الرئيسية / منوعات / عندما تمرض أوروبا وتتعلم الدروس

عندما تمرض أوروبا وتتعلم الدروس

بعد نهاية أزمة جائحة كورونا ستسأل أوروبا أولا وقبل كل شيء لماذا كان نصيبها من عدد الإصابات والوفيات بهذا الحجم رغم التطور الذي تتمتع به؟ فالأسباب قد لا تكون واضحة الآن ولكن ذلك سيتصدر النقاشات السياسية لاحقا .

وفي انتظار ذلك فإن السؤال الأكبر الذي يجب أن تجيب عليه دول الاتحاد قريبا، وفي ظل الكارثة التي تعرضت لها إيطاليا وإسبانيا، ما هي جدوى هذا الكيان وهل يجب أن يستمر؟ وبأي شروط؟

طبعا، الإجابة السريعة لن تكون أن الاتحاد سيتفكك وأن كل دولة ستحذو حذو بريطانيا في الانفصال. وذلك رغم أن بعض المواقف والتصريحات لمسؤولين أوروبيين اتسمت أخيرا بمفردات تحذيرية، إذ سُمع بعض القادة يطرحون مصير الاتحاد على طاولة المفاوضات الجارية بين دول أوروبا الشمالية و الجنوبية (مفردات لم تكن رائجة قبل اليوم).

وفي أفضل السيناريوهات، سيطرح عدد من دول الجنوب الأوروبي بقوة فاعلية الاتحاد في زمن “أنقذ نفسك بنفسك”، وقدرة هذه المجموعة على التحرك كجسم واحد في مواجهة أزمة تتبدل مفاعيلها وآثارها بحسب مقدرات كل دولة. فبعد إجراءات الإغلاق العام التي نفذتها معظم الدول الأوروبية، وتعليق مفهوم الحدود المفتوحة، حالت الحواجز دون انتقال المواد الطبية إلى الدول التي تحتاجها أكثر مثل إيطاليا وإسبانيا، وهذا ما أدى إلى حال من الاستياء وموجة انتقادات كبيرة.

محاولة احتواء
سارعت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، للاعتذار من إيطاليا على تأخر رد فعل الاتحاد بشأن تفشي وباء كوفيد-19 وذلك في رسالة نشرتها الصحف الإيطالية في الثاني من أبريل/نيسان الجاري. وقالت إن أوروبا تتحرك اليوم وتقف إلى جانب إيطاليا لكن الأمر لم يكن دائما كذلك”.

جاء ذلك على خلفية الاجتماعات التي تحصل منذ الأسبوع الأول من الشهر الجاري في محاولة للتوصل إلى اتفاق لمواجهة العواقب الاقتصادية للوباء.

وبعد تحول مسار الوباء نحو الانحدار وتقلص أرقامه ستتبلور أكثر الآثار السياسية لهذا الاختبار الذي مرت به أوروبا. فدول الجنوب ستحاول تحسين مواقعها داخل الاتحاد على المستوى المالي وهذا ما يفسر الموقف الصلب الذي تتخذه دول الشمال مثل ألمانيا وفنلندا وهولندا والنمسا في موضوع ما عرف بسندات كورونا، والطلب من الدول الغنية في الاتحاد بتقديم ضمانات لقروض تعتزم دول مثل إيطاليا واليونان وإسبانيا الحصول عليها بهدف خفض فوائدها.

وفي نهاية المطاف قد تنجح المجموعة الأوروبية في التوصل إلى اتفاق ينقذ المنظومة ويهدئ الخواطر، ولكن تداعيات الأزمة لن تتوقف هنا لأن أوروبا كمشروع، ككتلة موحدة، تتحرك كشخصية سياسية واقتصادية واحدة كانت تعاني اقتصاديا وتجتهد للإجابة على سؤال: لماذا على الدول الغنية أن تدفع عائدات ضرائبها للدول المحتاجة بدلا من توظيفها في التعامل مع أزماتها؟ هذا هو السؤال الذي أخرج بريطانيا من الاتحاد وأعاد هذا النقاش على نطاق واسع. وجاء إخفاق الاتحاد في الامتحان الصحي ليصب الزيت على النار ويفتح الباب أمام الكثير من السياسة والتحديات.

ثغرات التعاون الصحي
كشف كوفيد 19 عن الثغرات الكبيرة في النظام الصحي الأوروبي فمركز الوقاية والسيطرة على الأمراض (ECDC) أصغر من أن يتعامل مع جائحة بهذا الحجم. فالمواثيق التي يقوم على أساسها التعاون الأوروبي تحفظ للدول الأعضاء صلاحية إدارة قطاعات الصحة، والحماية الاجتماعية وإدارة الحدود. وهذه هي نقطة الانطلاق لمناقشة أي إجراءات جديدة تهدف الى تعاون أوسع. فقد شهدت الاجتماعات الأخيرة بين قادة الدول الأعضاء نقاشات حول ضرورة قيام جهاز طموح قادر على التعامل مع أزمات صحية من هذا النوع. لكن التحديات التي تحول دون تحقيق ذلك كثيرة وهي تستوجب تنازلات سيادية وتحويل جزء من الموازنات المخصصة لهذه القطاعات الى إدارات الاتحاد المركزية. وأي إجراء يصب في هذا الاتجاه يستوجب إصدار قوانين جديدة تنعكس تعديلات في المواثيق الأوروبية، ما سيستدعي الدعوة الى استفتاء عام بالنسبة الى بعض الدول. أمر تحاول حكومات بعض الدول الأوروبية تجنبه لئلا يفتح الباب أمام المطالبات بتعديلات أوسع.

لا شك في أن أزمة كورونا علمت أوروبا الكثير من الدروس. خصوصا من ناحية “السيادة الصناعية” التي فقدتها لصالح دول توفر كلفة منخفضة لمنتجاتها كالصين والهند. فالمصانع الصينية تنتج نحو 80% من المكونات الأساسية للكثير من المضادات الحيوية التي زاد الطلب عليها بقوة أخيرا في كل دول العالم. كما تعتبر المنتج والمصدر الأكبر لفيتامين سي الذي يشكل إحدى دعائم جهاز المنعة في وجه الفايروسات.

ففي الأسابيع الماضية عادت الأصوات التي كانت تعترض على “الأخطاء” التي ارتكبت في وضع الاستراتيجيات الصناعية في العقود الماضية وأدت الى عدم قدرة أوروبا والولايات المتحدة أيضا، على التعامل مع طلب كبير واستثنائي على المعدات الطبية والأدوية التي تنتج بنسبة عالية في الدول الآسيوية. فحتى الدواء الذي تتركز اختباراته في الدول الأوروبية والولايات المتحدة يقع تحت رحمة القدرة الإنتاجية لدولٍ قادرة على التحكم بلحظات مصيرية كتلك التي يشهدها العالم الآن. فالهند مثلا سارعت الى فرض حظر على تصدير 24 منتجا طبيا يستخدم في صناعة أدوية أساسية ما أدى الى نقص كبير في الأسواق التي تعاني ولا تزال، نقصا في بعض العقارات. علما أن الحكومة الهندية أعلنت في 6 أبريل نيسان رفع الحظر باستثناء مادة باراسيتامول التي تستخدم في مكافحة الألم على نطاق واسع. وفيما لم يعرف سبب رفع الحظر فإن معلومات عزته الى ضغوط سياسية مارسها عدد من الدول الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة.

كل هذه المواقف ستؤدي الى مراجعة للسياسات الصناعية الأوروبية لضمان القدرة على التعامل مع ظروف مشابهة بطريقة أفضل وتجنب انقلاب الأدوار حين تمسك الدول النامية بالدول العظمى من عنقها، فقط لأن لديها فقراء يعملون برواتب أقل.

المصدر/ بي بي سي

شاهد أيضاً

ظاهرة تمزيق الطلاب لدفاترهم وكتبهم عند انتهاء العام الدراسي

بقلم الدكتور : محمود عبد الفتاح المقيد. حقا نحن أمام ظاهرة غريبة .. بدأت تنتشر …

%d مدونون معجبون بهذه: