انطلقت أول محطة نووية عائمة في العالم طورتها في روسيا، برحلتها الجمعة لعبور 5 آلاف كيلومتر في القطب الشمالي، من مورمانسك باتجاه أقصى الشرق، وذلك برغم خشية الناشطين البيئيين من التداعيات على هذه المساحة شديدة الهشاشة.
وبغرض تعزيز إنتاج الهيدروكربونات في مناطق نائية ومعزولة، ستغادر “أكاديميك لومونوسوف” ميناء مورمانسك، الأكبر في شمال روسيا، بعد تزويدها بالوقود النووي، آخذةً وجهة مدينة بيفيك الصغيرة في تشوكوتكا شرقي سيبيريا.
ومن المتوقع أن تستمر الرحلة بين أربعة وستة أسابيع، طبقاً للأحوال الجوية وكمية الجليد في الطريق، برغم أنّ الممر الشمالي الشرقي (طريق بحر الشمال) – الذي يصل المحيط الأطلسي بالمحيط الهادئ على طول الشواطئ الروسية الشمالية – أصبح متاحاً بشكل أكبر بفعل ذوبان الجليد بسبب الاحتباس الحراري.
وسيقطر “أكاديميك لومونوسوف” التي يبلغ وزنها 21 ألف طن وهي بلا محرّك، عدد من السفن خلال رحلتها. وهي تحمل على متنها مفاعلين بطاقة 35 ميغاوات كل واحد، بما يجعلها قريبة من كسارات الجليد العاملة بالطاقة النووية، بينما تبلغ طاقة مفاعل في محطة نووية عادية من الجيل الجديد ألف ميغاوات.
وخلال زيارة فرانس برس في أيار/مايو 2018 إلى المحطة التي يبلغ طولها 144 متراً، وعرضها 30 متراً، وتحمل على متنها طاقم مؤلف من 69 شخصاً وتبلغ سرعتها المتوسطة بين 3,5 و4,5 عقدة (6,5 إلى 8,3 كيلومتر في الساعة)، كانت لا تزال مطلية بألوان بنية وصفراء باهتة.
غير أنّها تلوّنت حالياً بألوان العلم الروسي ووكالة الطاقة النووية الحكومية الروسية روساتوم.
ولدى وصولها إلى بيفيك سيتم وصلها بشبكة الكهرباء المحلية وستكون جاهزة للعمل بحلول نهاية العام.
وبرغم أنّ عدد سكان هذه المدينة لا يتخطى الخمسة آلاف، فإنّ المحطة قادرة على تغطية استهلاك مئة ألف شخص، وهي ستعمل أيضاً على تغذية منصات البترول في المنطقة في وقت تطوّر روسيا استغلال الهيدروكربونات في القطب الشمالي.
وبدأ بناء “أكاديميك لومونوسوف” في مدينة سان-بطرسبورغ قبل نقلها إلى مورمانسك العام الماضي، وهي ستأخذ مكان محطة نووية (برية) ومحطة فحم قديمة.
“تايتانيك نووي”
نددت جمعيات بيئية بهذا المشروع منذ سنوات وحذرت من مخاطر “تشرنوبيل على الجليد” أو من “تايتانيك نووي”، ويأتي ذلك بعدما أدى انفجار في شهر آب/أغسطس في قاعدة تجارب الصواريخ في الشمال الروسي إلى ارتفاع النشاط الاشعاعي لفترة وجيزة في محيطها.
ويقول رشيد عليموف، من قسم الطاقة في منظمة غرينبيس في روسيا، إنّ “كل محطة نووية تنتج نفايات مشعة ويمكن أن تتعرض لحادثة، ولكن +أكاديميك لومونوسوف+ هي فوق ذلك عرضة للتأثر بالعواصف”.
وتصنّف الأحوال الجوية في القطب الشمالي على أنّها قاسية ولا يمكن التنبؤ بها.
ويضيف عليموف أنّ المحطة “ستقطرها سفن أخرى، وبالتالي قد تحصل اصطدامات في حال هبوب عواصف قوية. وتعتزم روساتوم تخزين الوقود المستهلك على متنها (… بالتالي) كل حادثة قد تحمل تداعيات جسيمة على البيئة الهشة للقطب الشمالي، من دون أن ننسى أنّ لا وجود لبنية تحتية للتنظيف النووي هناك”.
وتمتاز تشوكوتكا، ذات المساحة الضخمة التي تزيد عن مساحة فرنسا ولكن لا يسكنها أكثر من 50 ألف شخص، “بقدراتها الهائلة على تطوير مصادر الطاقة من الرياح، (وبالتالي) إنّ محطة نووية عائمة هي بكل بساطة وسيلة محفوفة بكثير من المخاطر ومكلفة جداً لانتاج الكهرباء”.
من جهة أخرى، إذا كان تصوّر محطة نووية عائمة يبدو خطيراً، إلا انّ الفكرة لم تأتِ من العدم. فالصناعة النووية التي تبحث عن سبل لإعادة انتاج نفسها في ظل الاتجاه النزولي الذي طرأ على السوق، تطوّر حالياً مفاعلات صغيرة نقالة وبكلفة أقل لجذب زبائن جدد.
وتسترشد هذه الصناعة ببناء السفن التي تستخدم الطاقة النووية منذ وقت طويل لدفع الغواصات، كاسرات الجليد أو حاملات الطائرات، وهي مصممة بالأخص للمناطق المعزولة التي تفتقد للبنى التحتية.
وهذا حل أسهل بالنسبة إلى روساتوم من بناء محطة تقليدية على أرض متجمدة طيلة العام، وهي تتطلع إلى بيع محطتها العائمة للخارج.
المصدر/ يورونيوز: