انقسم الشارع السوداني بين مؤيد ومعارض لخطوة قادة المعارضة بالتوصل لاتفاق مع المجلس العسكري الذي أمعنت ميلشيات مرتبطة به، بقتل المتظاهرين منذ اندلاع الاحتجاجات في كانون الأول/ ديسمبر الماضي وحتى اليوم، خصوصا بعد المجزرة التي ارتُكبت بحق المتظاهرين في الثالث من حزيران/ يونيو الماضي، لكن الاتفاق لم يكن سودانيا داخليا فقط كما يبدو.
وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، يوم أول من أمس الجمعة، تدخل دول أجنبية للوساطة “الدبلوماسية” في اجتماع سري، أُجري السبت 29 حزيران/ يونيو، في قصر رجل أعمال ثري جدا في الخرطوم.
وبحسب الصحيفة، فقد شارك بالاجتماع دبلوماسيون من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، حيث التقى جميع هؤلاء بقادة عسكريين سودانيين وبعض قادة الاحتجاجات.
وجاء هذا الاجتماع كما يبدو على ضوء المجزرة التي ارتكبتها ميليشيات بحق المتظاهرين السلميين في الخرطوم والتي سقط ضحيتها 128 شخصا على الأقل، واغتُصبت عشرات النساء، ونُهبت المنازل وأُلقيت بعض الجثث في النيل.
وأوضحت الصحيفة أن السعودية والإمارات، اللتين تدخلتا لصالح النظام السوداني منذ بداية الاحتجاجات، ودعمتا المجلس العسكري علانية في قمعه للمدنيين، بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في نيسان/ أبريل الماضي، بدأتا بالقلق من أن تعود ثورة سودانية بأضرار كبيرة على حكومتيهما الاستبداديتين، الأمر الذي دفع زعماء البلدين إلى التدخل “دبلوماسيا”، خصوصا بعدما أدركوا كما يبدو، أن الجرائم الوحشية التي تُنسب إلى نائب رئيس المجلس العسكري السوداني الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، المدعوم سعوديا وإماراتيا، قلبت معظم السودانيين ضده.
لكن الصحيفة أكدت أيضا أن السعودية والإمارات لا تزالا تدعمان الجيش السوداني الذي يدعمهما بدوره في حربهما الشرسة على اليمن.
وذكرت الصحيفة أن التوتر طغى على الاجتماع السري، خصوصا أن قادة الاحتجاجات وجدوا أنفسهم جالسين مع حميدتي المسؤول على المجزرة في أوائل حزيران/ يونيو، بل أن الأخير أرسل قوّة لمداهمة مكاتب المعارضة في الخرطوم أثناء استراحة وجيزة خلال الاجتماع.
ورغم قمعية حميدتي، والتي ظهرت بشدة في تصرفاته خلال الاجتماع، إلا أن السودانيين الذين خرجوا في اليوم الذي تلى الاجتماع السري (30 حزيران/ يونيو)، بأعداد هائلة وصلت إلى نحو مليون متظاهر هتفوا ضد العسكر وهيمنته وجرائمه، غيّرت المعادلة.
وقال مسؤولون غربيون للصحيفة، إن قادة الجيش السوداني صُدموا من حجم التظاهرات، ورغم قتل ما لا يقل عن 11 متظاهرا في هذا اليوم، بأسلحة عناصر أمنية، إلا أن حميديتي اضطر كما يبدو للتفاوض مع الطرف الآخر.
وحصلت “نيويورك تايمز” على تفاصيل الاجتماع السري من مسؤولين سودانيين وغربيين، رفضوا كشف هوياتهم بسبب الطبيعة الحساسة للمفاوضات.
الاتفاق
توصّل المجلس العسكري الحاكم وقادة المعارضة في السودان فجر الجمعة، إلى اتّفاق حول الهيئة التي يُفترض أن تقود المرحلة الانتقاليّة المقبلة وتقاسم السلطة، حسبما ذكر وسيط الاتّحاد الإفريقي.
وقال وسيط الاتحاد الأفريقي، محمّد الحسن لبات، خلال مؤتمر صحافي، إنّ المجلس العسكري الحاكم و”تحالف الحرّية والتغيير”، الذي يقود حركة الاحتجاج، اتّفقا على “إقامة مجلس للسيادة بالتّناوب بين العسكريّين والمدنيّين ولمدّة 3 سنوات قد تزيد قليلاً”.
ولم يوضح الآليّة التي سيتمّ اعتمادها. لكن وفقاً للخطّة الانتقاليّة التي أعدّها الوسيطان الأفريقي والإثيوبي، فإنّ “المجلس السيادي” سيرأسه في البداية أحد العسكريّين لمدّة 18 شهراً على أن يحلّ مكانه لاحقاً أحد المدنيّين حتّى نهاية المرحلة الانتقاليّة.
وأضاف لبات أنّ الطرفين اتّفقا أيضا على إجراء “تحقيق دقيق شفّاف وطني مستقلّ لمختلف الأحداث والوقائع العنيفة المؤسفة التي عاشتها البلاد في الأسابيع الأخيرة”. وتابع أنه “وافق الأطراف أيضاً على إرجاء إقامة المجلس التشريعي والبتّ النهائي في تفصيلات تشكيله، حالما يتمّ قيام المجلس السيادي والحكومة المدنيّة”.
ولا تزال تفاصيل الاتفاق قيد الصياغة ومن المتوقع توقيعها في وقت لاحق من الأسبوع الجاري، فيما يسود التوقع بأن يتم تعيين قائد المجلس العسكري، اللواء عبد الفتاح برهان، زعيما مؤقتا للسودان.
ما الذي “يرضي” حميدتي؟
شددت الصحيفة على أن أمورا كثيرة لا تزال غير واضحة، فلم يُعلن عن موعد لإعادة الإنترنت، أحد المطالب الرئيسية للمحتجين، وليس من المعلوم بعد، ما هي طبيعة الهيئة التي ستحقق بالمجزرة التي ارتُكبت عشية نهاية شهر رمضان المبارك، وإذا ما كانت هيئة دولية تابعة للاتحاد الأفريقي أو سودانية محلية.
وذلك لوجود ضبابية حول ما الذي سيحدث في حال أُدين حميدتي بالجريمة، فهذه نتيجة قد تؤدي إلى اضطراب سياسي واسع في البلاد بسبب سيطرته على ميليشيات. كما أنه من غير الواضح ما هو طموح حميدتي بالضبط، هل يريد أن يحكم البلاد؟ أم أنه سيكتفي بالحفاظ على مصالحه الاقتصادية في مناجم الذهب التي تقع غربي دارفور.
مع ذلك، فقد قال محللون للصحيفة، إن المدنيين تنازلوا عن الكثير في هذا الاتفاق.
وقال مستشار برنامج أفريقيا بمعهد السلام بالولايات المتحدة، بايتون كنوبف: “لا يوجد ما يشير إلى أن هذا (الاتفاق) سيمنح السيطرة على الموارد وصنع القرار، أو بشكل أساسي ، الأجهزة الأمنية، للمدنيين. إنه يمنح الجيش وحميدتي فقط وقتا وفضاءا لتعزيز قوته”.
المصدر/ عرب48