الرئيسية / شئون إسرائيلية / بروكينجز: هكذا يعيد كورونا صياغة البيئة الاستراتيجية لإسرائيل

بروكينجز: هكذا يعيد كورونا صياغة البيئة الاستراتيجية لإسرائيل

سيعيد وباء الفيروس التاجي المستجد تشكيل سياسات واقتصادات الشرق الأوسط على المدى القريب والبعيد. ونظرًا لأن تداعيات الوباء لن تقتصر فقط على قطاع الصحة العامة، فإن العديد من الديناميكيات التي كان من المقرر لها البدء ستتسارع بشكلٍ مضطرد بمجرد ظهورها للنور.

وبينما تراقب (إسرائيل) عن كثب الآثار الجانبية للوباء وهي تتطور إلى تهديدات أمنية محتملة، فإنها تنظر في فرص التعاون الإقليمي والاستقرار التي تنشأ مع تغير المشهد المحيط بها.

كانت العديد من البلدان في المنطقة غارقة في أزمات معقدة قبل وقت طويل من اندلاع الجائحة، حيث يمثل الوضع الراهن في غالبية الشرق الأوسط (الأوضاع الاقتصادية السيئة، وتدفق المهاجرين واللاجئين، والحروب الأهلية العنيفة والصراعات الداخلية، والبيروقراطية الفاشلة والفاسدة) مشهدًا يحمل التهديدات والفرص على حد سواء.

وعندما حل الوباء، كان لدى الحكومات الضعيفة والأنظمة الاستبدادية في المنطقة حافز سياسي قوي لإخفاء الحقيقة عن ناخبيها وبقية العالم.

لا تستطيع الكثير من هذه الحكومات جمع البيانات المتصلة بالوباء وفهمها، وهذا عائق كبير يضعف أي قدرة على التعامل مع الوباء وتخصيص الموارد (غير الموجودة تقريبًا) لإبقاء بلدانها قائمة.

إيران والعراق

كانت إيران (التي تعاني بالفعل من عقوبات صارمة واضطرابات تاريخية) واحدة من أوائل الدول في العالم التي عانت من انتشار واسع النطاق للوباء، وأصبحت نقطة تفشي ساخنة إلى حد كبير بسبب العلاقات الاقتصادية الوثيقة مع الصين وسوء إدارة طهران.

أعلنت الجمهورية الإسلامية بشكل رسمي 76 ألف إصابة وأكثر من 4700 حالة وفاة، ولكن الخبراء الصحيين يقدرون أن الأرقام الحقيقية أعلى بكثير.

هناك العديد من الأسئلة المحيطة بتداعيات الوباء على استقرار إيران، وكيف سيؤثر الركود الاقتصادي المتسارع على ما يسمى باستراتيجية الهلال الشيعي الإيراني، والتوسع الإقليمي، وتطلعات إيران النووية، وحربها المستترة مع الولايات المتحدة و(إسرائيل).

من ناحية، قد يكون تفشي الفيروس التاجي فرصة للنظام لقمع الاضطرابات الداخلية بينما العالم مشتت؛ خاصة الولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى، فإنه يسرّع من مشاكل إيران العميقة بالفعل، مما يدفع طهران إلى إمكانية التفاوض مع الولايات المتحدة.

في الواقع، حذر الاقتصاديون الإيرانيون الرئيس “حسن روحاني” من أن الانكماش الاقتصادي الذي أحدثه الفيروس قد يشعل اضطرابات جديدة.

سيتعين على حلفاء الولايات المتحدة تقييم الوضع بعناية وتحديد ما إذا كان ينبغي الحفاظ على سياسة الضغط الأقصى أو تخفيف العقوبات في محاولة للمساعدة في تخفيف الخسائر البشرية للوباء في إيران.

تتسبب قيود الميزانية الشديدة وعدم الرضا الشعبي بتقليل فرص انخراط إيران في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة و(إسرائيل)، وحتى السعودية، في هذا الوقت.

ويبدو، في الوقت الحالي أن إيران أبطأت نشاط فيلق القدس في سوريا والعراق، وخاصة أن خليفة “قاسم سليماني” أبعد ما يكون عن ملء الفراغ الذي تركه.

لم تتخل إيران عن طموحاتها، لكنها خصصت موارد أقل في الشهر الماضي لبعض مشاريعها العسكرية على حدود (إسرائيل)، والمتمثلة في سلسلة توريد صواريخ دقيقة لـ”حزب الله” اللبناني و”الجهاد الإسلامي” الفلسطيني.

بالطبع، ستتغير هذه الظروف بمرور الوقت، وتراقب (إسرائيل) ذلك عن كثب.

أما فيما يتعلق بالمخابرات والأمن القومي، فإن (إسرائيل) تركز على الوقت الذي ستستغرقه إيران في امتلاك سلاح نووي.

لا تزال إيران متمسكة بإمكانية الحصول على دعم مالي من الاتحاد الأوروبي وتدفع حملة علاقات عامة منسقة على أمل أن تقلص الولايات المتحدة نظام العقوبات.

سوف تسير طهران على خيط رفيع، حيث ستحافظ على ما تبقى من الاتفاق النووي الإيراني في الوقت الذي تتقدم فيه في البحث والتطوير المتقدم لأجهزة الطرد المركزي وزيادة إنتاج مخزونها من اليورانيوم.

تخشى المخابرات الإسرائيلية من حدوث قفزة نووية إيرانية يتم التغاضي عنها في خضم الصراع مع “كوفيد-19″، وفي هذه الحالة، يدرك مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي أنه سيتعين على (إسرائيل) -مرة أخرى- تحمل عبء إيقاف إيران.

لكن الموارد التي ستحتاج إليها في عصر الفيروس التاجي ستكون أكثر مما تستطيع (إسرائيل) إدارته بمفردها.

يشكل الوجود الأمريكي في العراق شوكة في خاصرة إيران، وستستمر الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في إطلاق الصواريخ على الجنود الأمريكيين وقوات التحالف أثناء الجائحة لدفع الإدارة الأمريكية إلى التراجع تدريجياً إلى جيوب بعيدة في المنطقة الكردية ذاتية الحكم في شمال العراق والمناطق المأهولة بالسنة في غرب العراق.

ستراقب دول مجلس التعاون الخليجي -على وجه الخصوص- هذا التوجه عن كثب، كما ستراقب لترى كيف توازن الإدارة الأمريكية بين خطها الأحمر بشأن الضحايا الأمريكيين في الوقت الذي تضغط فيه خسائر أزمة “كورونا” المحلية في الولايات المتحدة.

تعتقد إيران أن قابلية قيام إدارة “ترامب” بالانتقام ستقل بشكل كبير مع احتدام الوباء على أرض الولايات المتحدة.

وفي خضم الخوف من العدوى داخل القوات الأمريكية في العراق، بدأت الولايات المتحدة بالفعل في التقليل من التعاون مع الحلفاء العراقيين المحليين. وفي الأسابيع الأخيرة، قام التحالف بقيادة الولايات المتحدة بسحب القوات من 6 قواعد عراقية في مواجهة التهديدات المتزايدة، وهو أمر من المؤكد أن طهران ترحب به.

مصر والأردن وغزة والضفة الغربية

في مارس/آذار، لم تكن (إسرائيل) قلقة فقط من صراعها الداخلي مع الوباء، ولكن أيضًا من تفشي الفيروس في الجارتين الأردن ومصر.

سيشكل ارتفاع معدلات الإصابة وعدد الوفيات في تلك البلدان تهديدًا كبيرًا لاستقرار أنظمتها، وسيكون فتح جبهات إضافية مدمرًا لـ(إسرائيل)، إلى جانب غزة في الغرب وسوريا في الشمال.

حتى الآن يبدو أن عدد الحالات المؤكدة في كلا البلدين منخفض (حوالي 2500 حالة إجمالاً)، وهو ما يعد مبعث راحة كبيرًا لـ(إسرائيل).

خيارات (إسرائيل) صعبة فيما يتعلق بالجبهة الفلسطينية، إذ إن عليها معالجة الوباء داخليًا ومنعه خارجيًا في الضفة الغربية وغزة.

فهل سترتفع التوترات مع خروج الوباء عن السيطرة؟ (هدد قائد حماس في غزة “يحيى السنوار” بأنه إذا لم يتم جلب أجهزة التنفس إلى غزة، فإن جماعته ستوقف تنفس 6 ملايين إسرائيلي) أم أنها فرصة للتفاهم المتبادل؟

إن احتمال وقوع كارثة صحية في غزة ليس بعيد التحقق. يتجاهل صناع القرار الإسرائيليون هذا السيناريو الكابوسيّ في الوقت الحالي، ويركزون على المخاوف الأكثر إلحاحًا مثل بناء التحالفات السياسية وارتفاع معدلات الإصابة داخل (إسرائيل).

في الضفة الغربية، يتوسع التعاون الأمني ​​القائم سابقًا بين (إسرائيل) وقوى الأمن الفلسطينية إلى المزيد من المسارات الاجتماعية والطبية والإنسانية. فهل ستمثل هذه بارقة أمل في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟ ربما نعم، إذا تحركت (إسرائيل) بشكل صحيح واستخدمت الوباء لتقريب “حماس” من وقف إطلاق نار طويل الأمد.

بحجة أن “حماس” تخشى إصابة عناصرها في السجون الإسرائيلية؛ بدأت المحادثات من أجل إبرام صفقة تبادل أسرى بين الجانبين.

تحيي هذه المحادثات حوارا يعتبر ميتا منذ حوالي 6 سنوات، والقلق من احتمال أن تستغل “حماس” أو السلطة الفلسطينية هذا الوباء في التصعيد من أجل تحقيق مطالبهما.

استباقًا لمثل هذه السيناريوهات، نشر الجيش الإسرائيلي قوات عبر الحدود وزاد من التعاون مع الفلسطينيين لتسوية منحنى الوباء في أراضيهم.

يبدو التعاون ناجحًا حتى الآن، مع تصرف غزة وحتى قيادة “حماس” بشكل براجماتي.

لبنان وسوريا

أصاب الفيروس التاجي لبنان في خضم أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية، ويبدو أن “حزب الله” عازم على اغتنام هذه الفرصة لإظهار الهيمنة في البلاد عبر تباهي ناشطي “حزب الله” بالإمدادات الطبية وسيارات الإسعاف.

وفيما يصف زعيم حزب الله “حسن نصرالله” نفسه بأنه منقذ؛ فإن خياراته صعبة في ظل تراجع التمويل الإيراني. سيتعين على “نصرالله” التركيز على جبهة “كورونا” أكثر من التركيز على حملة الصواريخ الاستراتيجية، أيّ إن عليه أن يقلل عدد ورش عمل البحث والتطوير في مجال الصواريخ ويركز أكثر على المستشفيات.

قد يريح هذا (إسرائيل) من ناحية فكرة تحقق سيناريو “التهديد الشمالي”، على الأقل في المدى المتوسط، ولكن تعزيز معاقل “حزب الله” في لبنان تمثل أخبارا سيئة لـ(إسرائيل).

في سوريا، لا يزال النظام يتلقى صواريخ وأسلحة متقدمة جواً من إيران، وتريد إيران إنتاج أسلحة كيميائية لإعادة تعبئة مخزونات سوريا المستنفدة.

يُزعم أن (إسرائيل) في أوائل مارس/آذار ضربت منشأة حرب كيماوية بالقرب من مدينة حمص، ومع وجود إيران تحت ضغط شديد بسبب الفيروس التاجي ووجود موارد أقل تحت تصرفها نتيجة لذلك، قد تلجأ طهران إلى تدابير أكثر تطرفًا مثل استخدام الأسلحة الكيماوية، وإن كان ذلك على نطاق محدود.

سوريا دولة رئيسية في إنتاج ونشر الأسلحة (معظمها جوًا) بالقرب من الحدود الإسرائيلية، ومع تشتيت الجائحة للمجتمع الدولي، فقد لا يتنبه لمثل هذه التطورات.

يقترح بعض المحللين أن تستكشف (إسرائيل) سبلًا لمساعدة نظام “الأسد” وملايين اللاجئين في سوريا بالإمدادات الطبية والخبرة، وإن كان ذلك بسرية.

ليست هذه مهمة إنسانية فحسب، بل تمثل فرصة غير مسبوقة لـ(إسرائيل) للدخول في حوار محتمل مع النظام السوري وبناء الثقة.

لا يرتاح “فلاديمير بوتين” و”بشار الأسد” بشكل كامل للوجود الإيراني المتنامي في سوريا، وفي مرحلة ما قد تضغط موسكو على طهران للمغادرة.

وبمجرد أن تسيطر (إسرائيل) على حالات الفيروس التاجي، ستنظر بجدية في مساعدة سوريا.

السعودية والإمارات

تفاقم عدم اليقين الاقتصادي في الخليج بسبب تراجع الطلب على النفط، وأدت الأزمة داخل مجموعة “أوبك+” والصراع الدبلوماسي بين روسيا والسعودية إلى انخفاض سعر النفط لأكثر من النصف منذ مارس/آذار، في الوقت الذي خفضت فيه عمليات الإغلاق واسعة النطاق في أوروبا وأمريكا الشمالية من الطلب على النفط.

وبالرغم أن الاتفاقية الأخيرة بين السعودية وروسيا مع الدول الكبرى المنتجة للنفط غير مسبوقة، في إطار محاولتهم لتحقيق استقرار سوق النفط، إلا إنها غير كافية لتعويض الخسارة في الطلب.

تعد هذه ضربة قوية بالنسبة للسعودية والمنتجين الآخرين مثل العراق والجزائر وقطر والإمارات والكويت، كما تأثرت الدول المعتمدة على السعودية وقطر والإمارات في بقائها الاقتصادي، مثل مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، والتي قد تُترك بدون شبكة الأمان الاقتصادي التي يقدمها الحلفاء الأغنياء بالنفط.

هذه أنباء سيئة جدا بالنسبة لطهران، لأنها كانت تحاول النجاة عن طريق تهريب بعض النفط، وقد أصبحت تكلفة إنتاج النفط الإيراني أعلى من سعر البيع، وفي الوقت نفسه، لا يلوح تخفيف للعقوبات في الأفق.

بشكل عام؛ فمع اعتماد جزء كبير من اقتصاد المنطقة على سوق الطاقة، سيكون التعافي بعد الوباء لمعظم منطقة الشرق الأوسط إن لم يكن كلها بطيئًا ومؤلماً.

يمكن أن توفر الأزمة لـ(إسرائيل) فرصة لتعزيز علاقتها مع مجلس التعاون الخليجي.

وفقا لتقارير وسائل الإعلام؛ حصلت المخابرات الإسرائيلية على أدوات اختبار الفيروس التاجي من دول الخليج التي لها علاقة سرية وغير رسمية مع (إسرائيل) مثل الإمارات.

عملت (إسرائيل) على تعزيز هذه العلاقات لسنوات عديدة فيما يخص القضايا الأمنية ومكافحة الإرهاب، وبدورها، سعت دول الخليج للتكنولوجيا الإسرائيلية وقدرات الأمن السيبراني لسنوات عديدة لتعزيز استقرار أنظمتها.

مع استمرار انتشار الوباء، سيتعين على دول الخليج إعادة النظر في سياسات الهجرة والوصول إلى الحدود، خاصةً تجاه إيران.

وفي المقابل، ستنتظر دول الخليج أن تدعم (إسرائيل) قضاياهم وربما أن توفر خبرة وأجهزة إضافية، وبالتالي؛ قد تعيد (إسرائيل) النظر في سياسة تصدير التكنولوجيا وإدارة المخاطر التي ينطوي عليها ذلك، وخاصة فيما يتعلق بالملكية الفكرية.

ما يحمله المستقبل

بشكل عام، لا يعد تأثير الجائحة على الوضع الإقليمي لـ(إسرائيل) واضحًا تمامًا.

ومع إن جائحة الفيروس التاجي أصابت (إسرائيل) والشرق الأوسط فيما هم غير مستعدين، إلا أن المشهد الإقليمي لـ(إسرائيل) لم يتغير حتى الآن بشكل كبير وتمكنت من السيطرة على تفشي المرض محليًا، بل إن هناك دراسة صنفت (إسرائيل) في المرتبة الأولى من حيث السلامة المتعلقة بـ”كورونا”.

في الخلفية تتضح نكسة كبيرة في استعداد (إسرائيل) للحرب القادمة “واستراتيجية المعارك بين الحروب”، كما سيؤجل الجيش الإسرائيلي الآن خطة إصلاحه التي طال انتظارها وتستمر لـ5 سنوات، والمسماة بـ”تنوفا”.

فمع حجم الدور الذي يأخذه الجيش الإسرائيلي في مواجهة الجائحة، وإعادة توزيع الموارد، ستبقى هذه المبادرة الحاسمة معلقة حاليًا.

في كثير من النواحي، ازداد تعاون (إسرائيل) مع الدول المجاورة، كما يبدو أن التنسيق مع الفلسطينيين -“حماس” والسلطة الفلسطينية على حد سواء- سيزداد.

أدى الوباء أيضًا إلى ظهور فرص جديدة على جبهة السياسة الخارجية، فقد أبدت دول الخليج تضامناً، وتم تعليق بعض النشاطات الإيرانية في سوريا، وحزب الله يتعرض للإنهاك في لبنان.

ومع ذلك، فإن مصير الشرق الأوسط المتقلب ليس واضحًا مع الوباء.

فرغم المصاعب التي تواجهها إيران محليًا، لم تتخل عن طموحاتها الإقليمية، ولا تزال الولايات المتحدة حذرة من التهديدات الرئيسية المتمثلة في احتمالية قيام إيران بالمزيد من العمليات العسكرية أو حروب الظل أو صنع الأسلحة النووية.

المصدر/ الخليج الجديد

شاهد أيضاً

ما عرفه نتنياهو قبل 7 أكتوبر: التحذيرات بشأن حماس والاغتيالات غير المصرح بها والموضوع الإيراني

ترحمة: أمين خلف الله  القناة 12 عمري مانيف بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، عندما بدأت …

%d مدونون معجبون بهذه: