في الوقت الذي تتطلع فيه الحكومة الإسرائيلية إلى رفع متدرج للتقييدات التي فرضتها على سوق العمل كإجراء وقائي للحد من انتشار فيروس كورونا حتى نهاية أبريل/نيسان الجاري، فإنه لا يمكن بهذه المرحلة إحصاء حجم الخسائر الذي تكبدها الاقتصادي الإسرائيلي الذي سيدخل في ركود لم يشهده بالسابق.
ورغم الشلل الاقتصادي والخسائر الفادحة التي تهدد إغلاق نحو 250 ألف مصلحة تجارية بحال لم تحصل على دعم حكومي فإن وزارة الصحة الإسرائيلية لا تستبعد إمكانية عودة القيود على القطاع الاقتصادي إذا تفشى الفيروس مجددا، على أن تتواصل الإجراءات المشددة وحظر التجمعات والتجمهر والرحلات الجوية حتى مطلع سبتمبر/أيلول المقبل.
وساهم تعليق العمل في مختلف القطاعات التجارية والاقتصادية والمتواصل للشهر الثاني على التوالي في ارتفاع معدلات البطالة بحوالي 26%، حيث وصل إجمالي المسجلين للحصول على مستحقات البطالة قرابة مليون و85 ألفا، أغلبيتهم من قطاعات السياحة والفنادق والطيران المدني والمطاعم، حيث يتوقع أن قرابة 250 ألفا ممن سجلوا بالبطالة لن تتم إعادتهم لسوق العمل، وسيتم الاستغناء عنهم من قبل المشغلين بالقطاع الخاص.
خسائر وبطالة
ويعتقد سيفر بلوتسكر محرر الملحق الاقتصادي في صحيفة يديعوت أحرونوت أن إسرائيل ستعاني من أسوأ ركود اقتصادي في تاريخها هذا العام، بحيث سيقفز معدل البطالة مع انتهاء أزمة كورونا إلى 12% بحسب تقدير صندوق النقد الدولي، بينما يقدر بنك إسرائيل أن نسبة البطالة ستستقر عند 6% بعد أن توقفت قبل الأزمة عند 4%، فيما يتوقع انخفاضا بنسبة 5.3% في الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضح المحرر الاقتصادي أن تقرير بنك إسرائيل الذي يظهر الفارق بالتوقعات والمعطيات التي نشرها صندوق النقد الدولي بشأن تداعيات كورونا على الاقتصاد الإسرائيلي لا يتضمن أي تفسيرات بل جداول فقط وتقديرات، مما يعني ضرورة الانتظار لأسابيع للحصول على صورة أوضح بخصوص حجم الخسائر وتأثير أزمة كورونا على الاقتصاد الإسرائيلي.
وعلى الرغم من ذلك فإن بلوتسكر يتوقع صورة قاتمة للاقتصاد الإسرائيلي بسبب أزمة كورونا، مستذكرا أنه في الأزمة المالية العالمية في العام 2009 لم ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي، ولم يكن الاقتصاد في حالة ركود ولا حتى ركود تقني، مما يعني أن الاقتصاد الإسرائيلي سيكون في الربعين المقبلين بحالة من النمو السلبي، وفقط في العام 2021 سيشهد نموا بنسبة 5%، علما أن توقعات بنك إسرائيل كانت قبل الأزمة بأن العام المقبل كان من المفروض أن يشهد انتعاشا اقتصاديا بنسبة 8.7%.
تدخل ودعم
من جانبه، يعتقد محافظ بنك إسرائيل البروفيسور أمير يرون أن وزارة المالية مطالبة برصد ميزانية فورية بقيمة 5 مليارات دولار من أجل مواجهة تداعيات أزمة كورونا والحفاظ على متانة سوق العمل، مبينا أن الحكومة مطالبة بالتدخل في السوق الاقتصادي عبر توسيع عمليات شراء السندات الحكومية التي فتحت بمبلغ 13 مليار دولار.
بدوره، قال مدير قسم البحوث في بنك إسرائيل البروفيسور ميشيل سترابتينسكي إنه وفقا للتوقعات الأولية، فإن الناتج المحلي الإجمالي بأكمله في عام 2020 سينخفض بنسبة 2.5%، على افتراض أنه سيتم رفع القيود عن سوق العمل في نهاية أبريل/نيسان الجاري.
ويبدي مدير قسم البحوث مخاوفه من إمكانية اتساع دائرة الخسائر للاقتصاد الإسرائيلي التي لا يمكن إحصاؤها بهذه المرحلة، مؤكدا أن تكلفة الإجراءات المدعومة من قبل الحكومة حتى الآن تقدر بنحو 13 مليار دولار، وهي حوالي 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
ومع ذلك، يعتقد سترابتينسكي أنه إذا استمر الإغلاق وتعطيل سوق العمل حتى نهاية مايو/أيار المقبل فإن تكلفة الخطوات الحكومية لدعم الاقتصاد ومنع انهياره ستقفز إلى 36 مليار دولار، والتي تشكل 9% من الناتج المحلي الإجمالي.
تداعيات وترسبات
من جهته، قال المحاسب والاقتصادي رامي عنبوسي إن للإغلاق الشامل الذي تفرضه الدولة للشهر الثاني على التوالي ترسبات سلبية على الاقتصاد العام، والمجتمع العربي خصوصا، بحيث إن عودة مختلف قطاعات العمل والتجارة للنشاط مجددا ستكون بشكل متدرج وقد تستغرق أشهرا طويلة.
ويجزم عنبوسي أن أمد الآثار والتداعيات الاقتصادية بسبب كورونا سيطول، حيث من المتوقع أن تستغل الدولة انقشاع الوباء لفرض ضرائب لتعويض خسائر الأزمة، وهو ما سيطيل أمد التعافي الاقتصادي والانتعاش من جديد.
وعن الفترة التي سترافق تداعيات كورونا الاقتصاد الإسرائيلي، أجاب عنبوسي ردا على سؤال الجزيرة نت “هذا سؤال المليون كما أسميه، لا أحد يعلم، الأمر متعلق بالدواء والمصل لهذا الوباء، لأن هذه الأزمة لها سبب صحي عجل ظهورها وعمق آثارها”.
إغلاق وعودة
ويرى عنبوسي ضرورة متابعة الأرقام التي توصلت إليها إحدى الدراسات الإسرائيلية الإستراتيجية، والتي تابعت تطورات الأزمة ومعالجتها لدى 29 دولة موبوءة، وخلصت إلى نتيجة مفادها وجوب إغلاق الدولة وحظر التجول كاملا لمدة 3 أشهر، تتبعها 3 أشهر تتم فيها العودة بالتدرج.
ورجح أنه لن تكون العودة كاملة إلا في الربع الأخير من هذا العام، أي في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهذا على فرض أن الوباء تمت محاصرته بنجاح خلال مدة الحظر، ولكن ستظل الفرصة متهيئة لعودة انتشار الفيروس ما لم يوجد المصل المضاد.
وعن حجم الأضرار الاقتصادية والخسائر لأصحاب المحلات التجارية الصغيرة والمتوسطة، قال عنبوسي إن “الأضرار غير قابلة للحصر، معظم المحال مغلقة، حتى من يمكنهم العمل فيفضل بعضهم المكوث في البيت خوفا من العدوى، فالحكومة قد منعت المحال غير الحيوية من ممارسة نشاطها الاعتيادي، وهذا ما يفاقم الأزمة ويزيد الضغوطات على المصالح لتسريح العاملين والبحث عن قروض للمعيشة وتفعيل المصلحة”.
ركود وتراجع
من جانبه، يعتقد الدكتور إمطانس شحادة رئيس اللجنة الفرعية لمكافحة كورونا النائب عن التجمع الوطني في القائمة المشتركة في الاقتصاد أن أزمة كورونا سيكون لها الكثير من الارتداد السلبي العميق على الاقتصاد الإسرائيلي -الذي يشهد أسوة بالاقتصاد العالمي- شللا لغالبية المرافق التجارية ومختلف القطاعات التي ما زالت معطلة منذ أسابيع.
وأوضح إمطانس في حديثه للجزيرة نت أن أزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية ستكون لها دلالات وانعكاسات على الحكومة والمجتمع الإسرائيلي، بحيث سنشهد ارتفاعا في معدلات البطالة حتى بعد انتهاء الأزمة في قطاعات السياحة والفندقة والمصانع التي تعتمد على تصدير منتجاتها للعالم، بحيث إن أكثر من 20% ممن خرجوا في عطلة غير مدفوعة الأجر لن يعودوا لسوق العمل وسيفقدون وظائفهم، وهذا سيشكل عبئا على موازنة الدولة للعام المالي المقبل.
ويتوقع الخبير بالاقتصاد انخفاض النتائج المحلي في البلاد وتراجع الطلب العالمي على الصادرات الإسرائيلية، مما يعني أن الدولة ستدخل ركودا اقتصاديا وتجاريا، وعلى الرغم من ذلك يقدر أن إسرائيل قد تكون أكثر الدول الغربية التي لديها الإمكانيات الواسعة لمواجهة الأزمة، وذلك بسبب فائض العملات الأجنبية لديها وحجم الديون الخارجية الصغيرة والاستقرار الاقتصادي الذي عاشته قبل تفشي فيروس كورونا.
المصدر : الجزيرة