمعة رسميا المؤرخ بنيامين ستورا بمهمة تتعلق بـ”ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر”، بهدف تعزيز “المصالحة بين الشعبين الفرنسي والجزائري”، وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كلف الأسبوع الماضي المؤرخ عبد المجيد شيخي للعمل مع الجانب الفرنسي.
وأوضحت الرئاسة الفرنسية أن مهمة ستورا، وهو من مواليد الجزائر، ينتظر أن تصدر نتائجها في نهاية العام، وتتجلى المهمة في “القيام بعرض عادل ودقيق للتقدّم المحرز بفرنسا في ما يتعلق بذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر، وكذلك للنظرة إلى هذه الرهانات على جانبَي البحر الأبيض المتوسط”.
وفي رسالة تكليف ستورا، قال ماكرون إنه “من المهم أن يُعرف تاريخ حرب الجزائر، وينظر إليه بشكل واضح. الأمر يتعلق براحة وصفاء أولئك الذين أضرت بهم تلك الحرب”، وأضاف الرئيس الفرنسي أن الأمر يتعلق أيضا “بمنح شبابنا إمكانية الخروج من النزاعات المتعلقة بالذاكرة”.
المؤرخ بنيامين #ستورا وصف الخطوات التي أقدم عليها الرئيس الفرنسي، إيمانويل #ماكرون، بالمشجعة على تهدئة حروب الذاكرة، التي كثيرا ما تسببت في تسميم العلاقات الجزائرية الفرنسية.. شاهد التفاصيل pic.twitter.com/5D0AvES71E
— أوراس | Awras (@AwrasMedia) July 25, 2020
ماضٍ يعرقل
وأشار الرئيس ماكرون إلى أن موضوع الاستعمار وحرب الجزائر عرقلا لفترة طويلة بناء مصير مشترك في البحر المتوسط بين فرنسا والجزائر.
وفي مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية أول أمس الخميس، شدد ستورا على أنه “ليس ممثلاً للدولة الفرنسية”، وقال “لا يمكننا أبدا التوفيق بين الذاكرات بشكل نهائي، لكني أعتقد أنه يجب علينا أن نتحرك نحو سلام نسبي للذاكرات، من أجل مواجهة تحديات المستقبل على وجه الخصوص، حتى لا نبقى أسرى الماضي طيلة الوقت”.
واعتبر المؤرخ الفرنسي، الذي ولد في مدينة قسنطينة الجزائرية في عام 1950، أن “التاريخ في الجزائر، كما في فرنسا، هو تاريخ ينطوي على رهانات (…) علينا فعلا أن نقوم على جانبي المتوسط بمحاولة الاقتراب لأكبر قدر ممكن من تاريخ هو تاريخ الوقائع بحد ذاتها، وليس تاريخا مؤدلجا دائما، أو يستخدم أداة باستمرار”.
"بيننا وبين الفرنسيين دماء 10 ملايين من الشهداء".. #الجزائر تستعيد رفات مقاومين احتفظت بهم #فرنسا لأكثر من 170 عاما بينهم سليمان الحلبي قاتل الجنرال "كليبر"
التفاصيل مع المؤرخ والأكاديمي محمد الأمين بلغيث pic.twitter.com/7a7hTja8oJ— قناة الجزيرة (@AJArabic) July 4, 2020
تكليف شيخي
بالمقابل، قال الرئيس الجزائري الأسبوع الماضي خلال إعلان تكليف مستشاره لشؤون الأرشيف الوطني والذاكرة الوطنية عبد المجيد شيخي إن الأخير سيتولى “تمثيل الجزائر في العمل الجاري حاليا مع الدولة الفرنسية فيما يتعلق بالملفات ذات الصلة بالذاكرة الوطنية”.
وكان الرئيس تبون صرح في مقابلة سابقة مع صحيفة “لوبينيون” الفرنسية بأن شيخي ستورا سيعملان معا تحت الوصاية المباشرة لرئيسي البلدين في سبيل الوصول إلى الحقيقة، وذلك “في جو من الصفاء والهدوء لحل هذه المشاكل التي تسمّم علاقاتنا السياسية ومناخ الأعمال وحسن التفاهم”.
ويأتي تكليف شيخي وستورا بعد أقل من شهر من تسليم باريس رفات 24 من قادة المقاومة الجزائرية، الذين سقطوا في بداية الاستعمار الفرنسي للبلاد، والذي استمر 132 عاما.
رفات الشهداء
واعتبرت الجزائر هذه المبادرة الفرنسية “خطوة كبيرة”، وصرح شيخي بأن استرجاع رفات الشهداء الجزائريين من فرنسا هو خطوة أولية باتجاه استعادة كل ما له علاقة بالذاكرة الجزائرية.
وأضاف المؤرخ الجزائري أنه من السابق لأوانه الحكم على النوايا الفرنسية، واعتبار تسليم الجماجم نقطة تحول في نظرتها للغير، خصوصا إلى الجزائر.
تجدر الإشارة إلى أن ملف الإرث الاستعماري لفرنسا في الجزائر يتخلص في أربعة ملفات أساسية تتفاوض بشأنها فرنسا والجزائر منذ سنوات، وهي أرشيف المرحلة الاستعمارية الذي ترفض باريس تسليمه وتصر الجزائر على استرجاعه،
والملف الثالث هو استرجاع ما تبقى من جماجم قادة الثورات الشعبية من متحف بباريس، وتعويض ضحايا التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية بين 1960 و1966. ويتجلى الملف الرابع في مطالبة الجزائر لفرنسا بالكشف عن مصير 2200 مفقود خلال ثورة التحرير.
المصدر : الجزيرة + الفرنسية