أعلن فريق بحثي من معامل البيولوجيا الجزيئية بجامة كامبريدج تمكّنه من إنتاج أحد أنواع البكتيريا التي تعيش في معدة الإنسان، وتسمى “إيشريشيا كولاي”، عن طريق حمض نووي مصنع بالكامل، صُمم على مدى عامين.
شفرة الحياة
الحمض النووي (دي إن أي) الخاص بأي كائن حي يحتوي على كل صفاته الظاهرة؛ مثل لون عينيك، أو شكل الأنف أو طبيعة الشعر (ناعم أو خشن) ولونه (أسود إلى أشقر)، وصولا إلى وظائف الخلايا وأعضاء الجسم.
والحمض النووي مركب كيميائي ضخم للغاية يتخذ شكل شريط مزدوج، لكنه يتكون -في الأساس- من تتابع لأربع وحدات، تسمى بالحروف الإنجليزية “C” و”T” و”G” و”A”.
تتكرر هذه الوحدات على طول شريط الحمض النووي، ويشبه الأمر أن تكتب برنامجا بلغة الحاسوب، إنها اللغة نفسها بالقواعد نفسها، لكن باستخدامها يمكن أن تؤلف لعبة جديدة، أو كتابا صوتيا، أو وسيلة تواصل اجتماعي.
هكذا الأمر بالنسبة للكائنات الحية، سواء في بكتيريا “إيشريشيا كولاي”، أو البشر، نفس الوحدات الخاصة بالحمض النووي تصنع صفات مختلفة.
كائن جديد
ووفقا للنتائج -التي نشرت في دورية نيتشر قبل عدة أيام- فقد تمكن فريق كامبريدج من استبدال أربعة ملايين وحدة من الحمض النووي الخاص “بإيشريشيا كولاي” بوحدات مصنعة، كما قاموا بإجراء تعديلات في الحمض النووي الخاص بالخلية، مما جعلها مختلفة في الشكل، لكنها لم تمت.
يأتي هذا الإنجاز كمرحلة جديدة تماما للتطورات الأخيرة في تعديلات الحمض النووي، التي بدأت عام 2008 حينما تمكن كريغ فنتر -العالم الأميركي الشهير الذي قاد فريق كتابة المسودة الأولى لتسلسل الجينوم البشري- من بناء أول خلية حية تحتوي على حمض نووي مصنع.
لكن القفزة التي يقدمها فريق كامبريدج ترتبط بعدد الوحدات المستبدلة والمعدلة من الحمض النووي، فما بدأه فينتر بما بين عشرة وعشرين ألف وحدة من وحدات الحمض النووي امتد في الدراسة الجديدة ليصبح أربعة ملايين وحدة مصنعة.
تطبيقات واعدة
يأمل باحثو الدراسة أن يسهم هذا الإنجاز في خطوة مهمة نحو تطوّر مستقبلي أكثر قوة في مجالات تصنيع الحمض النووي وتعديله.
حيث تأتي أهمية هذا النوع من الأبحاث في عصر يواجه فيه البشر مشكلات طبية كبيرة، فعلى الرغم من كل التقدم الذي أحرزه العلماء في هذا النطاق، فإنه لا زال هناك الكثير من المشكلات المتعلقة بالمضادات الحيوية والسرطان وأمراض فيروسية كالإيدز وغيرها.
ويفتح هذا المجال البحثي بابا جديدا تماما لتصنيع خلايا مقاومة للفيروسات، أو تحويرها؛ بحيث تؤدي وظائف أيضية محددة تخدم مرض السكري على سبيل المثال.
بمعنى أوضح، يمكن أن تكون أدوية المستقبل هي خلايا مصنعة أو معدلة تم توجيهها لمنطقة محددة من الجسم، وتلك هي ثورة علمية حقيقية.
المصدر : الجزيرة,مواقع إلكترونية