كانت لحظة إصابة المواطن الغزي محمد العامودي (27 عاما) يوم 13 أبريل/نيسان 2018 أثناء مسيرات العودة مرحلة مهمة في حياته، عندما أصيب بطلق ناري متفجر اخترق قدميه، حيث انتشر له فيديو وهو يرفع علامة النصر رغم الإصابة، فشاهدته الشابة المغربية محجوبة، وكان سببا في نشوء علاقة حب بينهما جسدت معنى التضحية والقدوم لزواجه والعيش في غزة.
تزوجتْ جريح غزة
محجوبة قنون (26 عاما) مغربية الأصل من مدينة الدار البيضاء، درست تخصص سكرتاريا في جامعة الحسن الثاني بمدينتها، وعملت في إحدى المدارس الخاصة لتدريس المرحلتين الإعدادية والثانوية، لكنها تعلقت بفلسطين وهي في الحادية عشرة من عمرها عندما كانت تشاهد أخبارها، خصوصًا بعد أحداث الانتفاضة الثانية.
تعرفت محجوبة أكثر على فلسطين عبر التلفاز ومتابعة أخبارها عبر عدة قنوات، وكانت تحلم بزيارتها مثل الكثيرين في المغرب، ولفتت انتباهها أكثر مسيرات العودة في غزة وتابعت أخبارها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض القنوات، لكنها شاهدت في أحد الأيام فيديو عن محمد العامودي وهو محمول على سرير الإصابة ويرفع شارة النصر.
قررت محجوبة الحديث مع محمد وإضافته عبر حسابها على الفيسبوك، وراحت تطمئن عليه باستمرار، إلى جانب معرفة الكثير عن قضية فلسطين وعن الرصاص المتفجر الذي يصاب به المتظاهرون، ونشأت بينهم علاقة حتى بدأ يتعافى ثم أحبا بعضهما، وتقدم العامودي للزواج بها وأن تعيش معه في غزة، فوافقت على ذلك.
أمنيات العيش في غزة
تقول محجوبة “بالنسبة لنا في المغرب، فلسطين أقرب دول العالم إلى قلوبنا، حتى إنه شعبيًّا عندما يريد شخص أن يبتز شخصا ويعتدي عليه يقال له: رُحْ حرّر فلسطين. لكن لم أكن أعرف أن هناك حدودا بين الضفة الغربية وغزة.. الصورة في التلفاز تختلف عن الحقيقة، لكن شعب غزة اجتماعي من الدرجة الأولى وهناك وازع ديني جميل لديهم”.
تعتبر محجوبة أن العيش في غزة كان من أمنياتها، رغم أن العديد من صديقاتها عارضن فكرتها وتساءلن: كيف لها أن تعيش تحت احتلال وظروف معيشية صعبة؟ ووصلت في بداية مارس/آذار الماضي إلى القاهرة ثم إلى غزة مع إثبات بأنها زوجة فلسطيني، وتزوجت يوم التاسع من الشهر نفسه، وتعيش حاليًا مع زوجها في المخيم الغربي بمخيم خان يونس جنوبي القطاع.
ويقول زوجها محمود إنها واجهت صعوبات في العيش بغزة، فهي تشعر بالخوف عندما تسمع القصف الإسرائيلي، وعايشت لحظات انقطاع الكهرباء والمياه، لكنها قبلت هذا الحال وتأقلمت بكل قوة، وتغلبت على الأزمة النفسية التي واجهتها، لأني ما زلت أنتظر التغطية المالية من السلطة للتحويلة الطبية لإجراء عملية خارجية في مصر.
جزائرية تتزوج غزيا
ليست محجوبة هي الوحيدة التي قدمت إلى غزة قاطعة تلك المسافات للعيش في المجتمع الغزي، فعلى خطاها وصلت الجزائرية نبيلة حجي (28 عاما) منتصف مايو/أيار الماضي إلى غزة للزواج من الشاب أيمن أبو حماد (30 عاما) والعيش في بلدة بيت لاهيا، تاركة العمل كمدرسة في مدرسة ابتدائية بولاية وهران غربي الجزائر.
تشعر نبيلة بسعادة كبيرة لعيشها في غزة، وكانت قد أحبت فلسطين خلال دراستها الجامعية في قسم التاريخ والحضارة الإسلامية، إلى جانب أنها تعيش وسط مجتمع يؤمن بتحرر الشعب الفلسطيني على غرار انعتاق الشعب الجزائري من براثن الاحتلال الفرنسي.
تقول نبيلة “دخلت غزة وقبّلت أرضها في معبر رفح وبكيت.. هذا شعور عظيم.. الناس متأقلمون مع أبسط مقومات الحياة.. في شوارع غزة أسمع صوت الإسعاف والجنازات في النهار، وفي اليوم نفسه قبل الغروب أسمع أصوات الأفراح”.
وتضيف “هنا شعب يستحق الحياة، رغم اعتراض أهلي على العيش في غزة لخوفهم الشديد عليّ، لكني كل يوم أخبرهم عن مجتمع غزة رغم كل ظروفهم الصعبة.. أعيش مع زوجي حياة سعيدة.. أجمل شعور أن تعيش في أرض الرباط.. الناس هنا يحبونني لكوني جزائرية”.
سوري في غزة
حالة زواج الشابة الغزية لينا صبيح (26 عاما) اعتبرها الكثيرون من الحالات القليل حدوثها في القطاع، لأنها تزوجت من شاب سوري قدم إلى غزة عام 2013 للعمل بعدما دُمّر مكان عمله وعمل أسرته السورية في حلب.
عمل السوري أنس قاطرجي في عدد من مطاعم غزة وفنادقها، حتى افتتح مطعمه في مخيم النصيرات وسط القطاع قبل ثلاثة أعوام، وعايش ظروف الغزيين الصعبة وخصوصا العدوان الأخير على غزة، وتزوج قبل عام من لينا صبيح.
يقول قاطرجي إن “المجتمع الغزي مجتمع محب.. عشت في المدينة والمخيم، ووجدت سكان المخيم قريبين من عادات وتقاليد الحلبيين.. البعض اعتبرني حالة غريبة، حتى إنني في البداية وجدت صعوبة في إقناع عائلة زوجتي، لكنهم قبلوني لأنني متعايش مع شعب غزة.. هنا نتعايش وسط الصعوبة والفرح حتى وقت الحرب، لكن وجدت سعادة كبيرة مع زوجتي”.
أرقام وحقائق
وأوضحت الإدارة العامة للإقامات وشؤون الأجانب والمغتربين بوزارة الداخلية والأمن الوطني-الشق المدني في غزة أنها أصدرت أكثر من ثلاثة آلاف وثيقة رسمية للزوار الأجانب والمغتربين منذ بداية العام 2019.
ومن تلك المعاملات 1000 طلب موافقة دخول زائر أجنبي، و300 طلب تصريح إقامة مؤقتة، إضافة إلى 150 طلب دخول متعدد السفر، و110 طلبات تجديد إقامة سنوية لمدة ستة أشهر لبعض أصحاب الجنسيات العربية ومن عربيات تزوجن من غزة.
لكن العرب الذين يتزوجون من غزة لا يحصلون على الهوية الفلسطينية، بل يتم منحهم بطاقة تعريفية فقط، إذ في ظل اتفاقية أوسلو عام 1993 لا تُمنح هوية فلسطينية دون موافقة أمنية من الجانب الإسرائيلي وإصدار هوية للطرف الفلسطيني في الهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية.
المصدر/ وكالات