زعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مرارا وتكرارا، منذ شنه للحرب التجارية على الصين العام الماضي، أنه في حال استمرت الصين بالرد على القيود الأميركية، فإنها ستكون “الخاسرة الكبرى” في المعركة، لكنه قد يحتاج للتفكير بادعائه مرّة أخرى.
أعدت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية تقريرا بهذا الصدد، تناولت فيه نقطة ضعف في غاية الأهمية والتي يرى نقاد كثيرون أن إدارة ترامب فشلت في رصدها والتعامل معها بما يقتضي الأمر (أميركيا)، وهي قدرة الصين على ضرب القدرات العسكرية الأميركية عبر سيطرتها على قطاع العناصر الأرضية النادرة (المعادن النادرة).
وذكرت المجلة أن جميع الأسلحة المتقدمة في ترسانة الولايات المتحدة، من صواريخ “توماهوك” وحتى المقاتلات من طراز “إف 35” والمدمرات المزودة بالصواريخ الموجهة وغيرها، تعتمد اعتمادا تاما على المعادن النادرة، بما في ذلك العناصر الحرجة مثل المغناطيس الدائم والسبائك الخاصة التي يتم تصنيعها بشكل حصري تقريبا في الصين.
ولوحت الصين بقطع إمدادات المعادن النادرة عن الولايات المتحدة في أواخر الشهر الماضي، ردا على الضغوطات الأميركية المتزايدة على قطاع التكنولوجيا الصيني وشركة “هواوي” بشكل خاص.
ورغم استبعاد التقارير الصحافية لاحتمال تنفيذ الصين تهديداتها، إلا أنه لم تخف حدّة النبرة الصينية بهذا الشأن، ففي نهاية الأسبوع الماضي، أشارت وسائل الإعلام الصينية، والتي بمعظمها إما مملوكة للدولة أو مرتبطة بها، إلى أن احتمال فرض بكين قيودا على تصدير المعادن النادرة للولايات المتحدة، لا يزال قائما.
ونقلت المجلة قول مؤسس شركة “ثري” للاستشارات، جيمس كينيدي، إن الصين “غيرت بشكل فعال طريقة إدارة الحرب (التجارية)، وربما نتيجتها” أيضا. وشركة “ثري” متخصصة في الآثار الأمنية لقطاع المعادن النادرة.
وقال كينيدي إنه على الرغم من كل التلميحات إلى احتمال نشوب حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين، فإن القدرة الأميركية العسكرية لا تزال مرهونة إلى حد كبير بيد دولة واحدة أصبح مسؤولو الأمن القومي الأميركيون ينظرون إليها باعتبارها منافسا إستراتيجيا.
وأشار إلى أن “المعادن النادرة هي في الواقع دافع للهيمنة. وإذا ما دخلت الولايات المتحدة في صراع (عسكري)، فإن الصين هي المزود لغالبية الأسلحة الراقية. ويمكن للصين أن تحدد نتائج النزاع، وقد يؤدي ذلك إلى انتقال الهيمنة (للصين)”.
وشددت المجلة على أن القطاع العسكري الأميركي برغم اعتماده على المعادن النادرة، إلا أنه لا يحتاج كميات كبيرة منها بخلاف القطاع التكنولوجي. لكن أكثر ما يحتاجه هو المعادن النادرة عالية التصنيع، وخصوصا المغناطيس الدائم، المصنوع بشكل أساسي في اليابان والصين فقط.
وعلى الرغم من أن اليابان، التي تأثرت بشدة بالحظر الصيني للمعادن النادرة بين عامي 2010 و 2011، فقد استطاعت أن تحقق بعض التقدم والتحرر من الاعتماد على الموردين الصينيين، إلا أنها لا تزال متعلقة بعمق بالصين، مما يتركها دون قدرة تذكر في زيادة حجم الإنتاج لإنقاذ المستهلكين الأميركيين، بينما تتطلع لتلبية احتياجاتها المحلية.
ولفتت المجلة إلى أن البنتاغون يتصارع مع أهمية العناصر الأرضية النادرة ومدى تأثيرها على الصناعة العسكرية منذ سنوات، وسعت الإدارات المتعاقبة إما إلى تنشيط صناعة هذه العناصر التي كانت مزدهرة في الولايات المتحدة، في السابق أو إلى تخزين المواد الحساسة، أو البحث عن بدائل للاستيراد، ولكن دون نجاح يذكر حتى الآن.
وتدعم الصين في كثير من الأحيان شركاتها المختصة بالتنقيب عن المعادن النادرة، وتبيعها بسعر منخفض نسبة لحجم السوق، مما يصعب دخول شركات خاصة في المجال.
وليس لدى وزارة الدفاع الأميركية أي تعريف واضح لماهية المواد الضرورية، وغالبًا ما لا تكون المخزونات العسكرية من هذه العناصر، بشكل غير صالح للاستخدام.
وخلص مكتب محاسبة الحكومة، هيئة أميركية، في تقرير عام 2016، إلى أنه “لا يوجد لدى وزارة الدفاع الأميركية نهج شامل على مستوى الإدارة لتحديد أي عناصر أرضية نادرة تعد ضرورية للأمن القومي، وكيفية التعامل مع الاضطرابات المحتملة في الإمدادات لضمان وصول مستمر وموثوق إليها”.
وشددت المجلة على أنه في حالات كثيرة لا يوجد بديل لهذه المواد، وفي حالات أخرى، يكون الوقت والتكلفة لاختبار البدائل وتأهيلها “باهظين”، كما وجد التقرير.
ويؤكد المسؤولون الأميركيون السابقون في القطاع العسكري، أنه ليس من الواضح حتى الآن، إذا ما توصلت الحكومة إلى حل لهذا الضعف حتى الآن.
ومع ذلك، فإنه ما من تأكيد حتى الآن، بأن بكين ستفي بتهديداتها المبطنة بقطع بعض المعادة الهامة عن الولايات المتحدة. وسيُنظر إلى تقليص كهذا في بكين وواشنطن على حد سواء، كخطوة استفزازية للغاية.
وقال كينيدي أيضا، إن أسلحة الجيل القادم من المحتمل أن تكون أكثر اعتمادا على العناصر الأرضية النادرة عالية التصنيع، بما في ذلك الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت وأسلحة الطاقة الموجهة وحتى الحوسبة الكمومية.
وضاعفت إدارة ترامب جهودها لإعادة تشغيل المناجم للتنقيب عن العناصر الأرضية النادرة، لكن من المرجح ألا تؤدي هذه المناجم، ولا ومنشآت المعالجة الوسيطة، إلى التقليل من هيمنة الصين على سلسلة الإنتاج بأكملها.
المصدر/ عرب48