بقلم الكاتب في صحيفة “معاريف” العبرية: الون بن دافيد/
“من التاسع من آب ضعفت قوة الشمس”، ادعى رابي اليعيزر، ولعله أعرب عن أمنية. ولكن في شهر آب الإسرائيلي لا تزال الشمس تضرب بكل قوتها ولا تضعف إلا قوتنا. عندما رأيت مقاتلي الجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان يترتبون بصف ويحاولون إسقاط أول طائرة في صالح المظليين، تذكرت قولاً أدق لحكماء التلمود البابلي: “أواخر الصيف أصعب من الصيف”، ومثل الفرن الذي غذي كل الصيف.. تكفي جمرات قليلة كي تضرم الشعلة من جديد.
في التكرارية الموسمية ذاتها تحذر الاستخبارات من اشتعال وانفجار في الساحة الفلسطينية. لا حاجة للمرء أن يكون ضابط أمن كي يشخص أجواء العنف المتصاعدة في أوساط الفلسطينيين. أحداث الحرم أيقظت من جديد ظاهرة منفذي العمليات الأفراد، ومن السابق لأوانه الأقوال إذا كانت هذه الموجة باتت خلفنا.
سلسلة العمليات في الأسبوعين الأخيرين تلقي ضوءاً آخر على العناد الإسرائيلي في السماح بدخول اليهود إلى الحرم يوم عيد الأضحى الإسلامي في التاسع من آب. ليس مؤكداً إن كان الثمن يستحق هذا. إسرائيل هي صاحبة السيادة في الحرم، وبصفتها هذه فإنها ملزمة بتحقيق سيادتها، ولكن بالعقل. إسرائيل هي أيضاً صاحبة السيادة في مغارة المكفيلاة، ولكن تقرر هناك تقسيم اليوم المتفجر إلى مواعيد لصلاة منفصلة لليهود وللعرب، وكانت النتيجة هدوءاً مثالياً.
انتشرت ظاهرة الأفراد إلى غزة أيضاً. وبينما حماس تدفع وتشجع العمليات في الضفة، فإن محاولات التسلل من غزة تجري رغم أنف حماس وليس بتشجيعها. “شباب غاضب” هكذا وصف السنوار الشبان الذين يحاولون التسلل إلى إسرائيل، وبهذا التعبير حاول أن يبعد حماس عن الضلوع في الأحداث والإيضاح بأنهم ليسوا من رجاله. فالخلايا التي وصلت الجدار في الأسابيع الأخيرة كانت في معظمها لشبان يائسين من انعدام الجدوى ومن الإحساس بأن حماس هجرت طريق الجهاد فقرروا التفجير على الجدار في عملية انتحارية.
حماس والسنوار، حملة علم “المقاومة”، لا يمكنهما أن يقفا علناً ضد هذه الأعمال، ولكنهما يفهمان الخطورة الهائلة الكامنة فيها. في غزة يحصون منذ الآن ثمانية قتلى في أحداث أمنية ضد الجدار الحدودي في الأسبوعين الأخيرين، ولكن السنوار لا يتحدث عن الثأر، بل عن الحاجة للعودة إلى التسوية. جاء التنفيس على شكل سبعة صواريخ أطلقت إلى إسرائيل، قد يكون بغض النظر من حماس، ولكن حماس لا تزال تحذر من العودة إلى إرهاب الحرائق والمناوشات الليلية.
ما المصلحة؟*
الحادثة غير الناجحة لغولاني، مع القوة التي امتنعت عن الهجوم على مخرب، كأن بها أعادت الانطلاق لمنظومة فرقة غزة. منذئذ، في ثلاث محاولات تسلل عملت المنظومة، فقد ركزت كل الجهود وأنهت كل حدث بسرعة وبحسم، دون مخاطرة.
بالمناسبة، في حدث غولاني أيضاً، الذي بدأ بشكل غير جيد، مع مشاكل تجنيد أساسية، نجحت المنظومة في التصدي للحدث وإنهائه دون أن يعرض المواطنين للتهديد. وعن حق، أقصى قائد لواء غولاني المقاتلين الذين امتنعوا عن السعي إلى الاشتباك. هم ببساطة اختاروا ألا يدخلوا معركة، وهذا ما ليس ينتظر من مقاتلين مثل غولاني. ليس لسبب النائب العسكري العام ولا بأثر ازاريا، إنما عرض من أعراض جيش لم يحصل أن اشتبك مع العدو لزمن طويل.
منذ سنين، وكل فلسطيني يومياً يحاول اجتياز الجدار من غزة إلى إسرائيل بهدف الدخول إلى السجن. يعرف الفلسطينيون بأنهم إذا جاؤوا غير مسلحين فسيعودون إلى القطاع، ولهذا فإنهم يحرصون على التزود بسكين أو بقنبلة تضمن لهم السجن وثلاث وجبات في اليوم. ما يفتقدونه في بيوتهم. وكانت فرقة غزة تحتاج إلى حدث واحد كي تفهم بأنها تقف أمام ظاهرة مختلفة، ومنذ ذلك الحين تتعاطى مع كل تسلل بصفة أنه يريد أن ينفذ عملية إلى أن يثبت عكس ذلك.
إن نجاح فرقة غزة في منع التسللات يسمح حالياً لإسرائيل باختيار سياسة الرد المقننة دون أن تنجر بعد كل حدث إلى مواجهة واسعة. كثيرون من سكان غلاف غزة غاضبون من هذه السياسة. ويتوقعون خطوة إسرائيلية واسعة. عملية واحدة تتحقق أو صاروخ صائب سيؤدي بنا إلى مواجهة واسعة
الغلاف في هذه الأثناء يعاني، ونفهم من ذلك انعدام الصبر لدى السكان هناك. “الرشح”.. وصف هذا اللواء احتياط يوسي بخر، أي أنه يريد أن يقول شيئاً مقلقاً ومزعجاً، لا نذهب إلى الطبيب بسببه. والعلاج لا يأتي بشكل خطوة عسكرية، يحتمل أن تكون محتمة. ولكنه إذا لم يترافق مع خطوة مدنية تمنح أفقاً لسكان القطاع، فإن تأثيره سيكون كتأثير الأكامول: ارتياح قصير ومؤقت.
يعدنا الليكود و”أزرق أبيض”، كل واحد بطريقته، بحرب في غزة بعد الانتخابات. يبدو هذا الوعد لطيفاً لبعض من الجمهور. أما الوعد الذي ينبغي أن نطالبهم به فهو أن يقرروا سياسة إسرائيلية تجاه غزة. بعد 14 سنة من فك الارتباط لا تنجح إسرائيل بعد في أن تقرر ما مصلحتنا تجاه غزة.
روى مصدر مقرب من رئيس الوزراء هذا الأسبوع عن مساعي إسرائيل لتشجيع الهجرة من غزة. مساع لم تنجح. ولو أعطيت لسكان القطاع إمكانية حقيقية للخروج من هناك، لوثقت بأن مئات الآلاف سيخرجون. ولكن طالما أبقينا على القطاع مغلقاً ومسدوداً، فإن غزة بمليونين من السكان الذين يعيشون فيها، ستبقى جارتنا حتى بعد أن ينقضي حر الصيف.
(ترجمة-عكا)