بعد هروب نحو 740 ألفاً من أبناء الروهنغيا من ولاية أراكان، شمال ميانمار، للعيش بمخيمات في بنغلادش، إثر بدء الحملة العسكرية ضدهم عام 2017، لا تبدو اليوم هناك أي مؤشرات تدل على أن أزمة الروهنغيا في طريقها للحل.
وتحدث تقرير سرّبه «المركز الآسيوي لتنسيق المساعدة الإنسانية»، عن عدد من الإخفاقات الواقعية، يفوق أي إطار موضوعي للعودة إلى الوطن. وأنجز التقرير «فريق إدارة وتقييم الكوارث والاستجابة السريعة لها»، الذي قيّم جهود ميانمار لتشجيع اللاجئين الروهنغيا على العودة من بنغلادش.
ولا يعمد التقرير إلى تخفيف شدة الاضطهادات والعذابات التي يواجهها مجتمع الروهنغيا، وإنما يفشل في الاعتراف بهوية اللاجئين باعتبارهم شعب الروهنغيا، وينتهك حالتهم العرقية ويركز، خطأً، على هويتهم الدينية كمسلمين. وتعرض التقرير للانتقادات من قبل مجموعات حقوق الإنسان، لكونه يحذف بصورة متعمدة معلومات يمكن أن تضع ميانمار في دائرة الاتهام.
وإثر ظهور التقرير الذي تم تسريبه، بداية الشهر الجاري، التقت الزعيمة الميانمارية، أون سان سو تشي، مع رئيس حكومة هنغاريا، فكتور اوربان، في بودابست، حيث تبادلا وجهات النظر المشتركة والمثيرة للجدل بشأن هجرة المسلمين. ويعكس هذا اللقاء مدى التغير الذي طرأ على سو تشي التي كانت رمزاً للديمقراطية، والتي ترى الآن أن اجتماعها مع أكثر قادة أوروبا تطرفاً نحو اليمين وكرهاً للأجانب، إنجازاً غاية في الأهمية.
لكن هذا الاجتماع يجعل تأكيدات ميانمار أنها يمكنها إعادة الروهنغيا، وأغلبهم من المسلمين، شيئاً من الماضي ولا يمكن تطبيقه. وإثر الاحتجاجات الغاضبة التي قامت بها المنظمات الدولية ومجموعات حقوق الإنسان، حاول فريق إدارة وتقييم الكوارث، دون جدوى، أن يرسم صورة ناصعة للممارسات المعقدة التي قالت عنها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنها «تطهير تعرقي».
وتم التلاعب بالاستفسارات عن أسباب استخدام كلمة «مسلم» بدلاً من «الروهنغيا»، من قبل المديرة التنفيذية للمركز الآسيوي لتنسيق المساعدة الإنسانية، أديلينا كمال، خلال محاولتها إبعاد الاهتمام عن إمكانية إيجاد حلول بناءة لقضية الروهنغيا، كنوع من المساعدة لميانمار.
وفي واقع الأمر، فإن فريق إدارة وتقييم الكوارث ليست لديه الاستقلالية المناسبة التي تجعله يركز على قضايا معينة، دون أن يشاركه في ذلك أفراد من حكومة ميانمار، بما فيها التحقيق في ادعاءات تتعلق بارتكاب انتهاكات وحشية ضد حقوق الإنسان من قبل جيش ميانمار. وبالطبع فإن ذلك يثير التساؤلات بشأن موضوعية التقرير وصدقيته، إضافة إلى الدوافع وراء هذا التوقيت.
وإذا كان الواقع يشير إلى أن فريق إدارة وتقييم الكوارث عاجز عن تحقيق التزاماته بتقديم التوصيات النزيهة والحرة، فإن ذلك يطرح تساؤلاً بشأن السبب الذي يدفعه إلى القيام بمثل هذا التقرير، وتقديم تحليل غير صحيح للأزمة الدائرة حالياً. وبدلاً من الصدقية، سلط التقرير الضوء على فشل المركز الآسيوي لتنسيق المساعدة الإنسانية في لعب دور فعال لحل الأزمة.
وتجنب التقرير، الذي يحمل عنوان «تقييم الحاجات الأولية لإعادة سكان أراكان إلى ديارهم في ميانمار»، ذكر انتهاكات لحقوق الإنسان التي تم ارتكابها ضد الروهنغيا، خلال عمليات القمع التي ارتكبها الجيش عام 2017. ولا يتضمن التقرير اعترافاً بأن اللاجئين يعيشون في مخيمات مكتظة وقذرة في بنغلادش، وليس هناك أي ذكر لحقيقة أن ولاية أراكان، حيث لايزال يعيش هناك نحو 400 ألف نسمة من الروهنغيا، تفتقر إلى الضروريات الأساسية، مثل الرعاية الصحية والتعليم، التي وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها «سجون في الهواء الطلق».
وفي محاكاة ساخرة للحقيقة، ادعى التقرير أن المجتمعات المحلية شعرت بالأمن بالقرب من وحدات حرس الحدود، التي توجّه إليها أصابع الاتهام بارتكابها أعمال عنف وحشية أدت إلى هروب الروهنغيا إلى بنغلادش.
وتصاعدت أزمة الروهنغيا إلى درجة دفعت الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، للقيام بزيارة نادرة إلى مخيمات الروهنغيا في بنغلادش، يرافقه رئيس البنك الدولي، جيم يونغ كيم. وإمعاناً في السخرية يثني التقرير على جهود ميانمار لضمان عودة «منظمة وسلسة» للروهنغيا إلى ديارهم، وينتقد الوسائل الروتينية والمعاملات الورقية المعقدة في بنغلادش، التي تؤخر عودة الروهنغيا إلى بيوتهم.
ولا يذكر التقرير الفشل المتواصل لميانمار في معالجة قضية إعادة الروهنغيا إلى ديارهم دون شروط، بما فيها ضمان المواطنة وحرية الحركة لهم، وكذلك الأمن، حالما يعودون إلى ديارهم. ويقلل من أهمية الحواجز التي أنشأتها ميانمار لمنع العودة العادلة والآمنة للروهنغيا إلى ديارهم.
وخلال كيل المديح «لجهود» ميانمار لتسهيل عودة الروهنغيا، يتحدث التقرير عن برنامج مدته سنتان لإعادة نصف مليون لاجئ إلى ديارهم، حيث يذكر رقماً أقل بكثير من تقديرات الأمم المتحدة للهاربين إلى بنغلادش، الأمر الذي يجعل التقرير غير دقيق وغير شرعي. وانتقدت منظمة العفو الدولية التقرير بشدة، ووصفته بالقول «من السخف الاعتقاد أن رجوع اللاجئين في مثل هذا الوضع يمكن أن يكون آمناً وطوعياً وباحترام».
والحقيقة أنه على الرغم من أن الخطة كانت تقضي بعودة أول اللاجئين إلى ديارهم في نوفمبر الماضي، إلا أن ميانمار لم تتخذ حتى الآن أي خطوة ملموسة لتحقيق مطالب اللاجئين، الأمر الذي يعزز رفض الروهنغيا العودة إلى أراكان.
وبدلاً من تقديم توصيات بناءة وإطار للحل، ركز التقرير بصورة أكثر على غسل الاتهامات التي يواجهها جيش ميانمار بارتكاب مجازر جماعية.
وعلى الرغم من أن التقرير يغطى سمات مهمة للروهنغيا بعد عودتهم إلى ديارهم، بما فيها سلامتهم الجسدية، إلا أنه أغفل عوامل مهمة جداً، مثل المواطنة والحقوق المتساوية والتعليم، ومنشآت الرعاية الصحية الضرورية، لضمان عودة ناجحة وإعادة تأهيل الروهنغيا.
وإثر صدور تقرير المركز الآسيوي لتنسيق المساعدات الإنسانية، كان التحول المثير للسخرية لسو تشي – التي كانت في السابق تجسيداً للدفاع عن حقوق الإنسان، كما أنها فازت بجائزة نوبل – قد تعزز عندما التقت مع رئيس حكومة هنغاريا، الذي يعلن عداءه علناً للمهاجرين. وعلى الرغم من أن سو تشي كانت تعتبر سابقاً «أيقونة بالنسبة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة»، إلا أنها تجد اليوم سمات مشتركة بينها وبين أكثر قادة أوروبا إثارة للجدل.
وفي هذه الأيام، بات أوربان وسو تشي من أشهر القادة في العالم الذين يدافعون عن الفكرة التي مفادها أن الإسلام هو الخطر الأكبر لبلديهما. واتفق الزعيمان على أنهما يواجهان تحديات كبيرة في كيفية «التعايش»، في ظل وجود أعداد متنامية من السكان المسلمين في بلديهما. وأشارت سو تشي وأوربان إلى تحدٍّ كبير آخر، تواجهه بلداهما، يتمثل في الهجرة. ووصفت منظمة «هيومان رايتس واتش» لقاء سو تشي مع أوربان بأنه «تعارف سعيد، وإقامة صداقة مع أكثر الرجال كرهاً للأجانب وللديمقراطية».
وعلى ضوء هذه المفاوضات بين الطرفين، فإن إصرار سو تشي على أن ميانمار تتخذ خطوات لإعادة الروهنغيا إلى ديارهم، بعيد تماماً عن الواقع، ويمثل دعاية قومية لبلادها.
وثمة أمر مؤكد، مفاده أن أزمة لاجئي الروهنغيا لم تنتهِ مطلقاً، كما أن الإشارات التي تظهر حتى الآن لا تقدم الكثير من الأمل لهذه الأقلية التي تعرضت لأسوأ أشكال الاضطهاد في العالم.
ونظراً إلى أن صورة المركز الآسيوي لتنسيق المساعدة الإنسانية قد تشوهت كثيراً، فإن الروهنغيا لا يمكنهم رؤية سوى مستقبل من اليأس نظراً إلى أن آمالهم تتضاءل بينما يقوم جيش ميانمار بالمماطلة والخداع. وأما حاملة جائزة نوبل فلم تعد صورتها أكثر من مجرد سياسي انتهازي يمثل الوجه الخارجي لنظام متوحش، كما أنها تمثل قيماً تتناقض لما اعتادت الدفاع عنه خلال أيامها الذهبية.
المصدر/ وكالة أنباء أراكان ANA